الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٩ مساءً

حريق المنطقة إذ ينتقل إلى الداخل الإيراني.. ماذا بعد؟

ياسر الزعاترة
الاثنين ، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٩ الساعة ٠٧:١٩ مساءً
من جديد يخرج الإيرانيون إلى الشوارع. هذه المرة احتجاجا على رفع أسعار البنزين، مع أن الأخير ليس سوى الشرارة.

واللافت أن خطاب المحافظين في إيران حيال الاحتجاجات الجديدة لم يتجاوز تلك اللغة الخشبية التقليدية التي سبق أن استخدموها في مواجهة احتجاجات 2009، والاحتجاجات الأخرى التي اندلعت نهاية 2017.

إنها نظرية المؤامرة التي يستند إليها النظام في تعاطيه مع الاحتجاجات، فهي هنا "فتنة"، وهي تتم من خلال أعداء الثورة في الداخل والخارج"، بتعبير خامنئي، الأمر الذي يثير السخرية في واقع الحال، إذ أن قادة إيران يناقضون أنفسهم على نحو مفضوح، فهم تارة يتحدثون عن أمريكا بوصفها إله الكون الذي يحرّك كل شيء، بينما هم يتحدثون عنها تارة أخرى بمنطق التسخيف، فيما يعرف الجميع أن المسار الخاطئ عادة ما يحتاج إلى كثير من الكذب لتبريره.

والحال أن مياها كثيرة قد جرت في الداخل الإيراني منذ احتجاجات 2009، إذ أحكم التيار المحافظ سيطرته المطلقة على السلطة، واضطر الإصلاحيون لاحقا إلى القبول بـ"نصف إصلاحي"، هو (روحاني) مرشحا لهم على أمل أن يحقق اختراقا ما في الساحة السياسية، وكان أن مُنح ولايتين، بأغلبية كبيرة رغم مساعي المحافظين المحمومة لمنع ذلك.

في 2009، كان شعار الإصلاحيين في الشارع "لا غزة ولا لبنان.. كلنا فداء إيران"، وذلك في معرض الحديث عن استنزاف ثروات الشعب الإيراني في الخارج، وتجاهل الداخل.

أما الآن، وكذلك في 2017، فيبدو المشهد أكثر إثارة بكثير، فلا غزة (التي تحصل على القليل)، ولا لبنان (رغم تولي مصاريف حزب الله من الباب إلى المحراب، وهي كبيرة بالتأكيد)، تُعدا شيئا مذكورا قياسا بما بدده المحافظون في سوريا التي دفعوا فيها كامل كلفة الحرب التي لم تتوقف بعد، وهي تتجاوز عشرات المليارات، فضلا عما ينطوي عليه ذلك من معضلة أخلاقية تمثلت في الوقوف بجانب طاغية ضد شعبه الذي يطلب الحرية والكرامة.

الحال أن مياها كثيرة قد جرت في الداخل الإيراني منذ احتجاجات 2009، إذ أحكم التيار المحافظ سيطرته المطلقة على السلطة.

وفيما عوّل الشارع على صفقة "النووي" للخروج من مأزق العقوبات، وتحسين أحواله الاقتصادية (لم يقتنع الشارع بالمشروع الذي كلف الكثير بجانب كلفة العقوبات التي ترتبت عليه)؛ جاءت التطورات التالية لتثير اليأس بعد مسلسل الابتزاز الأمريكي الجديد، فيما لم تسفر العوائد التي تم الحصول عليها قبل العقوبات الجديدة عن أي تحسّن، إذ أخذها المحافظون كي يستكملوا مغامراتهم الخارجية، بدل وضعها في الداخل، وهم لم يكونوا ليملكوا غير ذلك في ظل تراجع عوائد النفط، وفي ظل صعوبة التراجع عن المغامرة السورية التي أضيف إليها اليمن ومصاريف تمويل الحوثيين من أجل استنزاف السعودية، فيما غاب الإسناد العراقي بسبب نهب البلد من قبل ساسة تحميهم إيران، وهو ما فجّر الاحتجاجات الجديدة لشعبه، والتي خلقت مأزقا جديدا لإيران، بجانب احتجاجات لبنان التي تهدد هيمنة حزب الله على البلد، ولو في المدى المتوسط.

من الصعب القول إن الاحتجاجات الجديدة ستفضي إلى زعزعة النظام الإيراني؛ ليس فقط لضعف التيار الإصلاحي وفقدان الناس الثقة فيه بسبب فشل روحاني وانسجامه مع خطاب المحافظين رغم عدم قناعته به، بل أيضا - وهو الأهم- بسبب السطوة الأمنية الكبيرة للمحافظين، وقدرتهم على تحريك قوة "الباسيج" الرهيبة في مواجهة المحتجين، لكن رسائل الاحتجاج تبدو واضحة لمن أراد أن يقرأ، ومن الصعب على خامنئي تجاهلها رغم دعمه لقرار رفع أسعار البنزين.

وإذا فعل فسيعني ذلك مزيدا من الاحتقان في الشارع، سواءً تطور ذلك الاحتقان نحو تصاعد الاحتجاجات الراهنة، أم إلى انفجار آخر قريب، كما أن روحاني لن يكون بوسعه أيضا تجاهل الرسائل المتمثلة في يأس الشارع من قدرته على انتزاع شيء معقول من بين أسنان المحافظين لصالح الداخل الذي عوّل عليه، وها هو يهجوه بجانب خامنئي.

من الصعب القول إن الاحتجاجات الجديدة ستفضي إلى زعزعة النظام الإيراني؛ ليس فقط لضعف التيار الإصلاحي وفقدان الناس الثقة فيه بسبب فشل روحاني وانسجامه مع خطاب المحافظين
قلنا وسنظل نقول إن المحافظين سيدركون، إن لم يكونوا قد أدركوا بعد أن مغامرتهم في سوريا هي أسوأ قرار اتخذوه منذ الثورة، فقد وضعتهم في مواجهة طويلة ومكلفة مع الغالبية في المنطقة، من دون أن تحقق لهم شيئا غير النزيف الرهيب، فكيف وقد أضيف العراق الذي يهتف شعبه "إيران بره بره"، ثم لبنان، مع غياب أمل الحوثيين في استمرار سيطرتهم على البلد حتى لو صمد انقلابهم طويلا؟!

لقد امتلأ كأس الشعب الإيراني وفاض، فمغامرة العقود الثلاثة الأخيرة (مشروع التمدد المذهبي) لم تمنحه غير البؤس الاقتصادي، فكيف وهو مشروع يرتطم بالجدار المسدود؟!

قلنا وسنظل نقول إن المحافظين سيدركون، إن لم يكونوا قد أدركوا بعد أن مغامرتهم في سوريا هي أسوأ قرار اتخذوه منذ الثورة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سيبلغ المحافظون لحظة الرشد الضرورية، أم سيواصلون مغامرتهم وصولا إلى انفجار الشارع على نحو لا يمكن السيطرة عليه؟