السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٦ صباحاً

للبشمرجة المثقفين!!

ياسر عبد المجيد المقطري
الأحد ، ١٨ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
هل تستطبع الدولة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية ورجال الإعلام أن يساندوا القبيلة او كما يسموهم المبندقين على ترك البنادق والخنادق إلى النظريات والحقائق؟ أم سيظلوا معاديين للقبيلة والمبندقين ويصبحوا (بشمرجة مثقفين)؟

من خلال ما قرأته في بعض المواقع الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وغيرها وجدت هجمة شرسة من مثقفين وكتاب واعلاميين على القبيلة وأنها وراء كل مشاكل البلاد وتخلفه وتراجعه فأردت أن أتناول هذا الموضوع بشيء من الموضوعية والواقعية بعيداً عن التخندق والتطرف وراء الرأي باسم الثقافة أوالعلم والتعلم.

الدستور والقانون العام هو المرجعية للجميع وصاحب الفصل في كل القضايا الخلافية والمنظم لشئون الحياة فعندما يغيب يحل محله دساتير وقوانين شخصية وضيقة وفق نظرات ممثليها فلكل مكون من مكونات المجتمع دستوره الذي يؤمن به بغض النظر عن صحته من عدمه،فالقبيلة كمكون مهم فيه لديها دستور وقانون قائم وفق ماتراه انه صحيح،والحزب لديه دستور يرى انه الصحيح والطائفة أيضاً لها دستورها وهكذا كل مكونات المجتمع حتى على مستوى الفرد يصبح يتصرف وفق هواه ودستوره الشخصي وهنا تبدأ الصراعات المختلفة ويبدأ قانون الغاب يسود والذي فيه تكون الغلبة للقوي فيفرض رأيه فالأسد هو الأقوى فهو ملك الغابة والقبيلة هي الأقوى فهي ملكة المجتمع وبالتالي تتصرف وفق دستورها فيكون لها السيطرة والغلبة بحكم كما ذكرنا قوتها مقارنة ببقية المكونات الأخرى.

القبيلة اليمينة لم تكن يوماً عنصراً دخيلاً على البلد فهي موجودة في المجتمع منذ القدم وساهمت ولعبت أدواراً مختلفة سواءً في شمال اليمن أو جنوبه فلا يكاد يذكر منعطف مرت به اليمن الا وللقبيلة إسهام بغض النظر عن سلبيته وإيجابيته مع العلم بأن هذا المكون القبلي لم يقتصر على اليمن بل يوجد في البلدان العربية والأجنبية المختلفة فتواجدت القبيلة فيه ومازالت إلى الآن غير ان بعض الدول استطاعت أن تدمج هذا العنصر أو المكون في إطار المجتمع وتجعله عنصراً إيجابياً حضارياً أو على الأقل يغلب عليه التحضر والتمدن من خلال التعليم والتوعية وإيجاد البدائل المناسبة لجعله يترك ثقافة السلاح والثأر والعصبوية واحترام الدستور والقانون.

إذاً ليست المشكلة في القبيلة ولا في الأحزاب ولا في الطوائف ولافي العادات والتقاليد ولا في الناس ولكن المشكلة الحقيقية في غياب النظام والقانون الذي هو من مهام الدولة والسلطة ففي أوروبا أو أمريكا هناك مكونات،وأعراق وجنسيات مختلفة داخل البلد الواحد لكن القانون هو المرجع والفصل والحكم للجميع،كيف تم ذلك؟وكيف استطاعوا ان يفرضوا النظام والقانون هذا أمر آخر يمكن التفصيل فيه من خلال تتبع تاريخ تلك الامم والاستفادة منها وهذا يطول الحديث حوله لكن بلا شك فإن وصولهم إلى هذا المستوى لم يكن مجرد حلم أو مقالة هنا أو هناك أو ترف فكري في صفحات الشبكات الاجتماعية ولكن كان له ثمن باهض وكما يقال (إذا اردت الحرية فأول الطريق ثورة) ونحن إن شاء الله وجدنا الطريق وخطونا الخطوة الأولى وستليها خطوات.

إذاً يجب على الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والهيئات والمؤسسات التوعوية أن تساهم إلى جوار الحكومة وتقوم بدور فعال في فرض هيبة النظام والقانون،والمشاركة في دمج هذا المكون المهم في إطار الدولة المدنية التي ننشدها بما يمتلكونه من وسائل ايجابية لا الإقصاء والتهميش خاصةً وأن الثورة اظهرت معدن القبيلة الأصيل في الوقوف إلى جانب ثورة الشباب والدفاع عنهم فأبناء نهم وأرحب والحيمتين وعمران وشرعب والمخلاف وابين وحجة والجوف لعبوا دوراً بارزاً في مواجهة صلف وغطرست المخلوع علي صالح وأولاده وتصدوا لبلاطجته بكل بسالة وبكل إباء وقدموا الشهداء كما قدم الشباب في ساحات وميادين التغيير،ورأينا أيضاً مواقف حضارية مارسها أبناء القبائل في كل مراحل الثورة تثبت عزم هؤلاء على ترك السلاح والانخراط في المجتمع المدني الذي يحكمه الدستور والقانون فسياسة التهميش ومحاولة الإقصاء الذي يمارسه البعض من مثقفين وكتاب وإعلاميين من خلال التقليل من الدور الذي لعبته القبيلة هو في الحقيقة قبلية من نوع أخر يمكن تسميته (بمشمرجة مثقفين) فلا فرق بين مبندق بسلاح أومبندق بثقافة كلها عنصرية مقيته والعلاقة التي يجب ان تكون هي علاقة التكامل وليست التصادم،فالواقع يفرض نفسه ويجب ان نتعامل مع حقائقه بعيداً عن الاحلام والشطحات الزائفة فكل مكونات الثورة والمجتمع يجب ان تحترم ويحترم دورها.

بقي أن نشير إلى أن أي مجتمع بكل مكوناته فيه من الإمكانات والعوامل المختلفة ما يمكنه من تغير مسار حياته بشكل إيجابي لكن يبقى السؤال الأبرز هو كيف يمكن لأبنائه تسخير وتطويع كل هذه الإمكانات والمكونات بغرض خدمة أهدافه ومسيرة نجاحه؟ والإجابة هي المحك الحقيقي لنجاح الثورة ونجاح المجتمع للحاق بغيره من المجتمعات المتقدمة.