الرئيسية / كتابات وآراء / صورة ليست جيدة من صنعاء

صورة ليست جيدة من صنعاء

مروان الغفوري
الاثنين , 04 مايو 2020 الساعة 11:13 مساء

1- هناك مغارة خطرة في صنعاء اسمها "مستشفى الكويت"، يحال إليها المرضى المصابون ب"كوفيد 19" من مستشفيات عديدة، ثم تنقطع أخبارهم. 

الأطباء العاملون في مستشفى الكويت وضعوا تحت الرقابة وقيل لهم إن المعلومات الخاصة بالمرضى هي مسألة أمن قومي، وأن تلفوناتهم وحركتهم تحت الملاحظة.

فيما يشبه نداء الاستغاثة كتبت زميلتان من المغارة، من مستشفى الكويت، نداءين منفصلين، الأولى هي الطبيبة رانيا عبد الله، طبيبة تخدير وعناية مركزة في المستشفى، طالبت بحظر التجوال ونصحت الناس بأخذ الأمور على محمل الجد، وأضافت "الحالات كثيرة ووضعها حرج".   الأخرى هي الطبيبة خديجة علي، قالت في ندائها "مستشفى الكويت يستغيث"، ثم وجهت نداء إلى الإخوة في المجلس السياسي، ساخرة منهم: ما بش فايدة من التعتيم الإعلامي، الطبيبة الأولى اضطرت لحذف التدوينة التي كتبتها، الطبيبة الثانية أبقت على ما كتبته، فهي محمية داخل سياق اجتماعي معين. 

اتخذت السلطات الحوثية قراراً بتحويل مستشفى الكويت إلى مركز للعزل، ألحقته هذا اليوم، بعد نقاش وجدال، بمستشفى زائد على أن يكون الأخير مركزا لعزل الحالات المستقرة، وتلقت إدارتا كل من مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، والمستشفى الألماني إشعاراً بأن السلطات قد تلجأ "في القريب" لتحويل الصرحين إلى مركزي عزل، لماذا؟ سمع المسؤولون هذا الجواب: القدرة الاستيعابية للكويت والألماني توشك أن تنفد.

صنعاء تغرق شيئاً فشيئاًَ، هذا ما سمعته اليوم من عدد من الاستشاريين في المدينة، شيء واحد كان مشتركاً في حديثهم: الخوف والحيرة. 

ماذا نعرف عن الحالات المرضية في مستشفى الكويت، مستشفى العزل؟

خلال الأيام الماضية أدخلت 18 حالة حرجة مصابة بالتهاب كوفيد 19 كورونا إلى قسم العناية المركزة، لا يزال 12 منها على أجهزة التنفس الاصطناعي في وضع حرج، 3 حالات فارقت الحياة، وثلاث حالات اجتازت مرحلة الخطر وتم "فطمها" من على أجهزة التنفس وتحويلها إلى الأقسام العادية. 

2. تحول الوباء إلى عار على المستوى الاجتماعي، وخيانة على المستوى الرسمي. 

تخيلوا هذا المشهد:

ظهرت خمسة أطقم مسلحة في واحدة من حارات صنعاء، نهار هذا اليوم، وداهمت منزلًا يوجد به شخص يعاني من الحمى والسعال، بالنسبة لأسرته فقد كانت فضيحة بجلاجل، يتجه الجيران إلى مضايقة أهالي المصابين، وأحياناً يطلبون منهم الجلاء، يتمالأ الجميع الآن على الكتمان لاتقاء عار ليس لهم يد فيه، الأطقم العسكرية تجوب أحياء العاصمة، تلفت أنظار الناس إلى حيث يوجد العار. 

قال طبيب مرموق، مقرب من السلطات الحاكمة، إن منظمة الصحة العالمية لديها معلومات عن حالات مصابة في صنعاء، صعدة وذمار، ولكنها ملتزمة بسياسة السلطات المحلية ولا تريد أن تدخل معها في مساجلات.

 بحسب استشاري عناية مركزة: يخشى المصابون وذويهم من التشهير، يشبه الأمر ما نعرفه عن فضيحة البغاء. 

2-  تواصلت مع ستة استشاريين هذا اليوم، أربعة منهم قالوا إنهم أغلقوا عياداتهم. 

