الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٠ صباحاً

الربيع العربي وخريف البطريرك

جلال غانم
الأحد ، ٢٤ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١١:٥٠ صباحاً
العديد من حكام العالم الثالث وبالأخص في العالم العربي إذا ما أخطانا القول هم جزء من خريف البطريرك رائعة جابرييل جارسيا ماكيز التي تحكي قصة حاكم لا يعرف شيء عن السياسة وظروفها كالمجرد الأحمق الذي جاء بالمصادفة ثم عاشها ببطولاته الوهمية وصار سيدها من حيث كانت السلطة سيدة عليه وتعُج العديد من دول العالم المتخلف بهذا النوع من الحكام الببغاوات غير الأليفة الذين لا يعرفون القراءة والكتابة في حضرة أوطانهم ولا يشعرون بالقوة إلا بالاحتيال على شعوبهم كحكام قمعيون يستعرضون موت شعوبهم العلني , وأشلاء الضحايا تتطاير كجزء من خارطة حكمهم الضعيف وتاريخهم المزور والمرصع بالدم كجنرالات حمقاء فقط وبزٌات عسكرية ككاوية اللون .

يوهِموننا بحكاياتهم وانتصاراتهم التي نتقبلها بحميمية ونردد ورائهم النشيد الوطني ونستمع إلى خطاباتهم ونرفع الأعلام الوطنية في حضرة نشوتهم ونحتفل بأعياد ميلادهم ونحفظ الأشعار التي كُتبت عنهم ونمحو الألوان فاقعة اللون من على جدران ذاكرتهم ونرفع الدعاء لهم كل ذلك حتى يشعروا بالرضاء والسعادة عنا ويمنحونا جزء من هويتنا ولقمة عيشنا المنتقصة أصلا .

براكين وزلازل ونيران داخلية تتعدى الكلمات والسطور والمساحات الضيقة في القلب , وشعوب تعيش تغريبتها الدائمة في الهوية , وبيت الشتاء الأول , والرواية الأولى كلها فواتير زمنية ندفع ضريبتها علناً ونوقع بصمت على جمهورية قبولنا بحتمية السكوت كي تتساوى في داخلنا رحمة الجلاد بقانون الضحية .

فتغيرت هذه المعادلات برياح التغيير في الوطن العربي واستهدافها لبعض الأنظمة الفاسدة إلى إحداث أيدلوجيا جديدة في التغيير السياسي وأرتفع منسوب الحراك الثوري وتشبعت الجماهير بشعارات ومفاهيم جديدة في إسقاط النظام (إرحل)التي ما فتئت تهز عروش الطغاة والفاسدين بحثاًً عن ديمقراطيات أخرى وجديدة تمنح الشعوب الحق في تمثيل نفسها في المجالس والبرلمانات المحلية , والحد من صلاحيات الحاكم , مع احترام المؤسسات التشريعية والبحث عن طرق ووسائل وأدوات سياسية تحمي الإنسان من بطش الحُكم القمعي والبوليسي والحد من سياسات البلطجة الرسمية ونبذ العنف وجعل سلطة الوطن والقانون والدستور هي السلطة العليا التي لا يعلو فوقها سلطة أخرى .

وتمثلت هذه الأيدلوجيات بفرض قيمة الشعوب كقوة فاعلة وشبابها كرقم لا يمكن إغفاله وتجاوزه في التغيير مع أن تحرير الفرد من قبضة الجماعة الحاكمة ومنحة حيز أوسع من حقوقه السياسية ومشاركاته الفاعلة ودورة في صناعة القرار كلها لم تزل غير واضحة الرؤيا إلى أن عامل الوقت وعملية الفرز الحقيقية للقوى الفاعلة والناضجة في المجتمع هي من يعوٌل عليها في الصناعة الناضجة لدور الفرد القادر على قيادة المجتمع حتى لا يضن البعض أن هذه الثورات موسمية وان شهدائها ذهبوا مع الريح وان ربيعها العربي بداء يأفل ويضمحل نتيجة تغلغل بقايا وفلول الأنظمة السابقة في فكر هذه الثورات وانتزاع روحها ومحركها الحقيقي في التغيير إلا وهو الشباب .