الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤٥ صباحاً

رحيل البابا ... وقدوم البابا ... !

اسكندر شاهر
السبت ، ٢٤ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
الإهداء .. إلى طارق الثورة المطروقة

في يوم واحد تلقيتُ نبأ رحيل البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الأقباط الأرثوذكس في سائر بلاد المهجر ونبأ قدوم البابا ( والدي ) إلى مصر الكنانة .. رحيل البابا شنودة خسارة كبيرة للأمة العربية التي قبض على الجمر لتحمل مواقف رائعة وصلبة لكرامتها وعزتها وفي مقدمها موقفه من القضية الفلسطينية والتعايش المسيحي الإسلامي ، وهو وفقاً لكل التجارب التي خاضها يُعد – بحق- فقيداً للمسيحيين والمسلمين معاً كما قال الكاتب عبد الباري عطوان .

لا شك أنّ مصر ولاّدة وخلاّقة ، ولكن بعض الشخصيات تحضر في مواقع مهمة لأمر جلل وشأن عظيم ، وتُشكل علامة فارقة نشعر بعدها بفقدانهم لاسيما أنّ توقيت رحيل البابا حرج وفي مرحلة صعبة وغاية في التعقيد تشهدها مصر والوطن العربي فضلاً عن مكانة الرجل الدينية لكثيرين حول العالم .

**********

منذ سنوات لم ألتق بالبابا (والدي) بسبب اغترابي القسري .. شاءت الأقدار أن يختار البابا "شاهر سعد" مدينة "الاسكندرية" الجميلة للعلاج ، وتسنّى لي لقاؤه ولقاء هذه المدينة التي لي من اسمها نصيب .

كان البابا (والدي) رفقة أخيه العم الصحفي الثائر النبيل طارق سعد .. هكذا يصفه أقرانه ومحبوه وما أكثر عددهم .. وجاء طارق مطروقاً بحادث سير أليم يُضاف إلى تراث ثورتنا الشعبية السلمية اليمنية (المطروقة) التي أبت إلا أن تطبع تضحياتها في وجوه كل الناس الأنقياء ، ولكل بحسب قدره ، فمن لم تنل من جسده رصاصات الجنود الحمر وقذائفهم أصابته بفقد قريب أو فراق حبيب ، أو تعرض لحادث سير يأتي بكل هذه الآلام دفعة واحدة ، فلقد كان طارق رفقة زملاء له كلهم ناشطون ثوريون بارزون وكانت وجهتهم من صنعاء إلى تعز للمشاركة في إحياء الحادي عشر من فبراير الذكرى الأولى لانطلاقة الثورة في ساحة الحرية .

تجمّد الدمع وسط حدقتي عيني وأنا أرى العم " الوسيم " طيب القلب ، بحال مؤسفة جرّاء الحادث نفسه وجرّاء العمليات الخاطئة التي أجريت له في صنعاء كعادتها ، وأما هو فقد كانت عيناه تحبسان بقايا دموع انهمرت على رفيقيه اللذين استُشهدا في الحادث وهما الناشط المعروف بعطائه للثورة وبذله وتضحياته الشيخ عبد الجليل البركاني والثائر الدكتور فؤاد المقطري .

اكتشف البابا (والدي) أن أخاه طارق كان طارق الثورة بامتياز وطارق قلوب الناس بلا منازع عندما تقاطرت الوفود لزيارته في المستشفى ومنزله بصنعاء من كل الأطياف والساحات والمواقع وبالعشرات لدرجة أن طابوراً كان يصطف للزيارة على مدى أوقاتها دون مبالغة .. على أنّ كل هذا لم يشفع له عند تجار الثورة كما عند نقابة الصحفيين التي ينتمي إليها ، وهم يتركونه يعاني قدره كما هي عاداتهم ..

في هذا الصدد كتبت الثائرة المعروفة بشرى المقطري تقول : " لم تكن يوماً نقابة حقيقية تقف مع أعضائها في المحن .. لم تكن معبرة عن أحلامهم وتطلعاتهم ، ولم تهتم يوماً بحرية التعبير أو بالتضامن مع منتسبيها .. قد نعذرها لأننا نعيش الآن في الزمن التوافقي .. الزمن الحامض .. لكن أن تهمل جرحاها ...!!! "

وتضيف بشرى المقطري قائلة " العزيز طارق سعد .. الرائع .. الذي يختبيء بين جناحيه وطن أبيض تعرض لحادث ... في الطريق إلى تعز للاحتفال بانطلاق ثورة 11 فبراير .. أستشهد العزيز فؤاد المقطري وعبد الجليل البركاني ، وكان طارق في حالة حرجة .. زرته اليوم وآلمني الصمت حوله .. " وسجلت بشرى كلمات عتاب شديدة لمروان دماج ونقابة الصحفيين " وختمت بالقول مخاطبة طارق نفسه " توقع الأسوأ .. فقط حافظ على قلبك من التلف " .

ليست حالة طارق سوى رقم في سلسلة وقائمة طويلة من الجرحى والمعاقين والمخفيين الذين عانوا ويعانون فضلاً عن الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءا لثورة لم تنتصر ولا يُراد لها أن تفعل ، و يجري التوافق على حساب دمائهم وتُصرف الحصانة برغم أنوف أهاليهم ويتم توزيع المغانم بـأسمائهم ولا يختلفون لأجل شيء سوى على أعدادهم التي تنقص هنا وتزيد هناك..

ايماءة
الشهيدان عبد الجليل البركاني وفؤاد المقطري علمان من أعلام ثورتنا السلمية ، وهما إضافة إلى طارق سعد وعبد السميع محمد ، وآخرين من أسسوا ائتلاف ثوري متقدم يُدعى ( المرابطون ) من أجل الحرية والعدالة ، وصحيفة تحمل نفس الإسم ، ولا يمكن أن نوفي الشهيدين ما يستحقانه ولكنني سأحاول الاقتراب من السطور الأولى في ملحمة الوفاء لهما ولجميع شهداء الثورة والحراك الجنوبي السلمي وضحايا صعدة وكافة من قتلهم هذا النظام المتجدد من قبل ومن بعد ، في مقال الأسبوع المقبل مستعيناً برفيقهما الشاهد الحي "طارق الثورة المطروقة" .. العم طارق سعد .. شفاه الله ..

الاسكندرية – 21 مارس 2012م ..