الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٢ مساءً

الربيع السعودي يدق أبواب المملكة..

صالح السندي
الاربعاء ، ١١ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
طالما كانت السعودية في معزل ومأمن من رياح التغيير ومخاطر الربيع العربي, الذي اسقط انظمة وساهم في انهيار اخرى , ولأن الجارة الكبرى تحمل معارضه قوية غير معلنة في الداخل , ومعارضة كبيرة وقوية في الخارج , سعت وسائل الإعلام العربية الموالية والمدعومة خليجياً بحجب الأخبار وقلب الحقائق , وايهام الرأي العربي والعالمي ان السعودية والخليج في مأمن من الربيع العربي الثائر, بدايات ثورة البحرين والإنتفاضة الخليجية الغير معلنة في القطيف وبعض المحافظات الشرقية والجنوبية في المملكة والتى امتدت رحاها الى الكويت وبعض دول الخليج في مظاهرات واعتصامات مفتوحة او احتجاجات رسمية وشعبية , تعتبر ناقوس خطر وانذار مبكر بولادة ثورات ربيع خليجية متكاثرة ومنتشرة بسرعة فائقة , أفضت إلى تغييرات وإصلاحات سياسية عاجلة ومؤقتة.

ثورة البحرين تصدّرت موقف الأحداث وطغت على السطح , ولكن الإعلام الخليجي الممول والمال السعودي والتدخل الأجنبي حال دون انتصار الثورة البحرينية , وان كان اخواننا في البحرين مازلوا مستمرين في ثورتهم بكل تضحية واباء وفداء , بالرغم من أن آلة القمع البحرينية المدعومة سعوديا بقوات درع الجزيرة ترتكب مجازر وحشية واعمال ابادة جماعية وتعذيب ضد المعتقلين وتعتقلى الآلاف من احرارا البلدين , وفي سابقة خطيرة وبعد ان ضاقت بها الأحداث المتفاقمة ذرعاً قامت السلطات في المملكة بالأمس وفي سابقة خطيرة باعتقال عالم الدين البارز الشيخ نمر باقر أمين النمر , والذي قاد وعلى مدى اعوام مسيرة التصحيح والتغيير في المملكة , ولاقت حملتة رواجاً وإقبالاً شعبياً كبيراً , ولاقى في المقابل شتى صنوف الإعتقالات والمضايقات المستمرة , وكانت السلطات تتحاشى اعتقاله لفترات طويلة, لما يحمله من شعبية كبيرة وانصار كثر.

ولكن مؤخراً أحست المملكة بالخطر المرتقب من سياسة الصمت والإعتقال فلجأت الى القمع مباشرة واطلاق النار عليه والإعتقال معا , وعمّت المملكة مظاهر استياء شعبية , خاصة المحافظات الجنوبية والشرقية , لما تحملة من احترام كبير للشيخ , ولما يمثلة من علم ورمزية دينية بارزة في المملكة , سارعت وسائل الإعلام السعودية بدورها الى نفي الخبر – لإمتصاص غضب الشارع الملتهب- وما اكدتة لاحقاً تحت وطأت المظاهرات والإحتجات الشعبية العارمة , التي بدأت تدق الأبواب وتهز دعائم العرش و النظام السعودي المتهالك , الذي اصيب بالشيخوخة والعجر والهرم السياسي بعد ان توالت و تولّت في السنوات الأخيرة شخصيات مسنّة مقاليد الحكم والسلطة , و بعد مسلسل الوفيات المعلنة والمتتالية لرموز المملكة الشائخة , مع حدة الخلاف الأسري بين اقطاب العائلة الحاكمة ونظام البيعة و ولاية العهد الذي يتنامى باستمرار وظهر للعلن .

إذن المملكة تغرق -ودون شعور- في مستنقع الخطيئة السياسية وقمع الشعوب وكبت الحريات العامة والإعتقالات التعسفية , فحين دأبت المملكة الى الوقوف ضد ثورات الربيع العربي في مختلف الاقطار , وسعت جاهدة الى الكيل بمكيالين في موازين القوى الدولية من داعمة لثورات معينة ومحاربة لثورات أخرى , هاهي تنساق لا إراديا متعامية الى الثورات الوليدة التي تنتفض داخلها بكثرة وتهز أرجاء المملكة , وتسعى يوما بعد يوم الى تقويض حكم آل سعود وازالة النظام الملكي وللأبد, الذي اثبت وعلى مدى تأريخة الدموي القديم انه قائم على اسس الديكتاتورية ودعائم الإستبداد , منتهجاً سياسة التوسع وابتلاع اراضي الجوار , وخلق المشاكل وافتعال الأزمات بين الدول , ومعاداة الدول الإسلامية و محاربة دول اخرى , مستغلة بذلك النفوذ السياسي والسيطره على مساحة كبيرة في عمق الوطن العربي وشبة الحزيرة , ومستغلة وجود العامل المقدس بما حباها الله من مكانة مرموقة بوجود الكعبة المشرفة وقبلة المسلمين على اراضيها.

