الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٩ مساءً

حكومة الوفاق بين مطالب السياسية وضرورات التغيير!!!

د . عبد الملك الضرعي
الاثنين ، ١٩ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
في مسار الربيع العربي يأتي اليمن بنموذج آخر يختلف عن ما أنتهت إليه أنظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا ، وتلك النتيجة ترجع إلى خصوصية المشهد اليمني الذي يتصف بحكم عائلي يمسك بالمفاصل الرئيسية للسلطة المدنية والعسكرية مع إمتداد اجتماعي تمثله قوى نفوذ ترتبط بمصالح استراتيجية مالية وإدارية مع السطلة الحاكمة ، يقابل ذلك معارضة لديها سجل من الحوارات مع الحزب الحاكم ، تلك المعارضة العديد من رموزها كان جزءً من الحزب الحاكم أو متحالفة معه ، يضاف إلى ذلك وجود مجموعات مسلحة تنتشر في عدد من المحافظات تشكل المليشيا القبليّة نواتها.

وللمشهد اليمني خصوصيته في العلاقات الدولية سواء على مستوى الحكم أو المعارضة وخاصة مع دول الخليج العربي ، وقد أدت تلك العلاقات إلى تأثر المشهد اليمني بالدور الدولي من خلال المبادرة الخليجية ثم قرار مجلس الأمن، بل أن الملف الدولي كان العامل الحاسم في المشهد الراهن المتمثل بحكومة الوفاق الوطني.

ولكن وبعد وصول الحكومة والمعارضة في اليمن إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني ، بدأت تساؤلات المواطن العادي حول جدوى تلك الحكومة التي تقوم على تقاسم السلطة مناصفة بين الحكومة والمعارضة ، وهل سينجح التقاسم في تلبية مطالب اليمنيين في الإستقرار والتنمية ، وهل ستلبي حكومة الوفاق الوطني مطالب شباب التغيير التي رفعت منذ شهر فبراير والمتعلقة بتحقيق أهداف المواطنة المتساوية والحرية ومحاربة الفساد والتغيير السلمي الديمقراطي .

إن حكومة الوفاق الوطني التي جاءت استجابة للمبادرة الخليجية تقع أمامها تحديات كبرى فعلى المستوى الدولي مطلوب منها تحقيق التوافق السياسي الداخلي بين متناقضات عديدة منها السياسي والأمني والاجتماعي والطائفي والمكاني ، فجماعات مسلحة تنتشر في العديد من المدن ، وجيش وأمن مقسم الولاء، وأزمات خانقة اقتصادية وخدمية واجتماعية ، منها معدلات البطالة المتزايدة وخدمات الكهرباء والمياه شبه المتوقفة في عدد من المحافظات ، والفساد الاداري مكشر أنيابه ولا حساب ولا عقاب منذ سنوات ، إن المشكلات المتراكمة منذ سنوات يصعب على المتابع تحديد سقف زمني للحكومة لتجاوزهالأسباب عديدة يأتي في مقدمتها إزدواجية القرار الإداري ، فالشراكة على سبيل المثال في الإعلام حالت دون تنفيذ بعض قرارات الوزير بسبب رفض نائبه -الذي ينتمي للحكومة السابقة- لتلك القرارات ، ويبدو أن مختلف الجهات سوف تنحو هذا المنحى لارتباطها العضوي بسلطة ورموز ما قبل حكومة الوفاق ، وبالتالي يخشى مناصروا المعارضة أن يكون تسليم الوزارات الخدمية للمعارضة مقدمة لإفشالها سياسياً.

ومن القضايا التي تثار بشكل مباشر من قبل المواطن العادي المناصر لثورة الشباب أو شباب التغيير أنفسهم ، هل حكومة الوفاق تجب ما قبلها ، وإذا كانت المعارضة فيها تحمل هموم من أوصلوها إلى الشراكة وهم شباب ساحات التغيير والحرية ، ماهو مكان هؤلاء وأين مكان شهداء وجرحى الثورة الشبابية الشعبية السلمية في برنامج الحكومة ، خاصة وأن هناك إتهامات لبعض شركاء الحكومة بالإعتداء على المسيرات السلمية سواء بقيادة المجاميع المسلحة أو تحريضها ، ومن ثم هل ستصبح حكومة الوفاق مغسلة للمجرمين تجب ما قبلها تحت بند التسامح والوفاق ونبذ الكراهية والإنتقام ، أم أن دماء الأبرياء حق لايسقط بالتقادم .

