الرئيسية / كتابات وآراء / المتاجرة بدماء الأطفال

المتاجرة بدماء الأطفال

عبد الباري طاهر
الثلاثاء , 31 ديسمبر 2019 الساعة 06:37 مساء
تجنيد الأطفال عادة شائعة ومتوارثة لعقود وعقود، ولكنها في أزمنة الحرب المتواصلة والمتناسلة، تنتشر وتتسع كظاهرة فاشية، وكجريمة من جرائم الحرب؛ إذ لا تقف مخاطرها على الحاضر، وإنما تمتد إلى مستقبل اليمن كله. فمنذ حرب 94، وحروب صعدة الـ6، وقبلها التجنيد لأفغانستان، جرى تجنيد أعداد غفيرة من الأطفال لهذه الحروب الإجرامية.

البيئة القبلية في اليمن، وقيام الحكم على عصبيات ما قبل عصر الدولة والوطنية، واعتماده الكلي على حكم الغلبة والقوة، والاعتزاز بالسلاح كجزء من الهوية، ومعنى من معاني الرجولة والشجاعة، كل ذلك مثّل الأرضية الأساس لتجنيد الأطفال، وتمثل النزاعات القبيلة في غير منطقة، رافداً من الروافد الكاثرة.


البيئة القبلية في اليمن، وقيام الحكم على عصبيات ما قبل عصر الدولة والوطنية، واعتماده الكلي على حكم الغلبة والقوة، والاعتزاز بالسلاح كجزء من الهوية، ومعنى من معاني الرجولة والشجاعة، كل ذلك مثّل الأرضية الأساس لتجنيد الأطفال، وتمثل النزاعات القبيلة في غير منطقة، رافداً من الروافد الكاثرة.
حرب انقلاب 21 سبتمبر 2014، وامتدادها إلى مختلف المناطق، واستدعاء الصراع الإقليمي: الإيراني- السعودي الإماراتي، عطل كل مظاهرة الحياة، وسبل العيش الكريم؛ فلا زراعة ولا مرتبات ولا تعليم؛ لتصبح وسيلة العمل الوحيدة الحرب.
اتساع رقعة الحرب في طول اليمن وعرضها، وامتدادها في الزمن إلى 5 أعوام، جعل من الأطفال وتجنيدهم بالمئات والآلاف قاسماً مشتركاً أعظم بين مختلف أطراف الحرب، على كثرتهم.
في ندوة لـ«منظمة مواطنة»، أقامتها في 17 ديسمبر، في صنعاء، أعد الدكتور هاني المغلس دراسة مائزة ومهمة عن هذه الظاهرة الخطرة. الدراسة ثمرة نزول ميداني، ونتاج تحقيقات ولقاءات ومقابلات مع أولياء أمور الأطفال، ومع الأطفال المجندين.

أن التجنيد قاسم أعظم ومشترك بين جميع أطراف الحرب؛ فكل طرف يريد أن يثبت مقدرته الفائقة على اقتراف جرائم الحرب، وعدم المبالاة بما ينجم عن هذا التجنيد من حرمان الطفل من التعليم، ومن تعرضه للقتل والإعاقة والتشويه النفسي والجسدي.


يدرس ملخص الدراسة، الظاهرة منذ العام 2015 وحتى أواخر 2019؛ يوصف الظاهرة، ويحدد خصائصها العامة، ويفسر أسبابها وجذورها، والتعرف على أنماط وآليات التجنيد. كما يتناول الملخص، التأثير الوظيفي المتبادل بين استمرار النزاع، وظاهرة تجنيد الأطفال، والانتهاكات المصاحبة.
شمل النزول الميداني لإعداد الدراسة 12 محافظة، وتناولت الأسباب والمحددات وراء ظاهرة التجنيد، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما فيها العقدية والنفسية. والواقع أن الفقر العام الذي يصل إلى 80%، سبب رائس في قابلية تجنيد الأطفال، ويترافق هذا العامل الجهنمي مع الإكراه الذي تمارسه مختلف أطراف الحرب، والإغراء والتضليل والدجل وبيع الأوهام.
يؤكد ملخص الدراسة أن التجنيد قاسم أعظم ومشترك بين جميع أطراف الحرب؛ فكل طرف يريد أن يثبت مقدرته الفائقة على اقتراف جرائم الحرب، وعدم المبالاة بما ينجم عن هذا التجنيد من حرمان الطفل من التعليم، ومن تعرضه للقتل والإعاقة والتشويه النفسي والجسدي.
كل أطراف الحرب همجيون ومتوحشون، وجلهم أميون بالمعنى الأبجدي والمعرفي؛ فهم لا يعرفون أن سن الطفولة تمتد إلى الـ15 والـ18، وعندهم كلهم أن “الطفولة عدم”؛ فالأنثى، طفلة، أو كبيرة، ناقصة عقلاً وديناً، والرجل في عرف القبيلة، هو حامل السلاح. ومن هنا، لكي يثبت الطفل رجولته في القبيلة، فلا بد من حمل السلاح، بل إجادة استخدامه.
يشير الملخص الذي عرضه الدكتور هاني المغلس، إلى أن 55,8% هم مجندون إجباريون، أي أكثر من النصف، ويتخذ تجنيد الأطفال شكل الاستقطاب الجماعي، ويؤخذ الأطفال في أحايين كثيرة من الفصول الدراسية.
الحرب كلها جريمة، وأكثرها بشاعة تجنيد الأطفال؛ لأنه تدمير لحاضرهم، وقطع الطريق على مستقبلهم، وآمالهم في حياة آمنة ومستقرة.

أن الحرب الإجرامية ترهن مستقبل اليمن للمليشيات المسلحة، و”لطفولة” لا تتقن ولا تجيد غير القتل والعنف واستخدام السلاح، وحتى بعد أن تسكت المدافع، ويخفت صوت أزيز الرصاص، فإن الآثار الكارثية تستمر إلى المستقبل المحروم من الطفولة.


طول أمد الحرب يضاعف كارثة تجنيد الأطفال، ويحرم المئات والآلاف من الدراسة، وحقهم في ممارسة حياتهم الطبيعية في اللعب، والحياة الآمنة والمطمئنة، كما يشير الملخص إلى الانتهاكات الجسيمة المقترنة بتجنيد الأطفال، بما فيها القتل والاختطاف، والاغتصاب والعنف الجنسي، إضافةً للإصابات البالغة، وسوء المعاملة، ومواجهة ظروف تجنيد قاسية.
إن الحرب الإجرامية ترهن مستقبل اليمن للمليشيات المسلحة، و”لطفولة” لا تتقن ولا تجيد غير القتل والعنف واستخدام السلاح، وحتى بعد أن تسكت المدافع، ويخفت صوت أزيز الرصاص، فإن الآثار الكارثية تستمر إلى المستقبل المحروم من الطفولة.
معروف أن تجنيد الأطفال دون سن الـ15، جريمة حرب في القانون الدولي الإنساني، وفي المعاهدات والأعراف، ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تجنيد الأطفال دون سن الـ18، جريمة حرب، ويعد أطراف النزاع المجندين للأطفال في قائمة العار، وإنه لعار أي عار.
قادة المليشيات، وتجار الحروب المتاجرون بدماء الأطفال بخاصة، ودماء شعبهم بعامة، لا يهمهم أن تدون أسماؤهم في قوائم العار؛ فما يهمهم هو تكديس الأموال الحرام، ومراكمة ثرواتهم من دماء وأشلاء اليمن.