الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٥ مساءً

سُقُطـرائيل

حسن عبد الوارث
الجمعة ، ٠٩ ديسمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٥:٠٧ مساءً
كادت جزيرة سُقُطْرى اليمنية أن تكون وطناً لليهود، قبل نحو عقد من قيام دولة إسرائيل في عام 1948على أرض فلسطين المنكوبة، وهذه معلومة مجهولة عند كثيرين.
وأصل الحكاية ترويها وثائق تعود إلى أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، وبالذات بين ديسمبر/ كانون الأول 1938 ومايو/ أيار 1939.. وكانت حينها تُعَد وثائق سرية للغاية، لدى الدوائر السياسية والاستخبارية البريطانية، وكذا الدوائر الصهيونية العالمية.
كانت بريطانيا قد أخذت على عاتقها مهمة إيجاد وطن قومي لليهود. وقد تداولت الدوائر المختصة في لندن عدة خياراتٍ بهذا الصدد، بينها غانا وأوغندا، في أفريقيا، ودول أخرى في أميركا اللاتينية. غير أن مراسلات سرية تمت بين وزير المستعمرات البريطانية، السير جون شكبرغ، والضابط السياسي البريطاني في عدن، المقدم برنارد رايلي، وممثل حكومة صاحبة الجلالة في المفوضية البريطانية في مدينة جدة السعودية، السير ريدر بولارد، تداولت إمكانية توطين اليهود في جزيرة سقطرى التي لفتت انتباه الأوساط السياسية والاستخبارية البريطانية إليها إثر مقالة نُشرت يوم 18 يونيو/ حزيران 1938 في "النشرة الإخبارية" الصادرة عن مستعمرة عدن، وهي بقلم عضو مجلس العموم البريطاني، السير إرنست بينيت، يصف فيها الجزيرة بصورة أسالت لُعاب الإنكليز!
وحسب هذه المراسلات التي حصل كاتب هذه السطور على نُسَخ مصورة من بعضها، فإن السير شكبرغ يستنجد بالمقدّم رايلي، لبحث إمكانية توطين بعض يهود ألمانيا والنمسا ودول أوروبية أخرى في جزيرة سقطرى، بعد أن باتت هذه القضية تقضّ مضاجع أهل القرار السياسي في لندن ، مختتماً إحدى رسائله إليه، بهذا الخصوص، بهذه الفقرة حرفياً:
""أخشى أن تعتبر هذا المقترح جنونياً بعض الشيء، ولكن الأحوال باتت تجعل حتى أكثر المقترحات شططاً قابلة للنظر فيها. إذا كانت سقطرى قادرةً على استيعاب حتى حفنة من المهاجرين، فإن ذلك سيشكل بعض المساعدة الصغيرة على الأقل".
غير أن مؤامرة توطين اليهود في سقطرى سرعان ما تكشّفت حلقاتها للرأي العام العربي والإسلامي، لا سيما بعد أن نشرت صحيفة أسبوعية مصرية، كانت تصدر آنذاك باسم "الرابطة العربية" تفاصيل خطيرة عن هذه المؤامرة، فثارت ثائرة الدول العربية والإسلامية، وبضمنها الحكومات المحلية اليمنية، خصوصاً حكومة سلطان قَشْن وسقطرى الذي تقع الجزيرة تحت إدارته المباشرة.
وكانت هذه المراسلات قد تطرّقت، في سياق استعراضها العوامل التي تُغري باتخاذ قرار التوطين في الجزيرة، إلى أنه "لن تكون الفرص الماثلة أمام المستوطنين محصورة كُلِّيةً في الإنتاج الزراعي الأوَّلي، بل ستمتد لتشمل التجارة. في الواقع، من المحتمل أن تجارة الترانزيت الحالية في عدن سوف تتوسع، وكذلك سيكون الحال مع موانئ الجنوب العربي الصغيرة، خصوصاً إذا تمَّ تطوير ترسُّبات الفحم الحجري في حضرموت. ويمكن للمنطقة كلها أن تشهد نمو تجارة محلية كبيرة. وهناك أيضاً إمكانات تتعلق باستغلال ترسُّبات السماد الطبيعي في الجزر المعروفة بالأخوين". وفي هذه التسمية إشارة إلى شجرة "دم الأخوين" التي تشتهر وتنفرد بها سقطرى.
قد يكون المشروع الاستعماري، الاستيطاني، المرتبط بجزيرة سقطرى، قد طُوِيَتْ مخططاته القديمة. لكن المؤكد، وبحسب معلوماتٍ متواترة بين حين وآخر، أن هذه الجزيرة الحيوية والاستراتيجية المهمة ما زالت محط أطماع قوى دولية وإقليمية، تسعى إلى رمي شباكها عليها، وغالباً بدعوى الاستثمار، أو مكافحة الإرهاب والقرصنة.

"العربي الجديد"