السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٤٧ صباحاً

الشيخ ,,, والثوب المتسخ

عباس القاضي
الاثنين ، ٣٠ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
كثيرا ما نقرأ في الشبكة العنكبوتية مواضيع أو تعليقات تحمل نبرات العداء, لبعض المشايخ , عادة ما يكون هؤلاء من بقايا النظام الذي كان,, أو من مؤيديهم, أو أصحاب المشاريع الصغيرة, سواء كانوا في شمال الشمال أو جنوب الجنوب.

وهم عندما يهاجمون يصوبون سهامهم نحو شخص بذاته أو أسرة بعينها وذلك لما لها من دور بارز بمقارعة الطغيان وانحيازها للشعب, بدعوى أن الثورة ما هي إلا مطية للقبيلة وهيمنة للمشايخ.

يقولون هذا وهم يعلمون قبل غيرهم مَن أعاد إنتاج المشيخة بعد أن كانت في خبر كان ؟ …سواء بأسلوب مباشر بالدعم اللا محدود والإعتمادات الضخمة أوبأسلوب غير مباشر, عندما غيب القانون وأفسد القضاء, فأصبح الرجوع إلى مؤسسات الدولة, مضيعة للوقت والمال والحقوق.

عندما تعلو هذه النبرة المقصودة لجهة بذاتها , نجدهم يغضون الطرف

عن نماذج نَصَّبوا أنفسهم حكاما بأمر الله, ويا ليتهم كانوا كذلك بل بأمر من الشيطان, يقاسمون رعاياهم دخلهم , هذا إذا كان لهم دخل بالأصل, وإيغالا بالظلم يطلبون منهم مبلغا محدودا حتى وإن لم يحالفهم الحظ في عمل يسد رمق من يعولون, فيضطر الواحد منهم إلى السفر إلى بلد الاغتراب ولو تهريبا, وكم ينفطر قلبك وأنت تسمع الزوجة توصي زوجها في اتصال هاتفي وأولادها حولها واقفين شبه عراة قائلة له : أهم حاجة توفر حق الشيخ نحن سوف نصبر , نريدك عندما تعود إلى الوطن تصل إلينا بدلا من أن يذهبوا بك إلى زنزانة الشيخ.

جالسته وعايشته ردحا من الزمن حيث كان حارسا للشقة التي أسكنها وكنت ألاحظ عليه مبالغته في التأنق والاهتمام بمظهره, سألته ذات يوم ,أثناء عودتنا إلى السكن :ما هو دوافعك لهذا ؟ رد عليَّ والحسرة بادية عليه, قائلا : إفراغ حاجة في النفس ,,, استغربت من تحوله المفاجئ إلى فيلسوف بعبارته الغامضة, ونبرات صوته المتهدجة , وعينيه الساهمتين, رغم محدودية ثقافته , قلت له : لم أفهم ما ذا تقصد ؟ قال : نحن في طريقنا إلى البيت , سأنقلك فيها من علم اليقين إلى عين اليقين, لم أدر حينها كيف قطعت المسافة إلى البيت وكأنني أطير, ولولا إمساكه بيدي لكنت تعرضت لحادث مروري فأدرك فيه حق اليقين.

كان السكن في الدور الخامس, وكنت أمد خطوتي لثلاث درج في الخطوة الواحدة, وكان يجاريني بهذا السير ,لعله يشعر بنفس الشعور.

ها نحن وصلنا إلى الشقة, اقتادني للغرفة المخصصة له, وبسرعة البرق يفتح الحقيبة ليرني ثوبا متسخا, وهو يفرده أمامي, كأنما رسمت عليه خريطة العالم من شدة اتساخه, ثم قال :بهذا الثوب تستقبلني زوجتي وأولادي وجيراني عندما أعود إلى مسقط رأسي.

تزاحمت الأسئلة في دماغي واختلطت مع علامات الاستفهام علامات التعجب, أحسست حينها أن رأسي سينفجر , غرابة وحيرة , غير أنه قطع علي حيرتي وبادر قائلا :أصلا الشيخ إذا رآني وأنا ألبس ثوبا جديد أو حتى نظيفا, سأكون محل ريبة وشك في نظره وسيقول حينها : إهييي, إهييي ...ما عاد ناقص إلا تتمشيخ ( تصبح شيخا ) وسيركز عليَّ, فالشيخ إذا ركز على شخص, أنهى حاضره ومستقبله, سيرفع الإتاوة علي وسيشنع بي ويجعلني بين الناس كالجمل الأجرب, ولهذا ألبس هذا الثوب!! .

هذه الحكاية لم ينسجها خيالي, وإنما حقيقة وواقع, وما زلت احتفظ باسمه إلى الآن,.

وللشيخ هذا نماذج عديدة ومعروفة اسألوا عن " باشا " العدين و " منصور " الجعاشن " و" شوافي " خدير , والقائمة تطول.

لهذا استغرب لأولئك – أصحاب النبرات الحادة – ضد شخص بعينه, لم يتجرؤوا لمثل هؤلاء, الذين جعلوا رعاياهم يعيشون في إقطاعيات لم نسمع عنها حتى في القرون الوسطى, بينما تنبري أقلامهم وألسنتهم ضد من دعموا الثورة, وضحوا من أجلها, ورعاياهم في رضا عنهم.