الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٥ صباحاً

في أذن الرئيس: إترك لنا ولك فترة سلام - رحمة حجيرة

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
رحمة حجيرة-النداء
ملاحظة:
إلى الذين يتساءلون: لماذا لا ننتقد إلا الرئيس مباشرة؟ أقول: إن الرئيس هو الذي يدير كل صغيرة وكبيرة في هذه البلاد، فلماذا نضرب الدمى ونترك محركها!.
أسبوع مر على اختطاف الزميل عبدالكريم الخيواني، الرئيس السابق للشورى نت، ورئيس تحرير صحيفة "الشورى" المختطفة بتهمة الإرهاب، ومازال ممنوعا عليه الزيارة حتى من قبل محاميه (التاريخ)! الخيواني الذي سُحب من فراشه بثياب نومه أمام أطفاله عندما اقتحمت عناصر من الأمن متخفية بلباس مدني، وبمهمة إصلاح الكهرباء! أتُهم بتواصله مع المتهمين بالإرهاب والذين تصالحوا مع النظام وغادروا إلى بلد ثري بناءً على مصالحة أدارتها دولة قطر وليدفع الخيواني واحدة من فواتير هذه الحرب من خلال اعتقاله وبتلك الطريقة المهينة، ومشروع الاعتداءات التي تنوي سلطة الرئيس صالح، ممارستها ضده في إطار مشروع الرئيس لبناء دولته الحديثة والوفاء بالتزاماته الخارجية، ومعالجة أسباب وآثار حرب صعدة! ولعله يرمي بحادثة الاعتقال هذه إلهاء الحوار مع المعارضة في البدء بحوار جاد لمعالجات أزمات اليمن ريثما تطبخ أزمة جديدة.
الحقيقة أني لا أريد أن أتوقف كثيرا عند اعتقال الخيواني الذي سيطلق سراحه وسيخرج, أبت سلطة الفوضى أو رضت، وسيخرج منتصراً مشهوراً زعيماً، بينما سمعة اليمن ومستقبلها هي التي تنزف يوماً بعد يوم بل وتضيف إلى تاريخ الحقد والكراهية تجاه الرئيس عناوين أخرى أكثر بروزاً وتفقده كل يوم صديقاً مخلصاً.
وتحت إدارة كل هذه الفوضى، وأقولها: فوضى وليس نظاما، فكلمة «نظام» تشير إلى وجود كيان ما له ملامح محددة وآليات معروفة في اتخاذ القرار، لكن الموجود على سدة الحكم فوضى، اللاعب فيها شخص يحكم بمعلومات مخبر جاهل أو مزاج متقلب. ليس لنا أن لا نقلق على وضع رجل كعبد الكريم، مارس عمله وفق قناعاته وهو يعلم جيدا أنها ستقوده إلى أبعد من الاعتقال بتلك الطريقة ومنح مستقبل هذه البلاد ما يملك من حياته ومستقبله وما لا يملك من "أمان طفولة أبنائه واستقرار أسرته" الذين لا علاقة لهم بمشروعه، كان وطنيا أم إرهابيا، بل لا يعون حتى سبب اقتحام منزلهم واختطاف وضرب والدهم. وإنما يحق لنا أن نقلق أكثر على مستقبل هذه البلاد؛ تحكم بالفهلوة و الفوضى.
أعترف بأن الأشهر التي قضيتها في أمريكا، فرضت عليّ طريقة تفكير أظنها أحيانا عملية كونها بعيدة عن الانفعالية التي اعتدنا عليها فوجدت في مقولة الزميل نبيل الصوفي، رئيس تحرير موقع نيوزيمن: "لماذا نترك نحن -أصحاب المشروع- الرئيس للناس الذين لا يمتلكون مشروعا؟" كم سيطرت علي هذه العبارة، وبدأت أفكر أن أتقرب من الرئيس بمشروعي من خلال تخفيف حدة مقالاتي التي تعكس لغة القبيلي المتشنج في التعبير والمطلوب من الرئيس أن يكون مثل النبي (ص) يسمعنا بصبر ونحن نشتمه، ويبتسم ويعطينا حقوقنا فوراً. بينما يأتي صاحب المصلحة الشخصية يمسح حذاء الرئيس و«يلصي» له السيجارة، ويقطف له القات داساً له السم في العسل.
