السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٦ مساءً

بعد المراجعة.. فلنحافظ على نظام الممانعة

اسكندر شاهر
الأحد ، ١٨ مارس ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
قبل عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الشرق منذ ما يقرب من أربعة أشهر كتبتُ مقالاً في عمودي الأسبوعي بصحيفة اليقين الغرّاء بعنوان : (ليس ربيعاً ولا عربياً ولكن شُبّه لهم ).. استعرضتُ فيه أحداث العام الفائت من ثورات وثورات مضادة .. ووصلت إلى نتيجة مفادها أنه بالرغم مما حققته بعض الثورات من انتصارات نسبية أو تغيير وتحولات جزئية كثورة تونس على سبيل التحديد إلا أنه بحسب نص المقال السابق :

"ليس ربيعاً عربياً .. إنه خريفٌ طويل سيمتد ردحاً من الزمن حتى تكتمل دورة التغيير ويعرف العرب أن الثورة لن تنجح لأنها بدأت من منتصف الرحلة وليس من أولها ومن الأطراف وليس من المركز، ولذلك لن تبلغ سدرة منتهاها"

وفي السياق أذكر أيضاً في ذات المقال " الثورة لن تكون ربيعاً إن لم تبدأ من مكة وتمر بالقدس ثم بعدها سيبقى الباقي تحصيل حاصل وستنفتح للمعراج الحقيقي آفاق إلهية وتكتمل الصورة وتنتهي دورة الفصول الأربعة عند فصل واحد لاتؤثر به حرارة الصيف ولا برودة الشتاء ولا رياح الخريف ولا حساسية الربيع"

والآن بعد عودتي إلى الشرق ومواكبتي لهذه التحولات عن قرب وقراءتي لمايحدث في الشارع المصري حيث أقيم الآن أجدني أثبّت ما قررته في مقالي السابق ، فبالرغم من أن مبارك ونجليه وبعض أركان حكمه يقبعون في السجن ويحاكمون إلا أن تياراً واسعاً هنا في مصر لايزال يقول بأن النظام لم يسقط .. هذه حقيقة مُرة ، ولكنها أقل مرارة بكل تأكيد من تلكم الكذبة الخطيرة وثقيلة الدم إن كان بها وبمن يقولها دم أصلاً و التي تقول : بأن الثورة الشبابية الشعبية اليمنية انتصرت بعد أن حوّلوا الرئيس الذي كاد أن يُخلع ويُحاكم بفعل ثوري إلى زعيم ورئيس الرئيس وإمام جامع وخطيب جمعة لأكبر مساجد اليمن ، لا يأتيه وأهله مكروه من بين يديهم ولا من خلفهم بحصانة صرفوها من جيوبهم وعدالة انتقالية ينوون صرفها من ظلم مقيم وارتهان مقيت ..

ليس ربيعاً عربياً مادامت الثورة اليمنية لم تنتصر بل يُراد لها أن تنتحر .. والثورة البحرينية توأد كما كانت توأد البنات في جاهلية العرب .. يريدون أن يقنعونا بعروبة الربيع وموطن العربية الأم تُجتث فيه ثورة الناس الذين يتوقون للانعتاق والنساء اللواتي يردن أن يقدن سياراتهن ..

هل سيقبل أي عاقل أن يجري تثبيت النظام اليمني المهادن والعميل المرتهن الذي قال زعيمه للأمريكان : اقتلوا شعبي وسأقول بأني فعلتها ، ويجري إعلاء شأن النظام الخليفي البحريني السفاح ، وفي الوقت ذاته الإصرار على إسقاط النظام السوري الممانع والمقاوم..؟!

في هذا الشأن جاء في مقالي السابق " وأما اليمن والبحرين فحدث ولا حرج .. لأنهما قرب ذلك المقدس الذي تحول إلى بقرة حلوب (فارض) فلن يبلغا مبلغهما إلا أن تجد ثورتهما صدىً داخل المركز .. هناك في مكة والمدينة ".