ويثير المواطن البسيط أيضاً قضايا الفساد التي تزكم الأنوف والتي إمتلأت بها مكاتب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، أين سيكون مكانها ففيها مليارات الريالات من نهب المال العام وأصول مؤسسات الدولة ، هل ستكون حكومة الوفاق أيضاً مغسلة للفاسدين ، هل في ظلها سيظهر فاسدين كبار جدد لانعلم ، ولكن من بدايات الأسبوع الأول لممارسة الحكومة لمهامها ، تبين أن الكثير من الأمورلم تتغير فالفاسدون لم يخافوا بل لازالوا بروتينهم السابق وكأن شيء لم يكن ، لقد كنا نتوقع أن كل وزير جديد من وزراء المعارضة سيبدأ بتوقيف العمل مثلاً لمدة أسبوع ، ويشكل فريق من المختصين لمراجعة أخطاء الوزارة والبدء بتوضيح تلك الأخطاء للجمهور ،ولكن للأسف إذا ذهبت إلى أي إدارة حكومية وكنت مراقب للتجاوزات التي كانت قائمة قبل تشكيل حكومة الوفاق لن تجد تغييراً جوهرياً لإعادة النظر في تلك التجاوزات ، بل بعضها ربما استكمل مشواره في الإسبوع الأول لهذه الحكومة.

أخيراً يدرك المواطن أن الحكومة والمعارضة أصبح لديهما العديد من الإلتزامات والمطالب الخارجية بموجب المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن ، ولكن هناك أيضاً ضرورات لإحداث التغييروفي مقدمتها مطالب الشباب منذ بداية ثورتهم وحتى قبل دخول الأحزاب ككيانات سياسية إلى ساحات التغيير والحرية ،والتي دفعوا لأجلها وبالشراكة مع قواعد أحزاب المعارضة مئات الشهداء والآف الجرحى بغية تحقيق التغيير الشامل الذي يزيح الفاسدين من مختلف أجهزة الدولة ، التغيير الذي يحقق مبدأ الشراكة الوطنية في السلطة والثروة والقوة ، ولكن هل تستطيع حكومة الوفاق تحقيق أهداف ثورة الشباب لانستطيع الرد على ذلك بشكل مؤكد ، ولكن معطيات تشكيل حكومة الوفاق الوطني ، ومؤشرات الأسبوع الأول للحكومة تظهر للمتابع صعوبة تحقيق أهداف ثورة الشباب ، لأن قوى الفساد لازالت تتمترس خلف مبدأ تقاسم السلطة وخلف خطاب التسامح والتصالح والتوافق ، نأمل من حكومة الوفاق الوطني إذا كانت تهدف إلى إحداث التغيير الجاد أن تعد برنامجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعيا لايقوم على مبدأ التقاسم السياسي ، بل يقوم على الشراكة الوطنية في محاربة الفساد مهما كان شكله أو لونه ، وتحقيق طموحات الشعب في التغيير بمختلف مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، أما أن تتحول تلك الطموحات إلى أحلام فذلك لن يتم فدماء ألاف الشهداء والجرحى ليست دُمى أو جثث جاهزة ولاطلاء جدران ، بل أرواح ودماء لخيرة أبناء هذه الأمة قدمت لأهداف نبيلة وإستراتيجية بعيدة المدى تقوم على بذل النفس دفاعاً عن حاضر ومستقبل الوطن ، وليس من أجل تكتيك سياسي مرحلي ، لذا نقول أن تلك الأرواح والدماء الطاهرة التي تناثرت في العديد من شوارع عدن وصنعاء وتعز وغيرها من المحافظات ، سينتصر لها رب العزة جل شأنه ، فهو ناصر المظلومين وقاهر الظالمين ، نرجوه تعالى أن يولي علينا خيارنا ويصرف عنا الأشرار إنه على مايشاء قدير.