اعتقد أن هناك الكثير من العقلاء الذين ينبغي بل يجب أن نصغي إلى أصواتهم، وإذا لم تنصت البلاد وأهلها إلى تلك الأصوات فإننا سنخسر كثيراً، نخسر وحدتنا وسلامنا الاجتماعي، ونخسر ما تبقى لنا من احترام لدى الأشقاء والأصدقاء. والمطلوب حالياً الاستفادة من تجارب الآخرين وعدم الوقوع في أخطائهم، وعلى أن تكون الاستفادة عملية لا نظرية، وقراءة خلافاتنا الراهنة بعقول مفتوحة وبقلوب تحب الوطن وتتمزق مع كل قطرة دم تسيل من أجساد أبنائه. وما من عاقل أو حتى جاهل إلا وهو يرى أن ما يحدث من فوضى وقتل مجاني خسارة فادحة تطال الجميع، والذي يتوهم أن انتصاره يتحقق عن طريق إشاعة المخاوف وقتل الأبرياء، هو الخاسر الأول، فالانتصار الحقيقي لا يكون بإسالة الدم والدموع وإنما بالحكمة والعدل واتباع إرشادات العقل وما يطمئن إليه الضمير.
ولا ي ساور ني شك في أن أشقاءنا وغالبية من أصدقائنا كانوا يغبطوننا، ولا أقول يحسدوننا، على التجانس الوطني الذي ينقطع نظيره في كثير من الأقطار والشعوب، حيث لا أقليات في بلادنا، وإنما شعبٌ متجانس يكاد يكون عائلة واحدة متشابكة الانتماء. والاختلافات المذهبية المتقاربة الأصول، كالتنوع الجغرافي تماماً، تزيد من أهمية التوحد والاصطفاف بين أشقاء البحر والسهل والجبل. ولا أدري بعدُ الأسباب التي أدت إلى ظهور النتوءات اللا وطنية واللا أخلاقية التي برزت في الآونة الأخيرة تحت دعاوى المذهبية والطائفية الإقليمية، هل ما يزال أشقاؤنا وأصدقاؤنا يغبطوننا على شيء ما؟ أم أنهم صاروا يرثون لحالنا وينظرون إلينا عبر الظواهر القشورية التي تحاول أن تطفو على سطح حياتنا الاجتماعية والسياسية؟ غير مدركين أن هذا الشعب كان وما يزال وسيبقى محتفظاً بأصالته ووشائج قرباه، ليس بين أبنائه فحسب وإنما بينهم وبين أشقائهم العرب في كل مكان.
والعقلاء في بلادنا، وهم كثر، ما يزالون يقولون ويرددون بأن الخلافات والتباينات الأيديولوجية، بين السياسيين ينبغي أن تبقى في أوساطهم وأن لا تتحول إلى استقطاب شعبي يمهد لتمزيق نسيج المواطنة واللعب بروابط العائلة اليمنية الواحدة، ومسؤولية كل سياسي في هذا البلد أن يقنع الناس بأهدافه وبرامجه وتصوراته للمستقبل بعيداً عن المساس بالوحدة الوطنية أو وحدة الشعب، والتراب الوطني. والزعماء العظام عبر التاريخ، وفي كل شعوب العالم، هم أولئك الذين يحافظون على وحدة أوطانهم وعلى تعميق معاني الإخاء والتسامح، في نفوس مواطنيهم، ولست بحاجة إلى إيراد أمثلة من التاريخ، ومن العصر الحديث على ذلك النوع من البشر والرجال، الرجال الذين كانوا وما يزالون مصدر إلهام لشعوبهم ولشعوب أخرى. ونيلسون منديلا نموذج حي على ذلك.
وإذا كانت الأحداث التي مرت ببلادنا وبعدد من الأ قطار الشقيقة قد أفقدت بعض الناس صوابهم وتوازنهم، ووضعتهم أمام منظومة من المشكلات والتعقيدات المتلاحقة، فإن القوى الحكيمة والعاقلة قادرة على أن تجعل من هذا الذي حدث ويحدث منطلقاً نحو البناء والتأسيس لمرحلة جديدة، وأن تجعل رياح التغيير تأخذ مسارها الصحيح فلا تعصف بالوطن بل تعصف ببقايا التخلف، والاستبداد، وبما حفلت به البلاد طوال سنوات من الفساد المالي والإداري من جهة، والفساد الروحي والأخلاقي من جهة ثانية. فالتدني في القيم الذي شهدته البلاد قد ساعد على تدني الأفعال واغتنام الفرص وشعور كل من أمسك بطرف من السلطة أنها فرصته الأولى والأخيرة للتربح والكسب غير المشروع، والنظر إلى الوطن كبقرة حلوب وليس ميداناً للتضحية، وللعمل الدؤوب وإثبات الولاء لله والوطن.
تأملات شعرية:
نحن أبناؤها
وهي أمٌ لنا.
كيف تجرؤ أكبادنا
أن تقسّم أعضاءها
لكَ جزءٌ،
وللريح جزءٌ،
وباقي أجزائها للهباء.
أيها العاشقون لتربتها
أحسنوا الاختلاف
وكونوا لها، كي تكون لكم
نجمةً حرةً وسماء.