السبت ، ٠٤ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢٠ مساءً

مفاهيم ثورية خاطئة .. ’’ دعوةٌ للتصحيح ’’

صالح السندي
السبت ، ٢٨ ابريل ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
ربما لم تشهد الساحة اليمنية مثل هذا الكمّ الهائل من المصطلحات السياسية و الثورية و الوطنية التى مرت بها خلال بدايات هذا العام والعام المنصرم , فاصبحت ثرية وغنية بكلمات و مصطلحات لغوية كثيرة وعديدة , ربما توخت ترجمة المصطلحات الديموقراطية العالمية وصهرها في المكون الوطني الخاص , والإستفادة منها بالطريقة الأمثل لترجمة السياسات والتغيرات القائمة وفق اجند وظروف خاصة و مصيرية , وكانت اغلب هذه المواد و المصطلحات الدخيلة او المقلوبة لغويا وعلميا تفتقر الى المصداقية في الإنصهار البنيوي مع ملابسات وظروف البيئة اليمنية الخاصة نظراً

1- للخصوصية الثقافية والإجتماعية التي تتمتع بها اليمن.
2- لافتقار هذه المصطلحات الى المركبات الاساسية لتكوينها المعرفي والعلمي .
3- كما تم ذكرة كونها مستوردة من مجتمعات ربما اكثر ديموقراطية منبثقة من قواميس السياسة الدولية المجّربة لا تتناسب في مفهومها ومضمونها مع التركيبة البنيوية العامة للبيئة السياسية والثورية الوطنية الوليدة .
4- دمجها في المجتمع اليمني بناءا على رغبات اقطاعية سياسية ناتجة عن تزاوج المال السياسي والنفوذ القبلي لتصوير المشهد اليمني الخارجي وعرضة على العالم بما يتناسب و أهواء وتطلعات العصبة الحاكمة ومن يدور في فلكها .

لا يختلف اثنان ان هناك ثورة يمنية شعبيه قائمة ظهرت للوجود في اوائل القرن الحادي والعشرين مواكبة لثورات الربيع العربي وممتدة من رياح التغيير العربية الشاملة , ولكن ما تلا هذا المصطلح الأم من ملابسات ومداخلات وتحورات جوهرية , اخرجتة من مضمونة الثوري العام وجردته من أدبياته الخاصة وافقدت بريقة و وهجة الثوري والشعبي , بدءاً من المبادرة الخليجية و الحصانة و العدالة الانتقالية و مرورا بحكومة الوفاق الوطني و ما تمخض عنها من انتخابات رئاسية و انتهاءا بالفترة الانتقالية و ما يسمى بإعادة الهيكلة وتقاسم مراكز القوى بين اقطاب الحكم والنفوذ السياسي والعسكري والقبلي الحاكم في اليمن .

وبمجرد النظر والتعمق اكثر في مفردات و مصطلحات المرحلة الوطنية الحالية التي تمر بها اليمن , نجد كم هو الإجحاف بمكان تصوير الأمر كونه مجرد ازمة سياسية عابرة , مما حذا باكثر الدول والجوار والعالم التعامل مع الثورة اليمنية كأنها ازمة سياسية خانقة , وتم تقزيمها الى مجرد ملفات تفاوضية تدار خلف الدهاليز السياسية وفي اروقة صناع القرار , وحملت هموم و تطلعات المواطنين والتضحيات الجسام في ملفات مغلقة , سرعان ما عفا عليها الزمن و مع مرور الوقت تؤرشف في الارشيف الحكومي مثلها مثل غيرها من الملفات السرية الوطنية المهمّشة , التي لم يتم حتى الان معرفة تداعياتها واسبابها وعواملها وملابساتها التأريخية , هكذا طارت الثورة اليمنية في ملفات محمولة ومتداولة بين الايادي الغير آمنة للتمخض عنها ’’ المبادرة الخليجية ’’ , التي هي في حد ذاتها مصطلح و تسمية خاطئة جداً, فلم تكن مبادرة وطنية وشعبية لتسمى مبادرة , ولم تكن خليجية بقدرما كانت أمريكية تآمرية بامتياز , حين سلمت الادارة الامريكية القرار في الشأن اليمني ومصيرة الى الجوار العربي و الخليج و المملكة , لنسج مظاهر الصلح والتسامح , و رسم السياسات والحلول بما يخدم اطماع و مصالح تلك الدول , لخنق المارد اليمني الثائر وحصرة في أسر المبادرة الخليجية ونصوصها المجحفة , ولا يسعنا الوقت هنا للتعمق اكثر في نسخها المعدلة و صورها المتغيرة حسب أهواء واطماع الاسرة الحاكمة , وتشكيلها حسب الرغبة والطلب المسبق من الادارة الامريكية السعودية على حد سواء , وكان الشعب اليمني صاحب الشأن خارج اللعبة السياسية و آخر من يعلم عن المؤامرة التي تدار في الخفاء السياسي ضد تضحياته و ثورتة الشعبية .

