الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٢ صباحاً

لكي تستمر شجرة الوفاء

عبدالفتاح علوة
السبت ، ٣٠ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٥٠ صباحاً
لا نستطيع جميعا إنكار شيئين اثنين الأول أن الفقيد قد سخر كل أحاسيسه ومشاعره وحياته لخدمة هذا المجتمع بكل صدق وإخلاص وتفان، والثاني أن لكل منا نصيب في التقصير بحقه، رحمه الله، يزيد وينقص بحسب قربنا أو بعدنا عنه.

السطور السابقة البسيطة كانت ملخص ما كنت أود قوله في أربعينية الفقيد مضيفا إليها عميق حزني على رحيل احد شموع النور التي أضاءت طريقي يوما ما الأستاذ الفقيد علي محمد محسن الصديق قبل أن تقابل رغبتي في الإفصاح عن مشاعري نحو أستاذي بالرفض المطلق من قبل الإخوة في الإصلاح المنظمين لاربعينيته باسم حزبهم....بدون أي سبب أو مسوغ.

في مساء ذلك اليوم، وبقصد اتجهت إلى أوراقي القديمة والمكدسة، فتشت فيها علي أجد ما اروي به عطشي ويشبع رغبتي بتذكر أستاذي الفقيد، الذي منعت من مشاركة أسرته وأحبابه عزاءهم فيه.... وجدت تاريخا كان قد جمعنا.... أوراق مبعثرة وتكاد تكون منتهية لمحاولتي في كتابة قصص قصيرة مكتوب عليها بعض الملاحظات وعبارات التشجيع بخط وتوقيع أستاذي الفقيد ..... جاري البحث حتى وصلت إلى نشرة النور التي كنا نصدرها سويا.....قرأت مقالاته الرائعة وكتاباته الأدبية التي تخفي خلفها إنسان رائع بسيط بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ... آه ليتني استطيع الإبحار أكثر ...

تذكرت رسالته العصماء التي تركها الفقيد لأخيه وأخينا الأستاذ قاسم اليوسفي، كانت كفيلة بشدة انتباهي، علي أجد فيها ما ابحث عنه ... هرعت إلى الرسالة التي رسم فيها أستاذنا الفقيد علاقته مع أستاذنا اليوسفي كأنها حديقة اخضرت وأراد لها الآخرون أن تجدب وتضمحل، ثم سرد فيها صراع الأمل مع الألم في كيانه كنتيجة طبيعية لحالة الاغتراب التي شهدتها أيامه الأخيرة.... ومن اقرب الناس إليه كما يقول...

ومع أن الراحل كان قد بدا حياته ناشطا سياسيا وكاتبا مميزا في صفوف حزب الإصلاح إلا أن الأخير تخلى عنه في اشد ظروفه قسوة .... حيث ضمن رسالته تلميح لجزء من طبائع المجتمع، كان قد أفصح عنها الكاتب والصحفي الكبير محمود ياسين في العدد الأول من مجلته "صيف" قبل سنوات..

لا أريد أن أفسر رسالته واشرحها وان كانت تجرني لعمل ذلك لكني سأكبح جماح مشاعري وأترككم مع الرسالة التي أثنى في أخرها على الأستاذ اليوسفي وشبهه بشجرة الوفاء والبقية الباقية من أشجار الحلم الوارفة.

