هذا هو السؤال الذي يطاردني صباح مساء، وأكاد أقرأه مرسوماً على وجوه جميع اليمنيين دون استثناء. وهو يذكرني بحوار قصير كنت قرأته في إحدى الروايات العالمية حيث يسأل أحدهم رجلاً يقف إلى جواره في الطريق العام: «لو سمحت هل لك أن تدلني في أي طريق أسير كي أنصرف من هنا؟ فأجابه الرجل: هذا يتوقف بالدرجة الأولى على المكان الذي تود الذهاب إليه!»
واعترف أن هذا الجواب القصير العميق قد أيقظني من سبات الحيرة الطويلة التي وضعني فيها حالنا الراهن وما يتولد عنه كل يوم من مستجدات لا تكشف عن معالم الطريق المشترك، ولا تؤدي سوى إلى مزيد من الحيرة والارتباك والدوران في دائرة معينة تحول شباكُها السميكة عن حقيقة الرؤية الصحيحة التي تدلنا على الغاية المشتركة التي يجب علينا جميعاً الذهاب إليها بعيداً عن مؤثرات المزاج السياسي السائد.
ولا شك عندي -رغم حيرتي الحالية- أن الطريق واضح، بل شديد الوضوح لمن يريد أن يسلكه نحو غاية محددة وهدف واضح، وهو معتم وغائم لمن لا يريد أن يسير، ولمن يتشكك في أهدافه وغاياته. ولا أشك كذلك في أن القوى السياسية المعنية بما يجري في هذا الوطن تدرك مخاطر غياب الرؤية المشتركة، وتقدر -في الوقت ذاته- عواقب التردد وما يقود إليه من استمرار ظواهر التفكك والانهيار، وما يرافق ذلك من تدهور الأمن وتزايد مخاوف المواطنين الذين يجعلون من الأمن غاية الغايات بالنسبة لهم لأنهم في ظله يستطيعون أن يواصلوا أعمالهم وأن يداوموا على حياتهم العادية بغض النظر من كان الحاكم وكيف وصل إلى الحكم سواء عن طريق الاغتصاب أو الانتخاب.
ويبدو أننا كأفراد في هذا البلد قد نعرف الطريق الصحيح إلى أهدافنا الخاصة، ولكننا كجماعات وقوى سياسية ونخب فكرية لا نكاد نعرف شيئاً عن الطريق المشترك إلى أهدافنا المشتركة، نظراً لغلبة الرؤية الفردية أو الأنانية التي تجعلنا نتردد في الاختيار، وكثيراً ما ساعدت الاختلافات الثانوية على إبطاء مسيرة التغيير وإطالة زمن الوقوف والانتظار.
والغريب أننا لا نحاول الاستفادة من التجارب العميقة التي خاضها هذا الشعب وقدّم في سبيلها مئات الآلاف من الشهداء، وكانت كفيلة بأن تقول للمترددين والمختلفين إن أسوأ ما واجهه هذا الشعب، وما واجهته شعوب أخرى على وجه الأرض يتجسد في اختلاف أبنائها، وفي إصرار كل فئة على أن يكون الطريق الذي تسلكه هو الطريق الذي ينبغي أن يسلكه الجميع ولا مكان لديها للتنازلات أو لتوحيد الرؤى في القضايا الأساسية والمسلمات الكبرى المتعلقة بالوطن حاضراً ومستقبلاً.
لقد تم إجبار هذا الشعب في مراحل سابقة على أن يسير في الاتجاه الذي رسمته له فئة واحدة امتلكت من النفوذ والقوة ما جعلت الجميع يخضعون، ولا أقول يستجيبون، فالاستجابة نقيض الخضوع ونقيض التسليم بالأمر الواقع، وكانت النتيجة أن استشرى الخلاف واتسع نطاق الفساد وزادت مساحة التمزق، ووصلت البلاد إلى حافة الانهيار، ولذلك لن يأتي الإنقاذ سوى عن طريق واحد هو طريق التضامن والاصطفاف ونسيان الخلافات الثانوية وإفساح المجال للرأي والرأي الآخر في إطار هدف عظيم هو الخروج بالبلد من أزماته المتلاحقة وإعطاء المواطن ما يستحقه من رعاية وأمان، إضافة إلى فتح الأبواب أمامه للإبداع والبناء فهو الأساس في عوامل النهوض ويعود إليه الفضل أولاً وأخيراً في الارتقاء بالأوطان، وما لم يشعر هذا المواطن بالحرية والعدل والأمان وبالمشاركة في اكتشاف الطريق الصحيح إلى المستقبل المنشود فلا أمل على الإطلاق في الخروج من النفق المسدود.
تأملات شعرية:
صاحبي حائرٌ
لا يرى في المدى المتذبذب
أبعد من أنفهِ،
ليس أبعد من شخصهِ
لا يؤرقه وجع الشجر المبتلى
أو تحركه نخوةٌ عاليهْ.
أيها الوطن المتعثر
في حزنهِ واختياراتهِ،
أنتَ وحدَك من نرتجي
قبل أن يصعد الناس للهاويه.