الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٢٩ مساءً

السجن للرجال ..!!

معاذ الجلال
الثلاثاء ، ٠٥ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٥ صباحاً
السجن للرجال كلمة نسمعها في كل المجتمعات بلا استثناء .. بالنسبة لي منذ الصغر وأنا اسمع كل من له قضية وكل من دخل السجن ظالما كان أو مظلوما يردد ويقول ( السجن للرجال ).. إلى قبل خمسة أيام بالضبط وأنا مؤمن بها كل الإيمان وإذا قالوا فلان مسجون أقول بالفم المليان ( السجن للرجال ) بالرغم أنني طيلة 26 عام من عمري لم ادخل السجن ولم اعرفه لا في اليمن ولا في بلاد الغربة وهذا فضل من الله ..

لم أشك للحظة واحده بان قناعتي ستتغير أو تتبدل فـ( السجن للرجال ) ولكنها تغيرت 220 درجة بعدما دخلت سجن الرجال وعشت الحدث بنفسي .. دخلته وكلي شجاعة ويقين بأن كل من فيه رجال بمعنى الكلمة لم يخطر ببالي للحظة واحده أنهم ذكور وليس رجال بكل ما تعنيه كلمة رجال .. اللحظات الأولى كانت عادية فأنا في حضرة أكابر وكلما تذكرت العبارة السابقة يزيد اطمئناني .. دخلت غرفة صغيرة مكتظة بـ ( الرجال ) ( زحمة يا دنيا زحمة ) غرفة لا تتجاوز 3 أمتار ونصف داخلها 28 شخص ناس تنام وناس توقف والعدد في تصاعد مستمر .. ما شاء الله الرجال تتزاحم على هذا المكان ليثبتوا للناس أنهم فعلاً رجال ..

الرجاجيل رحبوا وسهلو تفضل يا حياك وانهالت عليا الأسئلة هاااه يابو يمن وش قضيتك؟ واحد يقول تهريب والثاني يقول شكلك مملوح الظاهر انك راعي بنات ومغازله والثالث يقول سرقة والرابع يقول حقوق والخامس يقول دين .....الخ يسألون ويجيبون على أنفسهم لم يحسن الضن بي أي شخص منهم ( وكيف يحسن الضن من حياتهم كلها سوابق ؟؟)

أصروا أن يعرفون قضيتي فقلت لهم خناقة ( مضاربة ) قالوا كلهم عادي هذه ابسط قضية فكرناها اكبر من كذا بكثير .. جلست إلى جوار شخص يمني من صعدة سولفنا وتعارفنا والفضول يكاد يقتلني فسألته عن قضية كل شخص وبدأت به ثم من الزاوية فشرح لي هذا قضيته تزوير وهذا شروع في القتل وذاك نصب وذاك سرقة سيارات وهذا بنات وهذا اغتصاب وذاك سكر وهذا قمار وهذا تهريب قات وذاك حشيش وذاك مخدرات وذاك ضرب زوجته وأمه وهذا فيسبوك ( اغرب قضية سأتكلم عنها لاحقاً ).. ثم قال لي أنت اخف واحد قضيتك بسيطة جداً تتطلب تنازل من الشخص المجني عليه فقط حتى أنهم لم يهتموا بها ولا بتفاصيلها ..

عندها سألت نفسي قالوا السجن للرجال؟ أين الرجال ؟ لم أجد رجل واحد قضيته تشرف كلهم مدانين .. بلمحة بصر تغيرت نضرتي تماماً وأدركت حينها أن السجن للمجرمين والمدانين والنصابين والقتلة والسكارى والمهربين والمغازلين وتجد منهم مثلي أصحاب المضاربات والبلطجة رغم أنها بدت من بين العصيد كما ذكرت سابقاً و( الله المستعان ) .

الأمَّر والأدهى من ذلك أن السجون هذه الأيام لم تعد تأديبية قط وإنما صارت فوضى ليس فيها أي توجيه أو زجر أو تعليم بل على العكس من ذلك تسمع الألفاظ البذيئة من اكبر مسئول إلى اصغر غفير وأكثر السجناء نزع منهم الحياء فتجدهم يتكلمون بقضاياهم بدون خجل خاصة قضايا الشرف والاغتصاب والسرقات وغيرها يتكلم الواحد منهم وكأنه سيد عصره وبطل زمانه.. بل إن بعضهم يخرج ويقول انتظروني أنا راجع لكم بعد كم يوم ..

اقسم أني صعقت عندما سمعت احدهم قبل خروجه يحلف الأيمان المغلظة بأنه سيغتصب ابن جيرانه الذي حاول معه من قبل وسجن بسببه حتى أن احد الإخوان المصريين الموجودين معنا قال له ( إيه يا ابني هو الاغتصاب بالعافية ؟؟ ما فيش حاجه بالغصب ) بل إن احدهم حاول سرقة ساعتي عدة مرات وأنا داخل سجن دولة وآخر طلبني أن أعطيه خاتم العقيق الذي بيدي وقال لي : اشتريه منك فرفضت ثم قال ابغاه هدية منك وتأكد أني لن أنساك وسأفزع معك بأي مضاربة قادمة أو أي شي تطلبه مني أخوك ذيب وانا عند وعدي...( حلوه أعطني هديه ) .

عندها كررت نفس السؤال وخاطبت نفسي أين الرجال الذين قالوا أنهم في السجون ؟؟ اقسم أني لم أجد نصف رجل ..

إذا عدنا إلى الشرع والدين وتعرفنا على معنى السجن والحكمة من السجن نجد الآتي :

أولاً تعريف السجن:
هو بكسر السين: موضوع الحبس، وبفتحها: الحبس نفسه، وقليل من العلماء المسلمين من عرف الحبس، ومن هؤلاء ابن تيمية والكاسائي، حيث قال الأول: السجن هو: تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، ولو بربطه بشجرة، أو جعله في البيت أو المسجد.

وقال الكاسائي: الحبس هو: منع الشخص من الخروج إلى أشغاله ومهماته الدينية والاجتماعية.

وبناء على هذين التعريفين فإن الحبس - أصلاً – لا يتوقف على وجود بنيان خاص معد لذلك، كما هو المتعارف عليه الآن.

الغاية من السجن:
لم يشرع الحبس في الإسلام لإهانة السجين أو تعذيبه أو الانتقام منه أو إهماله، وإنما شرع لاستصلاحه وتعديل سلوكه وتأهيله للخروج إلى المجتمع بنفس جديدة، ونظرة جديدة إلى الحياة، فيها معاني الاستقامة والصدق والجدية والعطاء. وهذا ما عبر عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سجن رجلاً في جريمة وقال: أحبسه حتى أعلم منه التوبة ،والتوبة هنا تعني: تعديل السلوك وتصحيح الأخطاء، والتوجه نحو الاستقامة والخير والحق والصلاح..

فأين نحن من هذه المعاني السامية ومن هذا التوجيه ومن هذه الغايات التي جاء بها ديننا الحنيف ؟؟

مختفية تماماً عطلها المسلمون وتخلو عنها فلا صلحت البلاد ولا صلح العباد بل تضاعف الفساد وكثرت الجرائم والمنكرات .. فمن يتحمل وزر ذلك ؟؟

من الآن أقولها بالفم المليان وبكل قناعة : السجن للمجرمين .. ولا أنكر أن فيه مظلومين .. هذا ما عندي وسلامتكم ولا يجيكم شر ..