نحن نعلم أن الماضي غير قابل العودة لأنه مضى وانقضى وأحداثه وقعت وفاتت . الماضي واقع اختلف فيه المختلفون وكان لخلافاتهم إنعكاسات على الناس ، تلك الخلافات كانت سببا في اتساع رقعة الكراهية . نحن بحاجة إلى معالجة ما أفرزه الخطاب التحريضي بين الطرفين في الفترة الماضية . علينا أن نقدم خطابا مستقبليا .
إستحضارنا للماضي يجب ألا يكون إستحضارا للكراهية ، ولا من أجل الهروب من استحقاقات الحاضر ، بل للوقوف على الخطأ والصواب . ولكي يكون أرضية لمستقبل يقوم على الصراعات وتجاوز الخطأ . كان كل طرف يعتقد بصواب موقفه حتى سقطت الدولة وأضحت الجمهورية مهددة بوجودها .
ولست بحاجة للقول إن البعض يعتقد أن الأزمة الراهنة سببها فقط ١١ فبراير . صحيح أن الخروج إلى الشارع في ١١ فبراير كان بدون هدف واضح ولا مشروع ، لكن علينا ألا نغفل ما بعده وما قبله . فما بعده كان مؤتمر الحوار الذي تورط في تأجيج الصراع . وكان الجميع شركاء في ذلك ، واضاعوا فرصة الوصول إلى السلام . وما قبله كان تراكم الصراع بين الشمال والشمال . والجنوب والجنوب . والشمال والجنوب . والمؤتمر والاشتراكي . والاشتراكي والإصلاح . والإصلاح والمؤتمر . وأولاد الرئيس وأولاد الشيخ .
وإذا توقفنا أمام هذا الماضي واختزلناه في طرف واحد ، فإننا نشرعن لاستمرار الماضي في حكمنا وفي تشتيت المستقبل وتمزيق المجتمع والوطن . والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نتصارع من أجل العودة إلى الماضي ؟ لماذا نهرب من مشاكلنا الحقيقية ونعفي أنفسنا من إيجاد الحلول ؟
إن الخطاب الإعلامي الذي يمارسه البعض هنا وهناك ، يشعرنا وكأننا أمام قوى حربية متنازعة . هذا الخطاب يخدم الانقلابيين ويجعل الدولة والجمهورية في مهب الريح . من الواضح أن هناك طرفا خفيا يحاول النفخ في نار الحقد والكراهية ويعزز النظرة الدونية من قبل كل طرف للآخر .
على كل مؤتمري وإصلاحي أن يسأل نفسه ، لماذا نتوقف عند القضايا الخلافية ونفتحها على الخصومات ونتجاهل قضايا الاتفاق ؟ والإجابة الفعالة عن هذا السؤال ، هي ضرورة الذهاب نحو المصالحة من قبل القيادات ومن قبل القواعد . نحن أمام مصير وطن يقتضي التعاطي معه بمسؤلية وطنية كبرى . لابد من الوقوف في وجه القضايا التي تهدد وجودنا كيمنيين . علينا أن نضع مصلحة اليمن فوق كل مصلحة ، وتعمل على تكبير اليمن وليس تمزيقها . وإذا كان الحديث عن المؤتمر والإصلاح فقط ، فذلك لأن بقية القوى السياسية ليست لديها مشكلة كمشكلة المؤتمر والإصلاح .
يجب أن تكون الجمهورية والوحدة الوطنية موضوع الهم المشترك . لقد تهنا خلف الشعارات الزائفة ورهنا مصيرنا للمصادفات والسياسات الإقليمية والدولية . هناك مؤتمريون وإصلاحيون استشعروا خطر الخلاف غير المبرر بين الطرفين ، فبدأوا بالدعوة إلى المصالحة خشية أن تطول مرحلة طفولتنا الوطنية ونظل نعبث بنصيبنا من الفرص الكبرى والتنمية التي تسوقها لنا الأقدار السياسية .
سيادتنا اليوم تحتاج إلى توحيد قرارنا الوطني وطموحاتنا المشتركة كأحزاب وجماعات . هذا هو تحدي الوطنية اليمنية الحقيقي ويجب أن نضع أدوات البناء بدلا من أدوات الهدم .
ولكي تكون هناك خطوات عملية لابد من تشكيل قيادة مشتركة من الطرفين ، تسعى هذه القيادة إلى حل الخلاف بين الطرفين وإسقاط الماضي من الخطاب السياسي ، معالجة ما أفرزه الخطاب التحريضي بين الطرفين وتقديم خطاب مستقبلي . عدم التبعية لأي طرف إقليمي أو التحيز له والاستفادة من كل الأطراف الإقليمية فيما يخدم إستعادة الدولة والتعامل مع كل الأطراف على قدم المساواة وبما يخدم المصلحة الوطنية والتصدي للأفراد من الطرفين الذين يدعون أو يحرضون على الكراهية أو الانتقاص من الطرف الآخر .
هذا الاتفاق لا بد من أن ينطلق من الإيمان باليمن سيدا حرا مستقلا ونهائيا لجميع أبنائه ويعمل الجميع في سبيل ذلك . إستمرار الخلاف بين المؤتمر والإصلاح لا يخدم إلا المشروع الطائفي الحوثي والمشروع الانفصالي الداعي للانفصال بالقوة .