3- وأنا أكتب هذه التدوينة، للتو، تلقيت مكالمة من أسرة مريض في صنعاء.  هكذا كانت القصة: ابننا [..] يعمل في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، خالط مريضاً أصيب بالفيروس، وهذه هي نتيجة الأشعة المقطعية التي أخذت للرئة، التقرير كلاسيكي، احتمال أن الشاب "المخالط"، الذي يعاني من أعراض خفيفة، قد أصيب. هكذا تقول الأشعة.

ولكن ما الذي حدث في العلوم والتكنولوجيا بالأمس؟ 

موظف يعاني من مرض السكر، يبلغ من العمر 47 عاماً، يشتكي من السعال والحمى منذ أيام، تردد المريض على عدد من الوحدات، ومارس عمله في المستشفى واختلط بالموظفين والزوار كالعادة. 

بالأمس ساءت حالته، وجاءت الفحوصات الفيروسية إيجابية، وعلى الفور نقل إلى مستشفى الكويت، هناك أنزل في العناية المركزة، وخلال ساعات قليلة كان قد وضع على التنفس الاصطناعي في وضع حرج للغاية. 

كم ترك خلفه من مصابين؟ لا ندري، ولكننا نعرف جيداً أن هذا المريض ينتمي إلى مجموعة ال superspreader أو الناقل العملاق، وهم المصابون الذين من خلال حركتهم الكثيفة داخل المجتمع سينقلون العدوى إلى العشرات أو المئات. 

4 - بالأمس، في اجتماع السلطات الحوثية بمجموعة من الاستشاريين، رفضت السلطات مقترحات "الإفصاح عن الوباء"، سمع الاستشاريون تبريرات دبلوماسية مثل: لا نريد أن ننشر الهلع، سترتفع الأسعار، وسيهرب الأطباء، دعوا الأمور كما هي فلا فرق. 

هذه جريمة تاريخية، إهداء حق أمة بالحياة، ووضع شعب في محرقة. نعم، تشبه كل ما نعرفه عن المحارق في التاريخ من أيام ذي نواس.

 الأسواق مكتظة، الحياة الاجتماعية قائمة بأكملها. الناس يعتقدون بأن الوباء بعيد عنهم، هذا ما تؤكده لهم السلطات. لذا فهم يخوضون حياتهم داخل الخطر، في قلب الوباء، مزودين بمعلومات كاذبة عن السلامة والأمن.

5-  يعتقد الحوثيون أن الإعلان عن الوباء لن يصنع فارقاً، وبخلاف ذلك سيعقد عليهم مجموعة من الترتيبات، وفي مقدمتها ترتيباتهم العسكرية فهم في حالة حرب، سيهرب المجندون، وسيهب الآباء بحثاً عن أبنائهم الذين ذهبوا إلى الوباء، أمور كثيرة ليست في الحسبان ستفاجئهم، هكذا يعتقدون فضلا عن أنها منظومة غير مسؤولة، بالغت في وصف وباء كوليرا لتكسب من خلاله سياسيا وماليا، إلا أن كورونا ليس كذلك . 

6 - سيصاب الأطباء في الحركة القادمة، فقد نقل مسؤول طب الطوارئ في أكبر مشافي العاصمة إلى مستشفى العزل بعد تأكد إصابته وفي الأيام الماضية خرج مجموعة من الأطباء من الحجر الصحي بعد أن قضوا 14 يوماً عقب مخالطتهم لمرضى تأكدت إصابتهم "لاحظوا أننا نتحدث عن وباء يعمل منذ أسابيع، وعن أطباء دخلوا الحجر وخرجوا". 

 ثم سيصاب المسلحون الحوثيون، ثم سيتسع الوباء ويفترس كل العاصمة طولاً وعرضاً وسيهرب أولئك الذين اعتقدوا أنه وباء خاص بالفقراء وأبناء القبائل. 

هذا ليس تنجيماً، هذه احتمالات ممكنة وقد لا تقع. 

7- ثمة موقف أخلاقي واحد، في هذه  اللحظة، وهو  الضغط على السلطات الحوثية للكشف عن الحقيقة حتى يعرف الناس الخطر وخطورة ذلك الخطر. 

وثمة موقف واحد صحيح: أن يعلم الناس أن هناك وباء حقيقياً، ينتشر كالنار في العشب الجاف، وأن عليهم أن يعزلوا أنفسهم وأن يحموا أسرهم. 

م.غ.