إليكم نص الرسالة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ/ قاسم اليوسفي... ابعث إليك هذه الرسالة ذات الطابع الأدبي والأخوي تجسيدا لروح العلاقة الثقافية والأدبية التي ربطتنا في مشوار مسارنا الأدبي، وربما أنه ليس لها مناسبة، لكن المناسبة حكتها لحظات تذكر وتأمل ومراجعة للأوراق،
قصة نجاح اعتملت في الواقع الاجتماعي لحظات عابرة امتزجت الذكرى بالحزن والألم واليأس والأمل والنجاح والإخفاق،
حديقة اخضرت وأراد لها الآخرون أن تجدب وتضمحل، لكن أشجار الأمل ظلت تقاوم الأعاصير،
فلم يكن التسلق سهلا لقد كان دونه هانات وأنات....
كان الحلم قد سبق بفرسه إلى الميدان محاولا أن يفرض وجوده ومكانه لكي يتمتع برياض حدائق الحلم الوارفة
ولكن آنْا للنفوس التي ألفت العيش فوق بساط الأنا وحب الذات والخوف من الآخر
أن تسمح لهذا الحلم أن يترنح ويستريح ويصافح الشمس ويعانق الثريا ويقف على الميدان سالا حربة قلمه الحر وصوته الندي ومشروعه المميز...
لقد كان قدرا أن يظل هذا الحلم يتناوب بين الصعود والهبوط
شانه شان العلاقة والصلة التي ربطتنا
وربما أنها طبائع طبعنا بها المجتمع الذي لا يستقيم على حال،
ارتفاع وهبوط جفاف واخضرار.....
يكاد يقترب من النضج لكنه يحبوا إليه ببطء شديد، وبرغم ذلك كله وتفاوت ساعات التقييم للعلاقة التي جمعتنا برغم تضارب مقياس التدرج وعدم ثباته رغم ذلك كله كانت هنالك ساحة واسعة تجذب الذكرى وتكاد تفرض حالة من الثبات، كان الوفاء شجرة مثمرة يانعة، كانت أشجار حدائق الحلم الذي ناوشتها الريح ، كانت تلك الشجرة مخضرة استعصت على الجفاف وقاومت ريح الشتاء وبرده القارس ...
ظلت مخضرة رغم تساقط الأوراق.
تذكرت وكثيرا ما تخون الذكرى صاحبها تذكرت وعندها وجدت أن أشجار ذلك الحلم قد تهاوت وتساقطت، .......تلك الجموع والرموز التي كان من الصعب حملها قد تفرقت.....
الأصدقاء والإخوة كل ذلك لم يعد له معنى
ورغم ذلك ظلت تلك الشجرة شجرة الوفاء تغري ذلك القلب الذي ينتابه الخوف والقلق ظلت ترفرف وتحرك أغصانها وكأنها تخاطب ذلك القلب أن اطمئن ............كان قلبا ولوع طموح متخوف.
... يحاول أن يقترب ويكسر حواجز الشك والمخاوف الذي أزعجته وأرهقت مسار أمله.
آه ليتني اعرف إلى صدها سبيل....
شعور قهري كان يسافر إلى القلب ...
لكن شيئا من الشعور الرطب والغض كانت تحمله رياح النسيم بدأ يدب في النفس ويدلف إلى بوابة حديقة قلبي العامرة بحب الآخر بعثت الطمأنينة وتناغمت مع ذلك القلب الذي طرب لها لكنه ظل يبحث عن تفسير لتلك المخاوف التي أجبرته على الانكسار...
لقد استقر في ذلك القلب أن تلك المخاوف فرضتها تعاقب الفصول على حديقة الحلم التي ظلت شجرة الوفاء تقاوم كل التغيرات
.. لقد كانت تستحق البقاء والاستمرار والتواصل بربها ورعايتها حتى وان أجبرت المرء على تقديم تنازلات بين الفترة والأخرى لتبقى هذه الشجرة
لقد قررت أن اسقيها بماء الطيب وحسن النية وصفاء الخاطر
علها تخضر وتنمو وتؤتي أكلها وتمد أغصانها
حتى ولو كانت هي الشجرة المتبقية التي قاومت ريح الخريف وقسوة الشتاء البارد
مازالت شجرة مخضرة بجانب أشجار قاتمة كاعجاف خاويها
متنكرة للجميل عابثة تسرح مع الريح حيث شاءت
لقد كان هذا المنظر كفيل بان يسرق الأمل من النفس
ويزرع الوحشة
ويقود إلى الاغتراب وسط مجتمع مازال يرن بأصواته في أذني
ويكاد يخرق طبلة أذني
لكن ألحانه وغناؤه لم يعد يطرب خاطري....
أرأيت نومة الفرقة وحادي الجفوة كيف تصنع في النفس بؤسها
وكيف تجعل من اليأس والإحباط قيودا تفرض وثاقها على النفس ...
عند ذلك كان على الأمل أن يسافر مغادرا عشه ...
يسافر ويرتحل ..
ولكن إلى أين؟
خامرتني المشاعر وأحسست حينها انه لم يعد بإمكان المرء أن يحلق ويطير فوق تلك الأشجار المحرقة...
ولم يكن مني لقلة حيرتي إلا أن اكتب هذه الكلمات أخاطب شجرة الوفاء التي احسبها البقية الباقية من أشجار الحلم التي انقشع من قلبي ذكراها وتولت مآثرها،
علي أحرك أغصان تلك الشجرة واروي اخضرارها الزاهي بماء الوصال وسلسبيل الإخاء
لكي تستمر شجرة الوفاء.
• ملاحظة: لقد قمت بإنشاء صفحة على الفيس بوك اسمها " لكي تستمر شجرة الوفاء لاستأذنا الراحل علي الصديق" أرجو من أصدقاء وأحبة وأقارب وزملاء الفقيد إضافة ما لديهم من معلومات وصور و.......................... فقط لكي تستمر شجرة الوفاء .