الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٣٠ مساءً

قوائم الضلال والفضيلة إلى متى..؟!

عارف الدوش
الخميس ، ٠٢ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
• في حياتنا الكثير من التباينات، ومن لا يدرك أن هناك ألواناً كثيرة غير الأبيض والأسود، أعمى البصر، ومن لا يدرك تعدد الأفكار والآراء والمدارس الفكرية، أعمى البصيرة، ويكذب من يقول إنه يملك الحقيقة كاملة، فهي متنوعة بتنوعنا وتعددنا، فقط علينا أن نتذكر في كل لمحة وحين أن “للحقيقة” زوايا متعددة للنظر إليها، وتجاربنا وثقافتنا وأساليب تعليمنا شكلت كثيراً من قناعاتنا التي تحولت مع الوقت إلى ما يشبه الحقائق القطعية لدينا؛ ولكن في الواقع ليست تلك هي الحقائق، وعلينا أن نتذكر أيضاً أن ما نراه اليوم صحيحاً سنكتشف غداً أنه خطأ، والعكس صحيح والأهم أن يدرك الناس أن الاختلاف في الفكر والرأي والسلوك ليس نهاية الدنيا.

• فليختلف المختلفون كما يشاءون ويتصارعون بالأفكار والحجج، ينتقدون ممارسات بعضهم بعضاً باعتبارها سلوكاً آدمياً خاضعاً للصواب والخطأ، ولا يوجد اليوم جماعة أو أفراد مهما كانت درجة صلاحهم في الدنيا ومهما كانوا من الكثرة في العدد والمال والسلاح قادرون على إلغاء طرف أو أطراف يعيشون معهم في مجتمع واحد ومساحة جغرافية ويتشاركون معاً في الكلأ والماء والنار، وفي البرد والحر والمطر وتقديم التضحيات والاستشهاد والتعذيب والسجن، لكنه حب السلطة والمال وحب الظهور وإرث السيطرة والاستبداد نحمله في دواخلنا ونحتاج إلى وقت لتصفيتها من هذا الإرث البغيض.

• ليعلم من ينفخون في النار تحت الرماد سواء بالكتابة المستفزة والتحريضية في الصحف والمواقع وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي أم بالخطابة المتخلفة المنفرة والجاهلة بأن تحالف القوى السياسية في “ المشترك” الذي دفع الشهيد جار الله عمر حياته ثمناً لنجاحه سيتجذر في الواقع وسيكسب قوى جديدة إلى صفوفه كانت في الأمس متنافرة فكراً وموقفاًَ وتحاربت بالسلاح وبكل أنواع الفتوى والتحريض، مهما بدا للبعض أصحاب النظرة القاصرة أو المتآمرين لحاجة في أنفسهم أو خدمة لمن يدفع أكثر أن بغيتهم في قواعد المشترك، مستغلين ما يحصل نتيجة للعمل اليومي أو للضغوط النفسية أو بقايا شمولية وتعبئة خاطئة وتحريض، ومن يستغل ذلك لنفخ النار تحت الرماد والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، سيكون مصيره الفشل.

• والكتابات أو الخطابة سواء جاءت من إصلاحي أو اشتراكي أو ناصري أو مستقل ولكنه تربية إحدى المدارس الثلاث السابقة الذكر، فعليه مراجعة عقله ونفسه والتأمل لما يجري حوله، فهو يعيش مرحلة سابقة أو أن عقله وفكره توقف عند مرحلة سابقة، وكان من جهابذة التحريض والقتال بين من كانوا في الأمس متقاتلين وهم اليوم مؤتلفين، فكما يقال «كل مشكلة ولها حل وبالمقابل أيضاً يجب على القادة والعقلاء ألا يضعوا رؤوسهم في الرمال أو ينكروا أن هناك تجاوزات وأخطاء، فبنكرانهم ستكبر وستنتقل من تصرفات خرقاء وكلمات في صفحات الصحف إلى بشر لهم أيادٍ يبطشون بها وأرجل يسيرون بها وعقول يستخدمونها في الثأر ممن يتوهمون أنهم خصومهم.

