الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٦ صباحاً

مطاوعة فيشينج ..

معاذ الجلال
الاربعاء ، ١١ يوليو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
التعريف الشائع للمطوع بأنه من أطاع الله ، وكلمة ((مطوع)) من حيث اللغة والمعنى أصلها في اللغة ((متطوع)) أي الذي يقدم على العمل أياً كان هذا العمل تطوعاً منه لا يريد من هذا العمل لا مالا ً ولا جاهاً قال تعالى ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) [البقرة 158] ، وقال أيضا ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [التوبة:79] هذا كما جاء في كتاب الله لم يأتي في كتاب الله أو سنة نبيه أي خبر بان من لديه لحيه فهو مطوع أما الآن فالمسمى قد اختلف تماماً فمن يطلق لحيته قليلاً أو كثيراً فهو مطوع والكثير منهم يطلق اللحية حسب قوله للضرورة إما ضرورة عمل أو لجذب فاعلين الخير والمحسنين والبعض لكي يحصل على كذا أو يلتحق بكذا او للحصول على تزكية من فلان او علان بل إن الأغلب بعد ان يطلقون لحالهم يعتبرون أنفسهم أوصياء على ذرية آدم فنراهم بأعداد هائلة وكل يوم يكبر هذا الرقم وتتزاحم اللحى وتكثر التسميات فمنهم من يصير أستاذ وهو لم يكمل الابتدائية والآخر شيخ وهو لا يجيد نطق العربية والثالث علامة وهو لا يعرف آداب دخول المسجد والرابع مُلى والخامس آية الله والسادس حُجة الله ... الخ وكل شخص يزكي الآخر رغم معرفته بظاهرة وباطنه لكنها المصالح تعمي الكثير عن قول الحق وهي السياسة المتبعة والتي تنص على ( إذا لم تكن معي فأنت ضدي ) ..

عمري اليوم سبعة وعشرون عاماً ومنذُ الصفوف الأولية من دراستي الابتدائية وتحديداً في الصف الثالث الابتدائي بدأ احتكاكي بهذه الكائنات ( المطاوعة ) نظراً للبيئة التي كانت تحيط بي كـ خالي وابن عمتي وأولاد خالي والكثير من الأقارب كانوا ( مطاوعة ) والكثير من المعلمين كانوا كذلك خاصة بعد حرب صيف 94 الدامي الذي أفتوا فيه المطاوعة بقتل إخواننا في الجنوب وأتذكر أنهم كانوا يقولون لنا في المدرسة الجهاد في عدن فرض عين ، وأتذكر بأن والدي رحمة الله عليه كان لا يحب هذه الفئة من الناس ولكنه رجل ديمقراطي يعطيني فرصة كي أفكر ثم أقرر يوجهني للطريق الصحيح ويحترم قناعاتي ولا يجبرني على شيء وكنت أترجاه أن يطلق لحيته ويصير مطوع مثل الأستاذ الفلاني وأبي يستمع لي ويضحك وكان يقول لي دائماً ليست اللحية دليل على صلاح القلب لكن عقلي وقتها ( عقل جاهل ) فكان المطوع عندي مدرسه وجامعة ولفظ أستاذ أطلقه على جاهلهم وعاقلهم حسب ما يملونه علينا ولا أنكر أن مطاوعة الأمس أفضل من مطاوعة اليوم فالفرق واضح فقد اندثرت مطاوعة الأمس وأنتجت مطاوعة اليوم أو بالأصح فقد تغيرت مطاوعة الأمس وأصبحت هي مطاوعة اليوم .. لم اعرف كُتب في كل تلك الفترة غير كتاب ( الوصايا العشر لحسن البناء ) وكتاب ( ماذا يعني انتمائي للإسلام لـ فتحي يكن ) حشونا به حشوا حتى كدت أحفظه عن ظهر قلب .. كبرت وفي المرحلة الثانوية أدركت أكثر أني لست عصى ولا دمية بيد احد وليس رأسي جراباً فارغاً يملئه كل صاحب لحية فبدأت أنتقد وأعارض وانتقاداتي ومعارضتي كانت على حق ومنها بدأ السخط عليا او الحرب الإعلامية كما يسميه البعض فإن كتبت قصيدة غزلية قالوا صايع وان كتبها وطنيه قالوا يحب النظام ووالده موظف في الدولة وان كتبتها عربية خالصة قالوا قومي ، إن قصرت لحيتي وحلقت ( سكسوكة ) ولبست جينز قالوا تشبه بأقوام وان أطلقت لحيتي قالوا أسد الله حتى لو لم اضرب ركعة أهم شيء اللحية طويلة والثوب قصير يحكمون على المظهر لا على الجوهر الأحكام جاهزة وأسهل شيء عندهم التزكيات والفتاوى بل والمصيبة أن بعضهم يدعي انه شيخ بمجرد إطلاق لحيته وحفظه لقصار السور فتراه يكفر ويأمر وينهي ويدخل ناس الجنة وناس للنار وهو لم يكمل دراسة المرحلة المتوسطة اقسم بالله أني أتكلم عن تجربة وليس ثرثرة أو طعن في أحد ، وأتذكر أن احد الزملاء كفرني أنا وزميل آخر وأرسل لنا رسالة وطلب منا أن نتوب بمجرد مخالفتنا لرأيه وإلى الآن اذكره بذلك الموقف فيضحك .. هي ثقافة الشارع لا يهضمها أحد ولا يقبلها عقل .. الخلاصة بالمعنى العامي ( يحنبوا بك حنب ) يا رحمتي لحالهم ..