فسعت المملكة طيلة سنوات حكم آل سعود باستعباد الشعوب العربية ودول الجوار خاصة , ساعدها في ذلك ايضا توسع النفوذ الخارجي واستغلال موارد النفط والطاقة والثروة الهائلة من الاستثمارات الاجنبية والخارجية , التي فتحت الباب على مصراعية امام التدخل الأجنبي والخارجي بشقية السياسي والعسكري في شبة الجزيرة العربية , عانت منه الدول العربية الى الآن من نتائج ومسلسل التدخلات الخارجية من حرب الخليج الاولى والثانية وسقوط الدول والأنظمة وشق الصف بين دول الممانعة والاعتدال , لعبت حينها السعودية دوراً مؤثراً وبارزاً في شق الصف وتمزيق إئتلاف الوحدة العربية , وأوجدت تضارب السياسات والمصالح وتباين الرؤى , مما ساهم بشكل كبير في توسع فجوة الخلاف والإقتتال بين الأشقاء.

ولم تتوقف حدود تاثيراتها السلبية على دول الجوار بل امتدت الى ماوراء البحار , وفرّخت وصدّرت الإرهاب العالمي , ومنها ومن على اراضيها نشأ الفكر الإسلامي المتطرف وانتشر في كل البقاع , ومن الناحية الإقتصادية الداخلية عاني مواطني المملكة قبل غيرهم من فساد الأسرة الحاكمة واستفرادها بالمال والسلطة معا , بينما يقبع غالبية الشعب ونسبة كبيره منهم تحت طائلة الفقر والحرمان , وتثبت الإحصائيات الاخيرة عن مدى الإنهيار الإقتصادي الفضيع التي وصلت اليه المملكه, اذن المملكة في طريقها الى الإنهيار والإحتضار والتلاشي , وحكم آل سعود بات قاب قوسين او ادنى من السقوط الحتمي .

وان كانت المظاهرات الشعبية الرافضة تعمّ المملكة ومنذ وقت مبكر , الا انها كانت غير معلنة رغم ما حصل فيها من تجاوزات واعتقالات وانتهاكات صارخة , وكبت للحريات الصحفية والإعلامية , ومطاردات واختفاء قهري وقسري للكثيرين من المعارضين , مع تواجد البعض في الخارج , وحين يراد لها الصبغة الدينية البحتة والباسها اللباس الشيعي , للتنفير منها والحيلولة دون توسعها , والدق على وتر المذهبية والطائفية والمناطقية , كسلاح أخير لالتقاط انفاس النظام ووأد الثورة الوليدة , الا ان مشاعر الغضب والإستياء تجاه حكم آل سعود لم تتوقف على المواطنين السعوديين او عند طائفة معينة , بل امتدت موجة الإستنكار لتشمل الشعب السعودي عامة والى المحيط العربي والمسلم , من قبل الشعوب العربية بسبب مواقف المملكة السلبية والمعادية من ثورات الربيع العربي , وتدخلها المستميت في سياسات بعض الدول وصلت الى دعم رؤساء وانظمة تقوم بقمع وقتل شعوبها بدم بارد , وتوفير الغطاء السياسي والشرعي ودعمها بالمال والسلاح , وتقديم الحصانة القانونية والدولية , وشرعنة التواجد الأمريكي والخارجي.

(ثورة الربيع السعودي) وان كانت قادمة من عمق المملكة مع معارضة الخارج , ومع مظاهر الإنتقاد الواسعة من قبل اكثر شعوب المنطقة ومع التغييرات الجيوسياسية والديموقراطية المرافقة التي تشتعل في دول الجوار ستطوق وتخنق المملكة وتحاصرها , وستصيبها بالموت السريري البطئ وستجرها الى رحى التغيير والانطلاق رغماً عنها, للخروج من حكم الإستبداد والتملك , صفّارة الإنذار وحين انطلقت من تونس شعرت حينها المملكة بالخطر الحقيقي المتنامي الذي يحدق بها من كل جانب , خاصة مع سقوط انظمة حليفة وقوية كنظام حسني مبارك , ومع تلاشي شرعية انظمة الجوار المتمثلة في البحرين واليمن , مع الصمت الخليجي المطبق والتعامي عن مسلسل السقوط الذي ينتابها , شعرت المملكة انها بدأت تفقد اشدّ واقوى الحلفاء في المنطقة وبدأت تنسلخ كليا من عوامل القوة والصمود والبقاء , وبدأت اجنحتها الطائرة المحلقة في الفضاء العربي بالتلاشي تدريجياً , فسارعت الى المساهمة في عودة الفلول في مصر عبر ممثلها احمد شفيق -وفشلت في ذلك - وسارعت الى توفير غطاء شرعي وحصانة لعلي صالح ونظامه ولكنها- فشلت شعبياً أيضاً - في اضافة شرعية للنظام و تطبيق المبادرة الخليجية في اليمن .

