الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٥ مساءً

لن أتخلى عن خط المقاومة

اسكندر شاهر
السبت ، ٢٥ فبراير ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
ذات يوم وقبل الثورة الشبابية الشعبية السلمية بسنوات رفع سفير النظام اليمني المتهالك بدمشق علم الجمهورية اليمنية في الجزء الأمامي لسيارته الفارهة وتوجه من مقر إقامته الباذخ إلى مركز عربي للدراسات الاستراتيجية في مهمة رسمية (فوق العادة) طالباً لقاء رئيس المركز وهو زعيم يمني جنوبي سابق .

كانت مهمة دبلوماسية في غاية الخطورة والأهمية لتحسين العلاقات اليمنية - اليمنية وتوطيد أواصر العلاقات اليمنية – السورية ، موضوع اللقاء المحوري كان تقديم السفير للزعيم طلباً فجاً بتحديد موقف من كاتب يمني مقاوم (الطرد) حيث كان يعمل مستشاراً في المركز ويقيم في سورية منذ مايقرب من عقد من الزمن وممنوع من دخول بلاده منذ العام 2004م ولا يمتلك جواز سفر يمني وإنما يعيش كلاجيء مقيد في مفوضية الأمم المتحدة بسورية ..

المهمة خطيرة ومهمة بكل تأكيد فهذا الكاتب لم يحتل جنوب اليمن ولم يتفيّد عدن كما فعلت جحافل صالح بقيادة علي محسن الأحمر ولم يصادر منزل الرئيس البيض أو الرئيس علي ناصر بعدن ، ولم يشارك في قتل أبناء الوطن في صعدة وحرف سفيان ولم يسقط القذائف في المعجلة بابين ورفض بشبوة ، ولم ينهب بنوكاً ومؤسسات حكومية وأراض وعقارات ولم يفصل موظفاً من وظيفته بغير وجه حق ولم يكن شريكاً في أي فساد سياسي أو مالي و إداري في اليمن بل كان كاتباً مستقلاً يقاوم هذا الاحتلال وذاك الفساد وذيّاك القتل ، ولايمتلك من سلاح سوى قلمه وصوته معبراً عن شعبه في الجنوب الذي يرزح تحت نير الاحتلال أو الاستعمار منذ 94م وشعبه في الشمال الواقع تحت سلطة الاستحمار منذ أكثر من ثلاثة عقود ...

قبل أن يتقدم سعادة السفير "الحاشدي" الذي كان إلى ما قبل الثورة يتفاخر بانتمائه للأمن القومي بطلبه الفج للزعيم اليمني الجنوبي كان قد حاول مغازلة هذا الكاتب المقاوم عبر وساطة رسائل sms الموبايل وعبر وسطاء يمنيين كانوا قد اخبروا الكاتب بأن ثمة رغبة لدى السفير في إقامة حوار مع الكاتب من المتوقع أن يتضمن عرضاً مغرياً بنيل منصب دبلوماسي مقابل التطبيل لنظام متهالك أو الصمت في أحسن الأحوال .. وكانت هذه العروض تلقى الرفض المبدئي الذي ينطوي على قناعة بعدم إمكانية الحوار مع النظام ومع أي ممن يمثله ، ووفقاً لرؤية مبكرة تستشعر التغيير وتتحدث عنه صراحة في الوقت الذي كان فيه المعارضون التقليديون ينشغلون بماراثون الحوار الممجوج مع سلطة علي صالح ويحذرون الشعب من الخروج إلى الشارع ومن كلفته ومن الحرب الأهلية المزعومة ...
الزعيم اليمني تجاهل طلب السفير ولا شك بأنه استخف به ولربما اعتبره سبباً في التمسك أكثر ببقاء هذا الكاتب في عمله في هذه المؤسسة الفكرية ، إلى أن دارت أيام العرب واندلعت الثورة الشبابية الشعبية السلمية لتؤكد أن رؤية "الشباب" أكثر وضوحا وواقعية من حوارات "الشيّاب" ، وأن التغيير سنة كونية قد تتأخر لكنها لابد أن تبلغ مبلغها مهما طال انتظارها ، ومن المفارقات أنه وبعد جمعة الكرامة كان ذلك السفير الهُمام أحد الذين قفزوا من سفينة صالح التي كانت تشكل له سفينة السلام والرخاء والاستقرار والقوة والمنعة والوطنية والوحدوية ووو...إلخ. إلى سفينة فاسدة خرجت من صلب سفينة الفساد إياها وأعلن استقالته من منصبه معتبراً أنه ليس ذلك (القبيلي) كما كان يحب أن يصف نفسه بل ينحدر من أصول لاتينية تقدمية يعتقد أنها وثيقة الصلة بعائلة تشي جيفارا ..

الكاتب الشاب الذي واكب الثورة الشبابية الشعبية بعد وصوله الولايات المتحدة الأمريكية كلاجيء سياسي سافر إليها بوثيقة من الأمم المتحدة كما هو شأن كل اللاجئين حول العالم ، التقى هناك بمعارضين لا يمتلكون روح مقاومة النظام أحدهم قال للكاتب إبان تشكيل "المجلس الوطني لقوى الثورة" كإطار ناهب لها بأنهم سيتحولون إلى السلطة وان هذا الكاتب سيبقى في المعارضة وهو يقصد "خط المقاومة" ، وما كان من ذلك الكاتب إلا أن سخر من بشرى المعارض التابع لمعارضين تقليديين قبليين وعسكريين ، والحق يقال أن بشراه صدقت فالثورة المضادة كانت تعرف مبتغاها وخارطة طريقها باكراً فقد كانت غايتها إنقاذ صالح وعائلته وحزبه وقبيلته ونظامه والنتيجة تشكل هذا النظام المشترك المسخ الذي يعتقد أنه بعبد ربه هادي قد نال حصان طروادة لكن الذي غاب عن أذهان المعارضين السلطويين أن عبد ربه لن يحكم اليمن بل ستُحكم به اليمن لبعض الوقت ، وأن سنة التغيير لاتزال ماثلة ببقاء الثورة بعد أن باتت وعياً شعبياً يصعب تجاوزه بمهدئات استهلكها صالح ووجهه الآخر وهي اليوم أشبه بأقنعة لا تستخدم سوى مرة واحدة ، وأن خط المقاومة ليس بالضرورة أن يكون لقاءًا مشتركاً ليشكل قوة ممانعة للتسوية الرخيصة التي رسخت النظام العائلي وأكدت التدخل الخارجي السعودي وثبّتت رغبة الرياض بالاستمرار في اختطاف القرار الوطني بل يكفي أنه أي -خط المقاومة- موجود وحي في صحوة الأمة كنجم ساطع وفي أحلام أنصار الثورة المضادة ككابوس فاجع ..

إيماءة
لن أتخلى عن خط المقاومة ...