الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٨ صباحاً

التوغل الغربي الجديد !!

احمد نبيل
الثلاثاء ، ٢٠ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
علينا ان ندرك ان الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية يريد تغييرا سطحيا او طفيفا، يغير وجوها ولا يغير انظمة وسياسات متكاملة، ذلك لضمان تحقيق اهداف معينة منها ضمان الحليف البديل للرئيس السابق صالح. الغرب لا يريد ديمقراطية او حرية او حياة كريمة لليمن واليمنيين، وانما يسعى دائما لإضعافها سياسيا وإقتصاديا وايضا عسكريا مع اخواتاها الدول العربية حتى تظل اسرائيل القوة المهيمنة في المنطقة وايضا لجعل الشرق الأوسط وعاء سهل للمصالح الحيوية الامريكية و الغربية. اللافت في الامر إهتمام الولايات المتحدة بتولي مهمة اعادة هيكلة الجيش اليمني، لأجل ان يكون بمثابة الحارس المخلص والمطيع لمصالحه في اليمن و المنطقة، و في خدمته دائما.
من المؤكد ان عامل الاهتمام بالجيش هو " الحرب على الارهاب " حيث ان الإدارة الامريكية كانت تعول وتعتمد كثيرا على نظام صالح للتصدي لهذا التنظيم والتعاون معه في الحرب التي يشنها الغرب بقيادة الولايات المتحدة لإجتثاثه تحت عنوان " الحرب على الارهاب " فهذا في اعتقادي هو السبب الرئيسي في نية الولايات المتحدة بتولي مهمة هيكلة الجيش اليمني و ربما السعي للاحتفاظ بقادة الجيش خصوصا من اسرة صالح إن امكن. هذا ليس تحليلا انما واقع الحدث السياسي يثبت وجود نية مؤكدة من قبل الامريكان لذلك .

في النظر الغربي ثمة " سقف " لأي ثورة في اليمن اوالعالم العربي، حيث مسموح لأي دولة ان تفعل ما تشاء مادام ذلك لا يمس من قريب أو بعيد سلام وأمن اسرائيل او طموحات الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة أو حتى " ملف الإرهاب " الذي يُعد هاجس الأمن الامريكي – الغربي . اذا صح ذلك فإن الحكومات الغربية والأمريكية تتخوف من أمرين في العالم العربي ووربما اكثر في اليمن.
أولهما : الاستقلال الوطني .
وثانيهما: الديموقراطية الحقيقية .
حيث من شأن تحقق أي من الامرين أو كليهما ان يؤدي في نهاية المطاف إلى اشتباك مع المصالح الغربية والطموحات الامريكية. لسبب جوهري واحد هو ان استمرار تلك المصالح والطموحات الامريكية - الغربية يفترض حالة من " الخضوع والتبعية " للسياسة الغربية، وهذا الذي لابد ان يصطدم مع استحقاقات الاستقلال و مقتضيات الديموقراطية الحقيقية. لذلك ان ترحيب الولايات المتحدة أو الدول الغربية بالثورات العربية امر مؤقت ومشروط بألا تتعارض ثماره مع ذلك السقف المفروض من قبلها.

على من يعول على الغرب والمجتمع الدولي في مساعدة اليمن وشعبه خصوصا هؤلاء الذين تربوا على سياسات استرضاء الغرب، ان يدركوا ان الغرب و الولايات المتحدة الامريكية لا يحترمون عدوا ضعيفا والضعيف هو من له حق ولا يصر على حقه ونحن لدينا عندهم الف حق وحق، وما كنا امة ضعيفة بل كنا خير امة اخرجت للناس .

الكل يعلم ان الغرب أظهر العداء للعالم الإسلامي في بداية التسعينيات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ولعبت مقولة " صموئيل هننغتون " في صراع الحضارات دورا واضحا، وجعلت العالم الإسلامي والعربي هو الخطر الأكبر على الحضارة الغربية، ثم كانت ذروة الصدام في أحداث11 سبتمبر. لذلك " إحذروا التوغل الامريكي – الغربي بقناعه الجديد ".