فحينما كانت الدمآء الزكية الطاهرة تسفك على قارعة الطرقات كانت الاطراف المتنازعة سياسيا تستثمر هذه الدماء لإضافة مكاسب معينة على صور المبادرة وإخراجها بالشكل المطلوب , واستخدمت ورقة الثورة الشبابية كورقة ضغط قوية لتمرير مبادرات و تنازلات معينه من طرف على حساب الطرف الآخر , فلم تتوقف ترانيم المبادرة الخليجية عند هذا الحد حتى حجّمت من الثورة و وضعتها في ورق واصبحت مؤخرا مجرد توقيع هزيل , ثورة شعب عظيم تتحول الى مجرد ورقة تفاوضية و توقيع ممهور على ذيل هذه الصفحة , وجميعنا نتذكر تلك المراحل الطوال من الاقناع والمداراة والاستجداء عند ابواب السبعين لكسب التوقيع على المبادرة الخليجية , ومماطلة الرئيس السابق كسبا للوقت ولمزيد من المصالح والضمانات , التي قدمت له مؤخرا على طبق من ذهب , وهذا ما جّرنا الى الحصانه او العدالة الانتقالية بصورتها المحدّثة والجديدة .

فالحصانه اعتراف بالجرم والجريمة معاً , وليست بحاجة هنا للاستدلال عليها , و’’العداله الانتقالية ’’ مصطلح سياسي مستورد يوضح الفترة الانتقالية التي يمر بها بلد ما انهكتة الصراعات والحروب الداخلية , و معالجة انتهاكات حقوق الانسان السابقه بعدالة متوازية و متوازنة خلال مراحل التحول السياسي من نظام ديكتاتوري قمعي الى نظام ديموقراطي متكافئ , من اجل سهولة الانتقال الى مستقبل اكثر أمناً و رخاءاً , كفيل ببناء الثقه بين أبناء المجتمع الواحد واغلاق جميع ملفات الماضي بصورة عادلة , فالعدالة الانتقالية إذن لم تأت لإلغاء القرارات والاحكام القضائية السابقة و لم تقدم الحصانة للقتله والمجرمين في مجتمع ما , بل اتت بصورة علاجية شفائية لمخلفات مرحلة ما , مخاطبة الأمم والشعوب ولم تكن حكراً على الافراد والشخصيات , ومصاحبة مع التحول السياسي الفعلي في الدولة المعنية , اذن ما جرى حقيقة في اليمن انه تم توظيف العدالة الانتقالية لخدمة النظام السابق و اشخاص معينين و توفير الحصانة و الضمانه الخالصة لهم , ولم يحدث أي تغير سياسي مأمول من نظام ديكتاتوري سابق الى نظام سياسي ديموقراطي وليد , كلما حصل ان النظام السابق غير حلته و لباسة القديم ليظهر بمظهر جديد بكافة اركانه و اعمدتة و جهابذته , وما حدث في اليمن إبان الثورة الشعبية لم يكن حربا بين فئات و طوائف و انظمة متمردة ومعارضة مسلحة , ماحصل فعلا هو ارتكاب مجازر نظام قمعي واستبدادي ضد شباب أعزل مسالم , وقصف الأحياء والسكان و المدن و القرى بطريقة وحشية , والاستخدام المفرط لآلة القمع العسكرية والحربية , وهذا ما يتنافي مع مبدأ العدالة الانتقالية ومفهومها العام , في الحوار والتفاوض لإحقاق بنود العدالة الانتقالية في اليمن , فلم يتم دعوة اولياء الدم والشهداء والجرحي والضحايا لمراجعة آليات العدالة الانتقالية وتنفيذها , بل تم التصويت عليها وفرضها تحت قبة البرلمان ذو الاغلبية الساحقة للحزب الحاكم والنظام السابق , اذن النظام هنا يحصن نفسه بنفسه و يعفو عن نفسه و يكرم ذاته بحصانه كاملة وعدالة انتقالية .