إن الواقع اليوم يحتم علينا أن نعترف بأن حال الكثير من مطاوعة اليوم يرثى له اغلبهم يطلبك لمصلحة ويزعل منك بسبب مصلحة إن دليت أحدهم على خير واستعنت به يسبقك إليه في المرة القادمة وإن سألته يا راجل ليش كذا عيب عليك يرد عليك ويقول ألم تسمع قول الله جل وعلا ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الحديد21

يا أخي سابق بصلاتك بعملك للخير ببرك بوالديك بصدقة السر ... الخ أعمال الخير كثيرة وميدان السباق واسع أما تركب على ظهري وتسرق جهدي وعلاقاتي التي بنيتها من سنين بدون ذرة حياء أو خجل بمجرد أني استعنت بك ذات يوم وتقول مسابقة ؟؟ صدق المثل القائل ( علمته الشحاته فسبقني ع الأبواب ) .

مع خالص تقديري للبعض من المطاوعة وهم قلة احترامي لذواتهم وشخصياتهم وصفاتهم وأفعالهم الكريمة وعقلياتهم النظيفة وليس للحاهم التي تضيق بها خدودهم ويضيق حالنا منها أكثر منهم فأنا في مقالي هذا لا اعني أصحاب النفوس الطيبة الكريمة من مطاوعة الأمس أو مطاوعة اليوم إنما اعني به المطاوعة ( الفيشنج ) ومن يزعل من مقالي هذا فهو أكيد مطوع فيشنج والذي على رأسه بطحا يتحسسها ..

ختاماً :-
متى يصير المطوع متطوعاً يعمل لله وفي الله ، ومتى يصحو الكثير منا ويتركون تقديس اللحى وإطلاق الألفاظ والتسميات ويتركون سياسة ( النفخ والتعظيم ) وينزلون الناس منازلهم ؟ متى نقول للمطوع ( الفيشنج ) أخطأت ولست ملاك ونقول للمحسن والمصيب أحسنت وأصبت بغض النظر عن ( السكسوكه ) المرتسمة في أقصى وجهه ؟ متى نرى مطاوعة حقيقيين لا مطاوعة ( صينيين ) ينفجر الواحد منهم ويصيبنا بأضراره بمجرد مخالفتنا لرأيه ؟ متى نرى مطاوعة لا تغيرهم الماديات ولا البرلمانات ولا الكراسي والوزارات ؟ متى نرى مطاوعة صدورهم رحبة وقلوبهم واسعة يحترمون أنفسهم ويقبلون بالرأي ويتعايشون مع الأخر ويحترمون عقله وعلمه ومعتقده وإنسانيته بغض النظر عن انتمائه ولحيته وبنطاله وقصة شعره ؟ متى نرى مطاوعة ينزلون الناس منازلهم ويعطون كل ذي علم وكل ذي حق حقه ؟ متى نرى مطاوعة نفخر بهم يساعدون الفقير ويقفون بجانب الضعيف المسكين ويكون أخر شيء يهمهم هو بند ( العاملين عليها ) ؟ متى ومتى ومتى؟؟

إن ظهر المطاوعة الذي ابحث عنهم في تساؤلاتي فالدنيا بخير ، وإن تكاثروا المطاوعة ( الفيشنج ) حق هذه الأيام الذين طفشوا الناس من سوء معاملاتهم وتعاملاتهم وحرصهم على بند ( العاملين عليها ) فاقرءوا على الدنيا السلام .

خاطركم واعذرني ع الإطالة ...