وسارعت بكل قوة لوأد ثورة البحرين الوليدة , ولكن صمود احرار البحرين وقوة المعارضة فوّتت الفرصة على امراء الخليج لإحتواء نار الثورة المستعرة , رغم تدخلها بقوات اضافية نوعية من درع الجزيرة لقمع المظاهرات بالقوة , و بذلك فشلت شعبياً مرة أخرى في قتل روح التغيير المتّقدة في النفوس وما زالت مستمرة , العداء التأريخي بين قطر والمملكة ربما يساهم هو الآخر مستقبلا في كبح جماح و قلب طاولة الحكم السعودي ودفن بقاياة في مقابر السياسة والأنظمة المتهاوية , الصمت القطري وان كانت هناك حرباً اعلامية وسياسية شرسة وخفية بين المملكة مع الدول الخليجية المتحالفه معها من جهة و دولة قطر مع الدول الصامتة الحيادية من جهة اخرى.

العلاقة الخليجية المتباينة والمثيرة للجدل والريبة , و الحذر في التعامل مع المجمل القضايا الخليجية العالقة , والفشل المتكرر في سبر اغوار هموم وتطلعات دول الخليج النائمة على بحر من النفط , المتناسية في ظل الرفاهية المطلقة الاخطار المحدقة بها من كل جانب , سيساهم في خنق الأنظمة المستبدة في المنطقة وانهيارها , اذن هناك مظاهر من اجواء عدم الثقة والتوافق و الإنسجام بين الدول الخليجية وهناك حذر في التعامل مع العلاقات المتبادلة , لا تخفيها التصريحات الإعلامية المقتضبة والمتبادلة بين الحلفاء الأعداء في المربع الخليجي الغامض والقابع تحت حرب هوجاء غير معلنة.

إذن في حال توجه المملكة الى خيار القوة والعنف واستخدام السلاح في مواجهة المظاهرات والانتفاضات الشعبية , ستواجة بردات فعل عنيفة من المجتمع الدولي والجوار , فليس هناك صداقة دائمة او عداء دائم في مفهوم السياسة الدولية , المصلحة وحدها من تقود السياسات حسب الرغبات , و حيال الصمت الخليجي من جهه أخرى , وحيث ان كل دولة خليجية تعاني الأمرّين – داخلياً- من تمرد الشعب ونقمتة وغضبه المتنامي ومن الاوضاع السياسية والإقتصادية المتدهورة التي دوما بحاجة الى اصلاح وتغيير , -وخارجيا- من ضغط الربيع العربي والمتغيرات الدولية المحيطة , ودولة الكويت خير مثال , خاصة بعد حل مجلس الأمة الكويتي وتغيير الحكومة وفرض اصلاحات دستورية جديدة , الكل هنا .. يستبق العاصفة ويسارع بإعلان حزمة من الإصلاحات الدستورية والحكومية المهدئة والمسكنة, محاولة منه لذر الرماد على العيون وتفويت الفرصة على الربيع العربي الذي طال مكوثة وخنق الأنفاس واصبح ضيفا ثقيلا وغير مرغوب به في الوسط الخليجي .

مما سبق يمكن تلخيص اجمالي عوامل سقوط المملكة كالتالي:

1- عوامل داخلية متمثلة في معارضة الداخل والتي بدأت تجني ثمارها وتؤتي أؤكلها على ارض الواقع.
2- معارضة الخارج والتي صارت اكثر قوة من ذي قبل , ساهم الربيع العربي في توسع بؤرتها وانطلاقها واعطاها زخماً حيوياً متنامياً ومعنوياً حماسياً عالياً وتحركاً قوياً نافذاً.
3- النظام السعودي نفسه -بعلم او بدون علم -وبممارستة نظام القمع والتجاهل والإعتقالات سيخنق نفسه بنفسه , غير مستفيداً من دروس ثورات الربيع العربي , مكرراً ذات الأخطاء السابقة التي ستؤدى الى نفس النتائج من السقوط والتغيير مستقبلاً.
4- عوامل الجوار والخارج .. فثورات الربيع العربي الممتدة من اليمن الى البحرين والربيع العربي , ستصيب السعودية بعدوى الإنتفاضات وأمل التغيير وتصبح حينها في حالة شلل تام غير قادرة على اسكات الصوت السعودي الحر.

5- الصمت الخليجي .. بعد معاناة دوله المستمرة من الهيمنة السعودية وتفردها بالقرار واستحواذها على خيارات تقرير المصير الخليجية , وابتلاعها اراضي اغلب دول الجوار الخليجي واليمني, وسعيها المستميت لفرض السيطرة ولعب دور الوصي والمسيطر في المنطقة.
6- خلاف الاسرة الحاكمة نفسها مع احتدام حدة الصراعات و نظام البيعة الجائر ومظاهر التمرد في البيت السعودي الحاكم ستسقط السقف وتهدم المعبد على رؤوس اصحابه.

إذن مما سبق نستنتج أن مسأله انهيار النظام السعودي مسألة وقت وانتظار قد لا يطول , وستعلن الأيام القادمة مفاجئات جديدة في الوسط السعودي , معلنة ميلاد نظام جديد .. ودولة جديدة..