وأتابع بشأن سورية لأقول و"لسورية التي تقع على مبعدة من مكة ومقربة من القدس ( حديثٌ في العمق ) فأمرها يتدبره شركاء الاحتلال لهاتين البقعتين المقدستين .. يحضر الحق فيها ويختلط بالباطل ، ففيما تُوهب المبادرة إلى صنعاء تُجلب المؤامرة إلى دمشق ويبقى الغمام سيد الموقف ، حتى ليصعب التمييز بين الحق المستند على الحق والحق المستند على الباطل كما يستند الزبد على الماء" .

لقد فهم الواهمون الدرس اليوم جيداً والشعب العربي لم يعُد غافلاً عن حقيقة هذا الخريف الذي تساقطت أوراقه اليابسة لتبقى حقيقة الماضي ماثلة بكل تعقيداتها ، وعليه فإن قوى الشر بدأت تخفف لهجتها إزاء النظام السوري وهي تنكشف في تعاطيها مع اليمن والبحرين على نحو مغاير تماماً ، وتتأكد حقيقة وجود المجموعات المسلحة المدعومة خليجياً وإسرائيلياً ، وفي المقابل تدرك قوى التوازن والالتزام العالمي كروسيا والصين أن هذه المعادلة المختلة لا يمكن أن تمُر على النحو الذي تريده "دويلة" قطر، وأما إيران فهي تدرك أنه من الصعب أن تتخلى عن أهم مقومات وجودها المتمثل بدعم المقاومة والتي ترعاها دمشق كحليف استراتيجي سواءا فيما يتعلق بفلسطين أم لبنان لأن الثورة الإسلامية كحاملة سياسية وأيدلوجية للنظام الإيراني قامت على هذا الأساس ولا أحد يُسهم في هدم أُسّه وأساسه بل يتعين الحفاظ عليه .

انظروا كيف يتعاملون مع الإصلاحات التي أجراها النظام السوري والتي كانت أحلاماً في وقت سابق ، وكيف تعاملوا مع التعديلات المدللة التي أجراها نظام صالح للمبادرة الخليجية بنسخها المتعددة والتي خرجت من كنفه أصلاً .. ليست هذه المعايير المزدوجة وسياسة الكيل بمكيالين فقط من تدفعنا لتقرير أهمية الحفاظ على بقاء النظام السوري بل إنه يكفي أن نتذكر أن الهيمنة الخارجية على الوطن العربي زادت ولم تنخفض بفعل هذا الخريف ، وأن الثروة العربية تزداد نهباً بعد هذا الخريف وأننا في اليمن كنا بأحمرين ، وصرنا بحمران عيون ، وأننا استبدلنا خيمة "القذافي" بخيمة "توكل" على أن الأولى كان يخرج منها تصريحات لا مسؤولة ودولارات فيما الأخيرة يخرج منها تصريحات لا مسؤولة بدون دولارات ، وأنه مجدداً مادام الخريف قد آل إلى تثبيت أنظمة الارتهان والخنوع أو إعادة إنتاجها ، فعليناً إذاً أن نحافظ على دمشق كآخر قلعة للصمود والتحدي .. وللشعب السوري فيما آل إليه حالنا عظة وعبرة ..هذا ونحن شعب متجانس فكيف بتلك الفسيفساء الشامية التي لا يمكن أن تُحكم بعقال "حمد" ولا بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية ، ولا بأخوان مصر المتمرسين في السياسة ، أو أخوان سورية الذين لا يفقهون منها إلا النزر اليسير ..

إيماءة
هناك من يريد أن يبيع الماء بحارة السقائين كما يقول المثل ، ويريد أن يدّعي بأن مظاهرات تخرج في اليمن في خضم ثورتنا وفي تعز عاصمة الثورة والثقافة لتأييد ثورات و"فورات" في بلدان أخرى عربية وخاصة في سورية وهذه أفعال وأقوال تتبناها رموز الثورات المضادة ، لتدمغ مغالطاتها وتقول بأن اليمن تتمتع بنعيم المبادرة الخليجية ، وأننا في تعز أبواق لما تقرره قناة الجزيرة ، فهيهات منا الذلة ، والخزي والعار لمن يدور في هذا الفلك من معشر قومنا ..