فضاعت أدوارنا الوطنية جميعا، صحفيين وسياسيين، بين المشروع وبين الوسيلة، كما ضاع الرئيس بين مصالح الشللية ومشروع اليمن الحديث الذي ولد ومات وهو فكرة، تماما كتيهي الآن بين أي لهجة يجب أن أستخدمها في مقالي، ألهجة حادة تثأر لغضبي وحزني على ما تقترفه الأجهزة الأمنية ضد الخيواني تضاف إلى جرائم لا تمحى بالتقادم في صعدة؟ أم لهجة أصحاب المشروع الهادئ الذي يفرض عليَّ أن أشرح كيف أخطأ الرئيس في اختطاف وحبس صحفي معارض، وتأثيره على مصلحة اليمن وعلاقاتها الدولية؟
ولا أنكر أني أحاول منذ فترة البحث عن أرضية مشتركة مع سلطة الرئيس علِّي أحقق مشروعنا في أكثر الطرق أمنا وقصرا، لكن الرئيس وأتباعه لا يتيحون لك الفرصة أبداً حتى في أن تأمل فيهم خيرا. فمنذ الانتخابات الرئاسية وأنا أقول ربما يبدأ الرئيس ببناء دولة مؤسسات مستقلة عنه، بحسب تصريحاته بعد أن أحس بأنه رئيس شرعي، على الأقل، فإذا به يواجه شعبه بجرعات سعرية قاتلة، بل ووفاها بحرب شرسة نسفت ما تبقى من جزئية إيجابية في تاريخه السياسي فضاعت الحكمة والتسامح. وعندما اعتقدت ساذجة بأنه يحاول إنهاء الحرب في صعدة والبدء بحوار جدي مع المعارضة، والبدء بمشروع الدولة، فإذا به ينسف كل أخلاقيات الرجل المحاور؛ بمحاولة إذلال أحد المختلفين معه بنفس الطريقة العدوانية التي حاور بها الحوثيين.
وعند زيارته للولايات المتحدة قلنا: يمكن للضغط الدولي ووصول علاقة الرئيس مع الأمريكيين إلى ذروتها أن تشكل ضغطاً جديداً عليه للوفاء بالتزاماته الداخلية والخارجية، ولكن بمجرد أن صافح الرئيس الأمريكي جورج بوش وبحرارة , عاد الرئيس صالح منتصرا وكأنه حصل على بيعة أخرى، أو قرار تمديد لفترة رئاسية أخرى من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، غير مدرك أن الولايات المتحدة تحكمها مؤسسات ولا يحكمها أفراد وأنهم يمتلكون ولاءً شديداً لبلدهم، وخوفا أكبر من قانونهم حد أنهم لا يتخلون عن ثاراتها أو يتركون مصالحها حتى وإن قادتهم الظروف والحكمة لتأجيلها إلى حين. فلماذا كل هذا الشعور بالاستقواء بشخص "لو كان رجال وقادر يعمل شيء كان نفع نفسه وجنب نفسه فضيحة العراق والفضائح الأخرى التي شهدتها إدارته وأصدقاؤه وباقي الجمهوريين"! المهم عاد الرئيس مستقوياً ليثبت أن لا حكمة بقيت في جعبته وبين القفز على حبال الحرب: «حرب, تعليق»، واعتقال صحفي، لا تضيف إلا الكراهية والعداء له ولأسرته من الداخل والسمعة السيئة في الخارج مهما احتاجه بوش لأسباب أمنية زائلة!
وفي الأخير أقف كموقف أولئك المعارضين الذين كانوا يحافظون على مساحة ود بينهم وبين الرئيس، يخلقون من خلالها توازناً يخدم مشروعهم، لكنهم في نهاية المطاف وجدوا أنفسهم محشورين في الضفة الأخرى ووجدونا أننا لا نمتلك أرضية مشتركة أو مشروعا مشتركا مع حاكم لا يمتلك حتى مستشارين، يقصي المخلصين الصادقين ويزيح العارفين، بينما يقرب المخبرين المتمصلحين الذين ارتبطوا به لحاجة لا تتأتى إلا بحكم الفوضى.
كم أستغرب على الرئيس الذي قيل بإنه حكيم وذكي كيف لا يعي ما يحدث من حوله من عبث؟! كيف يحاول أن يبسِّط قضايا الوطن لتصبح مجرد وشاية من مخبر يدسها في أذنه؟ كيف يجازف بنفسه ونظامه، بل حتى في فلذة كبده (أحمد المسكين) الذي يجد نفسه مدفوعاً من أبيه ليصبح رئيساً لشعب مزقته وتجوعه وتحرقه سياسة أبيه؟ كيف يخلق كل هذه الكراهية ويوقدها بل ويصنع كل هذا الدمار ويشيعه, فقط ليوطد حكمه ومن ثم يورثه لأحب أبنائه؟!