السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢١ صباحاً

السودان بجيوب الجنوب يازول

أحمد إبراهيم
السبت ، ٢٤ مارس ٢٠١٢ الساعة ١٠:٢١ مساءً
ثقتي عمياءٌ في دقة قرائتك للضاد يازول، أمهلني بحلمك ولاتلُمني، لم اقل (السودان في جيوب الجنوب)، حاشا وانما، السودان بجيوب الجنوب، (باء) القسم والإستعانة، أقسمت بها اليوم في حفل زفاف سوداني بين (الجيم) و (الحاء) .. علمت لاحقا، أن الزفاف كان من نوع المصالحة بعد خصام وطلاق كان قد وقع بينهما، يريدان إعادة ترتيب الأوراق من القاضي، فزاد شوقي لهذا الحفل، لأقترح عليهما الخطوبة بدل الزواج، مهما طالت مدتها ولو خمسين سنة، فيها يخفي كلٌّ عيوبه، ويُظهر للطرف الآخر بأجمل ما فيه، الإ ان هذا الإقتراح ايضا فنّده (السوّاق) في الطريق: ياعمي، مفيش حاقة يخفوها، كل شي مكشوف.!

ورغم ترتيب حرف (الجيم) قبل (الخاء) هجائيا، إلا اني وجدت نفسي على باب الخاء قبل الجيم فيزيائيا، لم أكن بدعوة، فلم يكن لي بالمطار غير الحافلات والتكاسي العمومية، إتجهت بإحداها لأشمّ رائحة خاء (خرطوم) الشمال، رغم إغراءات وغلاظة جيم (جوبا) الجنوب.

إغراءات رائحة النفط بمناخ (جوبا) الجنوبي الرومانسي التي لم ازرها بعد، لم تصمد أمام سفن السيادة والثقافة والدين وسلامة أراضي (الخرطوم)، عاصمة أكبر دولة عربية مساحة .. فاخذت تلك السفن برياح العروبة والأعراق، تدفعني شيئا فشيئا إلى ان وجدت نفسي وللمرة الثانية بعد ثمان سنوات امام (فندق جراندفيلا) الماليزي على النيل، والمصنف خمسة نجوم رغم ذكرياتي الأليمة عنها بردائة الخدمات والمياه الداكنة في دورات المياه والغرف عام 2004

إلا ان الدهاء الآسيوي الماليزي في إنتقاء الموقع المطل على النيلين الأزرق والأبيض عن بُعد من جانب، والمجاور مباشرة للقصر الرئاسي على النيل من جانب آخر، تغلّب على كل شي، فوجدت أدفع حقيبي بنفسي مرة أخرى إلى غرفة صغيرة، وإستبشرت على أول خبر بثّه التلفزيون ليلا وتصدّر الصحف السودانية صباحا، وباركت نفسي على تزامن هذا الخبر بيومي الأول في العاصمة (الخرطوم)، بتسلّمها دعوة من عاصمة الجنوب (جوبا)، موجهة لفخامة الرئيس السوداني محمد عمر البشير، لعقد قمة مع رئيسها سلفاكير في الثالث من أبريل، خيرا فعلوها، لم يؤرخّوها الدعوة بأول أبريل.!

خبرٌ على دويّه صرت أردّد: (مبروك يا زول، تفائلوا بالخير تجدوه، فلنتفائل معا يا زول، وجهي كان عليك خير يا زول) .. أنا كثير الهزار مع السودانيين، لأنهم يحبونه معنا الإماراتيين، أهزّر مع كل من يراني اليوم ماشيا في شوارع خرطوم بقدمي، ومن يقرأني لاحقا بقلمي .. أهزر مع شعب الود والمرح، فاقول لكل من يسمعني مازحا ضاحكا مستبشرا متفائلا (اليوم يومك يازول) متوقعا إبتسامة عريضة، لاصفعة عريضة.

لكن هذا اليوم وإن كان يومك ومهما عظُم، فإنه سيزول بغده والغد ببعد غده، هكذا الزوال لكل شي إلاّ لوجهه .. وهكذا فهمت اليوم معنى (زول) .. وكأنّ المنادي السوداني يؤكّد على مسمع الإنسان الزائل: إنك زائل يازول، لا تمشِ في الأرض مرحا، لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال، كل شيء يزول، الأرض والسماء، الشمال والجنوب، إلا الله وتربة الوطن، من أحبها واقفا على قدميه يعمّر الوطن، هو ذاته يحبها مستلقيا في نعشه، يحلم مدفونا في تراب الوطن.!