وما تمخضت عنه المبادرة الخليجية من ’’حكومة وفاق وطني’’ يضع المصطلح السياسي المتداول دوليا محل شك و وجهة نظر , وارآء تفنّد التسمية من اساسها وتنسف المصطلح الشائع نسفا لغويا وشعبيا وتدحضة بشدة , فحكومة الوفاق لم تكن اولاً وطنية لخروجها من عباءة النظام القديم و ثانيا لم تكن توافقية لعدم إشراك جميع القوى والمكونات الثورية الحزبية الاخرى والمستقله في منظومتها السياسية , ولم تكن حكومة رأي عام حر و مستقل لانها قادمة من وراء الحدود وبخيارات دولية ملبية اطماع خارجية فرضتها اجندة خاصة في اليمن , قادت بصورة مباشرة الى الانتخابات الرئاسية , التي تم الطعن في شرعيتها وقانونيتها مراراً لعدم توفر المرشحين الرئاسيين , ولافتقادها الى شروط الانتخابات الرئاسية والشرعية ومعارضتها للدستور والقانون , وتم تصديرها للمواطن اليمني بناءا على المبادرة الخليجية وتحت طائلة سياسة العقاب الجماعي والضغط الدولي , مما سبق عن ذلك يتضح ان تعريف مصطلح ’’النصر الثوري’’ لم يكن نسبياً ولا مطلقاً في ترجمة الآمال والتضحيات الى واقع حديث , بل كان منفياً تماماً في ترجمة الثورة الى واقع عملي معاش , فلم تحقق الثورة الشعبية إحدى اهدافها العظمى التي قامت لأجلها من اسقاط النظام كليا , ولم تتم محاكمة القتلة والمجرمين ولم تسترد الاموال المنهوبة او تجمد , إذن المبالغة والادعاء بالنصر الثوري ضربا من الخيال والمغالطة الشعبية.

مما سبق يتضح أن المصطلحات السياسية المغلوطة التي تم تسويقها الى اليمن مؤخرا , تخدم النظام السابق وتطيل من عمر بقائة واستبدادة , وتم فرضها بصورة استكبارية وعنترية خالصة على المجتمع اليمني , والزجّ به في اتون ازمة سياسية مفتعلة , واغراقه في بحر من الدوامة الفكرية و التناقضات الثقافية واللغوية لمصطلحات زائفة , التي تحرك مسيرة وعجلة التغيير الوطنية وفق اجندة خاصة , توّجت أخيراً بالدعوة إلى ’’حوار وطني شامل’’ , بعد ان تم فرض جميع المراحل أنفة الذكر و تشكيل الحكومة و تقديم الحصانه واجراء الانتخابات بطريقه اجبارية وفرض التغيرات السابقه فرضاً ملزماً على المجتمع اليمني , ولإضفاء القانونية الدستورية والرضا الشعبي المطلق , يتم الدعوة الى حوار قائم على تغييرات تم الإنتهاء منها بدون موافقة الاغلبية العظمى من ابناء اليمن , يشبه الدعوة الى موسم الحصاد بعد الانتهاء من قطف وأكل الثمار وتقاسمها بين ارباب السلطة و القرار , وما يسمى بال ’’مرحلة الانتقالية ’’ الحالية , هي في حقيقة الأمر مرحلة اعادة تدوير وظيفي وهيكلي لرموز النظام السابق العسكرية والسياسية والمدنية , وتعتبر بمثابة إلتقاط الأنفاس واعادة دراسة الوضع و التغييرات القائمة من قبل النظام السابق و اعادة ترتيب الاوراق لاحقا و الإفلات من العقاب والمحاكمة , وسبر اغوار المرحلة الوطنية و ترجمتها فيما بعد بما يخدم التوجهات الإرستقراطية الحاكمة , وتعتبر فترة نقاهه سياسية خاصة لرموز النظام السابق ليعود بعدها اكثر قوة و بطشا الى الحكم وبفاعلية اكثر , وترتيب اوضاعه حسب ما ستؤول الية الاوضاع في اليمن, والتهديد بال ’’حرب الأهليه ’’ والتخويف لها مجازا مصطلحا عار من الصحة , لأن خروج رموز النظام السابق واركان العائلة الحاكمة بهذه الصورة المشرفة , يعتبرا نصراً وإنجازاً عظيماً لها , لن تجازف ابدا بويلات الحروب في ظل الرفض الشعبي العام والصحوة اليمنية الكبرى , ولن تخسر ما حصدته خلال سنين الحكم من ثروات و اخيرا من حصانات في عبث الحروب والصراعات الدائرة , وان وجدت الان فعليا تحت مسمى القاعدة ما هي إلا لكسب المزيد من اوراق اللعبة السياسية و الوقت معاً لتأمين الخروج الآمن بأقل التكاليف والتضحيات.