الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٩ صباحاً

السلم الاجتماعي بين عابرة وسائق تاكس !

إلهام الحدابي
الاربعاء ، ٢٦ ابريل ٢٠١٧ الساعة ١١:٤٥ مساءً
منذ أن أنفرط عقد السلم بإعلان حركة الحوثي لإسقاط الدولة أصبحت اليمن تقف أمام كل السيناريوهات المحتملة، سيناريو الدمار الذي تخلفه الحرب لم يكن مستبعداً بالمرة خصوصاً بعد ان دخلت قوات التحالف بقيادة السعودية في خط المواجهة، كما لم يكن تدمير البنية التحتية مستبعدا كون الحرب بطبيعتها لا تبقي ولا تذر، أما بخصوص الخسائر البشرية فقد دخلت اليمن بمراهنة قذرة منذ ان كان علي صالح على رأس السلطة، المراهنة التي أدخلت اليمن في ست حروب أهلية خاضتها الحكومة اليمنية السابقة مهع حركة الحوثي نفسه، ومن عجائب القدر يجتمع المتناحران اليوم في حلف ضد أبناء البلد نفسه!

السيناريو الذي – رغم احتماليته العالية- تحاول كثير من الدول تجنبه أثناء حروبها هو الفاتورة الباهضة المتعلقة بالسلم الاجتماعي، ومنذ أعلن اليمنيون تجديد ثورتهم في 2011 حاول علي صالح ان يجر اليمن إلى هذه الفاتورة الباهضة، لأنه كعادته لا يفكر بالنتائج وإنما باللحظة التي تضمن عودة العرش إلى تحت قدميه، حاول مراراً وتكراراً ولم يفلح في بداية الأمر، لكن حركة الحوثي تمكنت من خلال عنصريتها ضرب السلم الاجتماعي بمقتل، يتوجب أمامه على كل الأطراف الفاعلة والحكيمة في اليمن ان تقف ضده لتنقذ ما يمكن إنقاذه من جسد السلم الأهلي في اليمن.

اللاقيمة التي تكتنز بها العابرة
نشرت فتاة عابرة قصة عنصريتها بشكل فاضح في أحد وسائل التواصل الاجتماعي، تحدثت بكل صلف عن قدرتها وقدرة والدتها في إهانة مواطن بسيط خرج في ظروف الحرب ليبحث عن قوته وقوت صغاره، العابرة لم تكتفي بسرد الشتائم والعبارات الجارحة التي كالتها وأمها للمواطن المسكين، بل أعلنتها كحرب شخصية بينها وبين الرجل الذي رفض أن يقر لها بمبدأ الخراب الذي تقر به، وطالبت بقتله، بل وأمعنت في تهديده وانتهاك سلامته الشخصية من خلال تصويره وتصوير رقم سيارته بطريقة أقل ما يعبرعنها أنها (قذرة) كونها لا تتوقف عند مستوى الشتم بل والتحريض على القتل وتهديد ما تبقى من السلم المجتمعي.

العابرة وضعت كلماتها العنصرية على طبق من سذاجة وتداوله الحكماء بنفس الطبق!
يقول درويش في قصيدته عابرون في كلام عابر:
أيها المارون بين الكلمات العابرة
اجمعوا اسماءكم وانصرفوا
العابرة طالما تمسكت برؤيتها العنصرية هي مارة في هذه الأرض الطيبة ولن يكون لها مكان فيها، بينما إن تخلصت من بقايا العنصرية التي تضعها في سور يهدد الجميع، ستتمكن من البقاء كيمينة وليس كعابرة.
الغضب المجتمعي الذي شاب مواقع التواصل الاجتماعي جيد ودليل على يقظة هذا الشعب، لكنه في نفس الوقت ناقوس خطر إن استمر على نفس طبق السذاجة، والافضل لهذه الهبة الشعبية أن تنتقد التصرف لا أن تعمم الفعل فتغرق في كأس العنصرية تماماً كما فعلت العابرة، بغير ذلك سيصبح المجتمع اليمني الذي تمزق حرباً، مجتمع متشرذم مستقبلاً.

صاحب الخبز الرخيص
سائق التاكس يمثلني، ويمثل كل يمني أدمن الخبز الرخيص وهو يحلم بوطن حقيقي، مواطن كادح وبطل خرج في ظروف هذه الحرب النتنة ليبحث عن قوته وقوت صغاره، خرج ليفتش عن أمل فاصطدم بوجه آخر من اوجه العدوان، وجه مخيف لكنه لم يخف وعبر عن رأيه بكل صراحة.
بطل هو اليمني حتى في حالات ضعفه ويأسه، وكريم رغم جوعه وفقره، ورجل في شهامته وكرمه، وأما بخصوص تعبير العابرة عنه أنه فر من كلاشنكوفها، فلا أحد يدري إن فر أم أن المشهد الأخير من صنع خيالها الخصب، لكن في كل الأحوال شهدت هي بلسانها قبل أي شخص آخر كم أن سائق التاكس شريف وكريم، كونه لم يطردها ووالدتها من سيارته، وكونه لم يتطاول عليها أو يضربها، أو حتى يهددها.
مواطن بسيط رفض أن يكسر آخر ما تبقى لنا من السلم المجتمعي، ومن هنا يمثلني ويمثلنا هذا السائق البطل، ليس لأنه يقف في الضد كما يروج عنه الآن، بل لأنه يحمل قيمة الحرية والشجاعة والأخلاق، كل هذه القيم تجعل من صاحب الخبز الرخيص أنبل وأشرف من صاحب العمامة أو الدبابة.

ميزان الوعي
ما يعطي الأمور قيمتها ويضعها في نصابها هو ميزان الوعي، كونه هو الفيصل بين المعقول واللامعقول، بين الأخلاق واللاأخلاق، بين المواطنة، واالامواطنة، بين العنصرية والحق، وبين العدوان والعدل، وبين الانتقاد البناء والبحث عن الشهرة، ويعتبر الوعي اليوم هو الفيصل الذي يجب أن نعول عليه من اجل المحافظة على ما تبقى لنا من سلم اجتماعي.
لا بأس أن نغضب ونجادل ونحاجج ونخاصم تجاه كل القضايا التي تحدث في اليمن، لكن لا ينبغي أن يقودنا هذا الجدل إلى الخروج عن دائرة النقد البناء، لا يجب أن نخرج ولو بسبب السخط والغضب عن طور الأخلاق، هذا الكلام ليس تنظيرياً أو مثالياً كما قد يفهم بشكل عابر، بل هو في صلب فعل أي مثقف وأي أمي يعرف الأخلاق.
اليمن اليوم يقف في مرحلة تاريخية لم يسبق له أن خاضها، ففي الأمس القريب وقف الملكيون بعنجهيتهم ليركعوا الشعب اليمني وبعد حروب طويلة انتصرت الجمهورية بالوعي، وبسبب غياب الوعي تراخت عن دورها قليلاً قليلاً إلا أن صارت ملكية جمهورية، وحتى تعود جمهورية حقيقية ينبغي على العقلاء والحكماء أن يعولوا على الوعي أولاً وأخيراً، والوعي هنا ليس بالضرورة ان يكون خطبة سياسية وإنما مقالة شعبية تبني ولا تهدم.