• أيها الحزبيون بمختلف ألوانكم وأطيافكم، والمستقلون بمختلف مشاربهم إصلاحيين ويساريين ومن في حكمهم، اعلموا علم اليقين أن هناك من يتربص بكم من أبناء جلدتكم، والأمر ليس تفسيراً مؤامراتياً؛ فهو بائن للعيان، إنه هوس السلطة والسيطرة وحب المال والجاه والظهور والاستحواذ، ولهذا فإن منطق “نحن أحسن منكم وأفضل منكم وأكثر منكم عدداً وعدة ومالاً وسلاحاً” غير مقبول ولا مسموح به بين شركاء عمل سياسي في الساحات، واعلموا علم اليقين أيضاً أن آراءنا وأفكارنا ما هي إلا محاولات نسعى بها إلى تفسير الأحداث من حولنا أو فهم معنى الحياة التي نعيشها، وهي ليست ثوابت بل متغيرات، فلا تجعلوا اختلافات أو ممارسات خاطئة باينة للعيان تتغلب عليكم وتهدم تحالفكم وتشق العصا بينكم، فستكون الطامة الكبرى!.

• وليس من العدل والعقل والمنطق والحكمة أن تقفوا طويلاً أمام أية إشكالات تحصل، وهي تحصل نتيجة اشتراككم في عمل سياسي يومي يفترض أنكم من خلاله تريدون إصلاح الوطن وخدمة الناس، فعلى القيادات والعقلاء أن يتحققوا مما يثار وأن يعملوا بحزم على إيقاف ما ظهر وما كان مستوراً وهم يرون أنه سيؤدي إلى الخصام، وأول الحرب كلام، وليس من العقل والمنطق والصواب أن يدخل على خط إشعال النار من يفترض أنهم الموجهون والمفكرون، فمن المعيب جداً أن نقرأ لشخصية سياسية أو فكرية أو صحفية أو حقوقية مرموقة أو مشهورة هجوماً لاذعاً وتهديداً بالويل والثبور وعظائم الأمور وتعريضاً بالغمز واللمز ضد جماعة سياسية أو أفراد مخالفين في الرأي حتى وإن تجنّوا أو زادوا في العيار؛ فقد يكونون واقعين تحت الشعور بالتحجيم، وقد تكون هناك من التصرفات التي تنم عن استقواء واستفراد هي وراء ذلك أو يكونون العكس واقعين تحت شعور التضخم بأنهم الأفضل والأكثر عدة ومالاً وسلاحاً، وهذا لا يعني السكوت على الأخطاء وقبول الضيم والتهاون بحقوق الناس وإنما التعقل في الطرح والاستمرار في نقد الأخطاء وكشفها والسعي لإصلاحها، حتى وإن قوبل النقد بعدم الجدية، أو الاستهجان، فمع المدى يقطع الحبل الحجر.

• أيها الحزبيون، أين دور الأحزاب والقادة الجماهيريين في تثقيف الشباب، لماذا تركت الأحزاب والمنظمات والمقايل واللقاءات موضوع التثقيف والتوجيه إلى درجة أن الناس تضجر من مقيل يتصدره متحدثون أو منظرون ولا يرغبون في الاستماع، مكتفين بما عندهم؟!.. رعى الله أيام الزمن الجميل كانت الأحزاب مصانع الرجال، فكانت بيوت ثقافة ومقايل الحزبيين ندوات سياسية وثقافية، وكان التثقيف الحزبي بالأمر، ومطلوباً قراءة كتب وإعداد أوراق وتحليلات وقراءتها في اللقاءات التالية، كانت الأحزاب تخلق التنافس بالثقافة وتنمية القدرات التنظيمية والفكرية، تصنع مفكرين وأدباء وشعراء صناعة، وتنمّي المواهب وترعاها وتدفع بها إلى الصدارة.

• أيها الحزبيون المتعصبون في كل الأحزاب، لكم نظرتكم وللآخرين نظرتهم في أحزابكم وغيرها، لكن لا أحد يستطيع أن يحوّل الخطأ صواباً أو يحجب عين الشمس بغربال كما يقال، فكما يقال “الحلال بيّن والحرام بيّن ولكن بينهما شبهات أو متشابهات”فإن الخطـأ بيّن والصواب بيّن وبينهما شبهات ومتشابهات أيضاً، وإلى متى سنظل كلما اختلفنا في رأي أو موقف أو طريقة أو سلوك أو تصرف أو وجهنا نقداً لبعضنا البعض مهما كان قوياً وقاسياً لجأنا إلى كتابة قوائم “بأصحاب الضلال” وأخرى “بأصحاب الفضيلة”!.

ـــــــــــــــــــــــــ
صحيفة الجمهورية :الثلاثاء 31 يناير-كانون الثاني 2012م