للأسف الشديد نحن وصلنا الى مرحلة الخضوع والتبعية وايضا استرضاء المجتمع الغربي بحجة مسايرة السياسة الدولية حتى عرضنا البلد بقضاياها على طاولتهم السياسية، وصرنا ننتظر الاذن منهم في اي خطوة سياسية قد نخطوها بمفردنا. لانبالغ اذ قلنا ان قضية اليمن لم تعد بيد أبناءها، فقد أشركنا فيها الجوار والمجتمع الدولي، وهم من يخططون لكل شيء ( سحقاً .. انها التبعية ). فلا كرامة في ظل سيطرة سياسية خارجية، ولا استقلالية في ظل حكومة ترهن مستقبل البلد وحاضره الى مخططات خارجية .
لن ترى الدنيا على ارضي وصيا )) ((
ما علمناه مؤخراعن نتائج الحوار بين اطراف الداخل ( حكومة واحزابا ) والسفارات الاجنبية، انه تم الاتفاق على تولي الولايات المتحدة مهمة هيكلة الجيش ( كما تريد امريكا )، وفرنسا مهمة صياغة دستور جديد، وبريطانيا مهمة الحوار الوطني. والله لم يتبقى الا تولي المانيا او احد الدول المعنية مهمة تفصيل رئيس جديد خلفا للرئيس هادي. اذا كانت حكومة الوفاق بالاضافة الى احزاب اللقاء المشترك و المؤتمر قد سلموا قضية البلد للسفارات الاجنبية وامتثلوا لهم يكونوا قد خسروا انفسهم ووطنيتهم وشعبيتهم ايضا .
(( لا يستطيع احد ركوب ظهرك، الا اذا انحنيت )) . مارتن لوثر كنج .

من الاولويات السياسية التي تفرض نفسها على الساحة اليمنية، التحرر من التبعية الغربية والسيطرة الخارجية، ووضع حد لمن يتدخل في شؤون البلد او الجيش ويتصرف وكانه المفوض السامي في وطننا . فلن يتم احترام اليمن وأهله إلا حينما يجد المجتمع الإقليمي والدولي نخب سياسية شديدة الوطنية تناضل من اجل هذا البلد. اما النخبة السياسية الحاكمة فهي في حاجة الى إعادة النظر في كل شئ، وتوجهاتها آن لها ان تتغير وتتحدث من اجل ان ترتقي إلى مستوى عدالة قضيتنا واستقلاليتها.

ما يمكن قوله في الوقت الراهن هو إذا اردنا الحفاظ على اليمن اولاً والثورة واهدافها واستمراريتها ثانياً، فعلينا بالسفارات الاجنبية وفي مقدمتها الامريكية " اوكار العمالة و التبعية " لدحر التدخل والتوغل في الشؤون الداخلية، لاسيما في ظل ثورة تتهافت عليها قوى خارجية لصقلها على الشكل المتلائم مع مطامعها العسكرية والدبلوماسية في المنطقة. من ناحية اخرى يلزم علينا التصدي للمسؤولية الوطنية بأكبر قدر من المهارة وأوسع اطار للمشاركة من جانب الطبقة السياسية " الوطنية " والقوى الحية في المجتمع . مالم فستظل اليمن ترزح تحت وطأة وهيمنة دول وسلطويات تجذرت فيه عبر إنسجامها مع نظامه السابق .

المطلوب والمأمول ان تستعيد اليمن عافيتها وتتجاوز حالة التقزيم والإعاقة التي فُرضت عليها وأخرجتها من مجرى التاريخ حتى أصبحت مجرد حقيقة جغرافية او ملعب تتصارع فيه حيتان العالم. علينا أن نسعى إلى تعميق الوجود الوطني زيادة مساحة استقلاليته ووجوده في الحياة السياسية ليشمل لاحقا جميع مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والدينية والتعليمية. نريد ايضا ان نرتقي من مرحلة الحزبية والطائفية والمناطقية الضيقة " التي يستثمرها الغرب كحجة للتوغل والتدخل " الى مرحلة " التيار " الممثل لتطلعات الامة واهدافها جمعا ،الذي يعتمد على قوة الفكرة العامة وتعزيزها، وجهد الامة وتمكين الناس وإشراكهم .
نريد ايضا ان نسعى جميعا الى حياة في كنف الحرية والاستقلال الوطني لنقدم صورة مشرقة عن اليمن في ظل مبادئ التعايش والتراحم لبقية الاوطان من جهة، ولنقدم نموذجاً مضيئاً للبشرية تتضح فيه فطرية الانسان اليمني وعظمته من جهة اخرى.