إذن دعونا نحب هؤلاء الذين هم في الوطن (الخرطوم)، ولانكره الذين هم في (جوبا) الوطن، لولا الجنوب لما كان هناك شمال، كما لاشرق بلاغرب، ولا أرض بلا سماء، فأنتم بالجنوب والشمال جزء من وطن يبقى ولايزول، وينفعكم الجار قبل الدار، ناهيك عمن يأتي من وراء البحار مستعمرا، لزرع العداء بين الجار والدار.

بحبنا لسودان النيلين (بالأزرق والأبيض) معا، نحرّضهما بالشمال والجنوب معا على التكاتف بالسد العالي، للحفاظ على اللونين الأبيض والأزرق دون السماح لثالث الألوان بينهما خلسة وتهريبا.

انتم بسدود الازرق والأبيض، لا تفسحوا الطريق بينهما للأحمر لاسمح الله، ألا ترون أن رافدين العراق لوّثتهما الأيادي الدخيلة لأعداء الأمتين بنهر الدماء، لازالت شلاّلاته أشدّ من روافد (الدجلة والفرات).

أزل (بكسرالزاء) يازول، عن تراب وطنك شمالا وجنوبا، كلما يجرّك الى الطابور الثالث، الطابور الخفي، لا هو لاشمالي ولاجنوبي، ويأتيك ببُرد الحُجى ومسباح النسّاك فلن تعرفه، ومتستّرا بلحية أبي لهب فتحترمه، وهو من ألدّ أعداء العرب والإسلام .. حافظ يازول، على وحدة الصف بسودانية الارض وسواد أعظمها، وبكل طوائفها من الاديان والأعراق، لا النفط لا الحدود ولا الدولارات اغلى وأثمن من الأمن والأمان يازول يا إبن السودان.

يازول لك اخوة في بقاع من الوطن الكبير، ينام فيه المواطن غريبا في موطنه، مرتعشا في بيته مريبا بين الأبناء والدخلاء، يهمس كل صباح في أُذنى زوجته: "أنبقى ام نهجر البيت بحثا عن رائحة الأمن للأبناء." .. فتردّ الحوّاء على السؤال بسؤال: "وهل هناك أمن على كوكب الأرض يا آدم؟ انك تحلم؟ أو انت لنا اليوم ببساط الريح إلى كواكب أخرى؟!"..

يازول أينما كنت في الولايات السودانية: لاتُشغل بيتك وحانوتك بأجساد من لاعقول لهم، فتتحول شوارع بلادك إلى أشدّ من سيول برازيل العارمة، ولا تسمح بتفريخ بعض القوى السياسية، العقول الفتية لأبنائك طلاب وطالبات جامعاتك السودانية لإثارة العنف، سودان نريدها آمنة شاملة شمالا جنوبا بالخرطوم وأم درمان وجوبا وغيرها .. لا إستنساخ لشوارعها من طوارئ الصين والهند وبانكوك ونيبال، ولاصور طبق الأصل لسكيكها من بيشكيك بقرغيزستان وكابول وجلال آباد بأفغانستان، ناهيك مما في عواصمنا المأسوفة على ربيعها من بنغازي وطرابلس ودمشق وصنعاء وبغداد وحتى القاهرة.

أريد أن أصدق إحساسي عن سودان السلام ستبقى بالسلام، السودانييون مسالمون بالطبع فسيبقون إن شاء الله مسالمين، إنها لمساتي ومشاهداتي من هذا الشعب الذي عاشرته في بلادي أكثر مما عاشرته في بلادهم، وأكذّب الدجّالين المأجورين، الذين كانوا يخيفون دائما وكلما دُقّت جرس إنتخابات في السودان الشقيقة الآمنة، عن جرس "حيص وبيص..!

ودون هؤلاء المحلّلين الدجالين المشبوهين، أنا أجزم بقلب (وقلب المؤمن دليلُه)، أن للقواعد شواذ، والسودانيون قاعدتهم السلام الأصيل، بينما العنف أو الإرهاب هو الشاذ الدخيل، ورافدين السودان (بالأزرق والأبيض) هو الجنس الأصيل، لارفث ولافسوق ولا جدال، فلا طريق إليهما للجنس الثالث الدخيل.

إذن يا زول لا سدود ولا أنفاق ولاجسور للنيل الثالث بين النيلين وأبناء النيلين بإذنه تعالى، إنه سميعٌ مجيب.