الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٩ صباحاً

اليمن بين الفلول والفلول

اسكندر شاهر
الأحد ، ١٠ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
ما حصل في مصر "الولاّدة" لم يكن ليخطر ببال أحد من المراقبين لثورة مصر فضلاً عن الدارسين لتاريخها العريق الممتد لآلاف السنين ..

هل يُعقل أن يصل المصريون إلى محطة محكومة بأزمة قائد وهي التي صدّرت الشخصيات الفذة في كل مجالات الحياة ليديروا مختلف الشؤون والتخصصات في الوطن العربي والعالم ؟!

هذا ما حصل فعلاً بعد أن بدأت الثورة المصرية تجترح استحقاقاتها السياسية ، وهو الأمر الذي لم يحصل في تونس التي اختارت رئيساً ليبرالياً في ظل حكومة اسلام سياسي وحسمت أمرها ..

الأخوان المسلمون في مصر بتاريخهم السياسي الطويل الممتد لأكثر من نصف قرن لم يحسموا أمرهم في اختيار قائد وعاشوا هذه الأزمة ، وقد شهدتها عندما كنتُ أراقب الوضع من داخل الأراضي المصرية وأتلمس الرأي العام وآراء النخب ، فمن "خيرت الشاطر" إلى "محمد مرسي" وبينهما "عبد المنعم أبو الفتوح" .. وليست المسألة مسألة تردد فقط بين هذه الأسماء أو قانونية ترشيحها بل أزمة "القائد" كانت ماثلة بتفاصيلها داخل صفوف الجماعة نفسها وانعكس ذلك على أنصار الجماعة وطبيعة اختيارهم لقائد لن يكون زعيماً للجماعة بل لمصر كلها .

لم تكن البذلة الرسمية وربطة العنق التي يرتديها محمد مرسي أو عبد المنعم أبو الفتوح والمحلاة بلحية هي أشبة بماركة مسجلة للأخوان والسلفيين في مصر كافية لإقناع الليبراليين واليسار و"الأقباط" وحتى المواطنين العاديين الذين تغيرت آراؤهم اتجاه الجماعة في الآونة الأخيرة حينما لم يلمسوا تطوراً في حياتهم منذ صعود الأخوان بأغلبية للبرلمان المصري ..

ولئن كان هذا الأمر حقيقة مُرّة فهل كان كافياً ليغدو البديل الذي تلجأ إليه كل هذه الفئات المصرية هو مما يسمونهم ( الفلول) ويصبح "أحمد شفيق" آخر رئيس وزراء في عهد المخلوع مبارك هو الخيار الأوحد أو المنافس الأقوى .. ثم تؤول الثورة إلى صفقة أخوانية - فلولية على حساب ثورة عظيمة وفق المعطى الراهن ..

أحسب أني لمستُ ضعف اليسار والليبراليين في مصر وحتى القوميين ، فمن الواضح أنهم كانوا الفئة الأكثر استسلاماً لنظام مبارك على أنه قدرٌ جاثم و سيطول ، ولم يقوموا بأي شيء يستحق الذكر لتخليق التغيير والدفع بشخصيات بارزة لتصبح قيادة جماهيرية يمكن أن يلتف الناس حولها حين يحقّ الحق ، ولن نقول هي التي تقود الثورة وهذا واجبها ، الواجب الذي اضطلع به الشباب في آخر المطاف وعبر فيسبوك وتويتر ثم ميدان التحرير.. باستثناء ظاهرة "حمدين صباحي" التي لم تكن قادرة على مواجهة الأخوان والفلول نظراً لغياب الظروف الموضوعية اللازمة ..

دوماً ما يحدث في مصر يكون له انعكاس في اليمن .. الثورة التي انطلقت من تعز يوم 11 فبراير كانت يوم سقوط مبارك وكل ما سيحدث في مصر سيحضر له في اليمن أثرٌ مهم بلا ريب.

فكرة انتخاب رؤساء لليمن لم تخطر في بالي حديثاً بل هي فكرة تقاسمتها مع زملائي في حركة خلاص وموقع المرصاد الالكتروني قبل أكثر من عام ، وفتحنا لهذا الغرض نافذة خاصة بالموقع لكسر حاجز الخوف من المنصب الأول في البلاد ، على أنها كانت فكرة ثورية أكثر منها سياسية ..

وفي إحدى مقالاتي قبل انتخاب هادي رئيساً أو الاستفتاء عليه رشّحتُ نفسي لمنافسته من خلال مقال تهكمي ساخر في محاولة مني لتحريك المياه الراكدة أو لكي أرمي حجراً في موضع يُراد له أن يكون مُحاطاً بسياج منيع ..

لدينا عام ونصف تقريبا حتى موعد استحقاق انتخابي مزمع – هذا لو سايرنا الثورة المضادة -فلابد إذن للثورة الحقيقية فوق الصمود والتحدي ومواجهة المؤامرة من تخليق بدائل ثورية وفي الوقت ذاته توفير شخصيات نخبوية وجماهيرية وذات كاريزما إجماعية ، وأن تتعدد الخيارات بحيث لا يبقى شعبنا "رهين المحبسين" كما حدث في مصر ، فإذا افترضنا أن محمد اليدومي لن يُقبل ترشحه لسبب أو لآخر تماماً كما حدث مع خيرت الشاطر في مصر علما أنهما شخصيتان تتقاطعان في كثير من الأمور حسب بعض المراقبين وأنا شخصياً لا أميل إلى هذا الرأي فدوماً أقول بأنه قياس مع الفارق بين نسخة الأخوان الأصلية في مصر والنسخة اليمنية التي انخرطت في نظام صالح كما لم تنخرط غيرها ، فإن الخيار الوحيد سيكون بين حميد الأحمر للأخوان وعبد الكريم الإرياني للفلول ..

وفيما لو وصلنا إلى هذه (الأزمة السخيفة) فسوف نكون أسوأ حالاً من مصر عندما نحصر أنفسنا بين الفلول والفلول ..

إيماءة
كل المكونات اليمنية الأساسية تعاني من أزمة قيادة باستثناء الحوثيين ( أنصار الله ) على التحقيق .. فالأحزاب السياسية تعاني من أزمة قيادة ( ترهّل ) والحراك الجنوبي يعاني من أزمة قيادة مزمنة ( تعدد) وشباب الثورة يعانون من أزمة قيادة ( تبعية ) .. ألا يحتاج الأمر إلى نظر ؟! .