الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٠٦ صباحاً

حكواتي في واشنطن

اسكندر شاهر
الجمعة ، ١٣ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
الاقتراب من شخص ما أو جماعة معينة يزيل الكثير من الغموض ويكشف كثير من الحقائق وحتى اللاحقائق .. وبحكم اغترابي عن وطني مايقرب من 14 سنة قضيتها باحثاً عن العلم والأدب في كل مكان يمكنني أن أصل إليه بإمكاناتي المتواضعة عرفت الكثير وجهلت الأكثر ، درست بعضاً من الدين وبعضاً من الدنيا ونلت من السنة ما نلت من الشيعة ، والمسيحيين كان لي منهم نصيباً إلا أن اليهود لم يتسن لي معرفتهم عن قرب على أني عوضتهم بالملاحدة واللادينيين ، وأما عبدة الشيطان فقد التقيت ببعضهم كما التقيت بكثير من أتباع المذاهب والمشارب العقدية السماوية والأرضية .. وكان يمكنني أن أضع عمامة وفق التقدير الذي حصلت عليه على أن من عرفني حار في لونها لأنه عرف ماذا تعلمت ولكن الذي حار في لونها لأنه يجهلني فهو حكواتي واشنطن .. المهم أني اخترت ما اختاره شاعر العرب محمد مهدي الجواهري الذي رمى بعمامته واختار الشعر والحياة بدون مربط ..

لم أكن أول من أفعل هذا لأحصل على براءة اختراع كما الزنداني مع فيروس الإيدز ولا فيروس لينا مصطفى عبد الخالق ولن اكون آخر من فعل هذا ايضاً فالحياة لاتبدأ لتنتهي بأحد بل لتنتهي لواحد أحد ، إلا أن هذه التجربة البسيطة مكنتني من قول لا عن علم أو نعم عن علم أو لأصمت وقت اللزوم .. فمن قال لا أعلم فقد أفتى ..

هذا أهم ما يميز المتعلم على سبيل النجاة .. فالناس بحسب أبي تراب علي ابن ابي طالب ( ثلاثة) .: عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ..
وبمناسبة ذكر الفئة الأخيرة فقد تعرفت في طريق بحثي الطويلة على ناعقين كثر إلا أن بعضهم تحسبهم صاعق في باديء الأمر وما أن تقترب منه تكتشف كم هو ناعق وكم تشكو منه كلمة ناعق نفسها ..

هذا النوع الأخير ينطبق على حكواتي سافر إلى واشنطن بعد أن أثبت فشله في اليمن .. كان ذلك عن طريق والده المهاجر في أمريكا منذ مدة وهو شخص طيب أعني الوالد لا الولد فقد عمل الوالد في اعمال ومهن بسيطة ومتواضعة منها الحراسة وبالمصري ( بواب ) ثم (صراف عملات) ولم يكن يشكو من شيء لأنه يحترم نفسه ويحترم مهنته ويحظى باحترام الآخرين إلا أن الولد المراهق السياسي تشكلت عنده عقدة نقص من هذا الوضع الكامل الذي يعتبره هو ناقصاَ لأسباب تشبه أسباب عقد علي عبد الله صالح عفاش ( الاحمر) من الناجحين والمتفوقين والمتعلمين وأبناء الأصول والسادة والمشائخ ووووو إلخ .

هذا المراهق السياسي والصحفي لديه حرفة استخباراتية فهو لايكتب لأجل الكتابة ولا لأجل الوطن بل لأجل أن يظهر كم هو استخباراتي خطير ليحصل على وظيفة عند بورجي والشاطر ولكن بعضهم بالغ بالأمر فظنّ انه يريد التوظف في السي آي ايه ، و بالرغم من علمه بأنه لا يصلح حتى ان يكون ضابط صف في الحرس الجمهوري بقدر ما يقدر أن يكون ضابط بلا صف في الفرقة المدرعة أو في حراسة الشيخ حميد الأحمر لأن كلمة بودي جارد كبيرة عليه ..
ولان لديه هذه الحرفة التي اكتسبها بعناء حتى ظن بعضهم أنه يعيش لأجلها مكنته من الاطلاع على بعض الأمور التي تفوق مستواه وإدراكه ففهمها بطريقته فهماً خاطئاً وأرد التعبير عنها فأوقع نفسه في مطب تاريخي ..

هذا المطب التاريخي الخطير كان صدفة جعلت منه كاتباً معروفاً إلى حد ما ، وما أن شعر بعبء المطب التاريخي تذكر عقدة نقصه التي أسلفت الإشارة إليها فراح يرتفع وينشد ولكن باتجاه الحفرة حتى غرق فيها بالكامل .. وعندما شعر بأنه غرق فيها ولم يعد حتى بإمكانه العودة كمراهق سياسي وليس كاتب معروف راح يتشعبط بالحفرة محاولاً الصعود ولكنه لم يصعد بقدر ما راكم التراب على نفسه لأنه لم يكن يشتم التراب والحفرة بل كان يشتم من كانوا في الأرض الصلبة ينظرون إليه بكل أسف ويقولون رحم الله أمريء عرف قدر نفسه وايضاً رحم الله امريء عرف حدّه فوقف عنده ..
لم يمت الرجل لأنه متشبث بالحياة التي لم يفهمها ولأجل ذلك قررت الحفرة أن تقبله حياً لا ميتاً ولكنها اشترطت عليه أن يبقى حكواتي يتحدث في الأسفل عن الذين هم (فوق) في الأعلى في الأرض الصلبة ممن عرفهم بصدفة جيدة وصدفة سخيفة ...

ولم أكن بحاجة للمقال ولكتابته أصلا لولا علمي بأن ثمة فائدة منه غير مرئية لدى كثيرين فقد نحتاج لحس براجماتي أحياناً حتى لو كنا من صناع المثالية ، ولعلمي أيضاً بأن الناس بحاجة لتصحيح شبهاتهم التي كانت وربما تكون بسبب الشبهة ذاتها ، وللمقال بقية وبقيات ، ولكن ليس عندي بل عند الحكواتي الأمريكي اليمني نفسه الذي سنتركه يحكي حكايات حتى تمل الحفرة منه فتدفنه وترتاح الألفين دولار التي ترسل له من السفر من الحصبة إلى ميرلاند قرب واشنطن...!!!