الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٥٢ صباحاً

إعلام العسل وخلية ملعب الجوهرة

سارة مطر
الخميس ، ٠٣ نوفمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٨:٤٩ صباحاً
لا توجد كلمات جيدة يمكنني أن أكتبها وسط هذه الأحداث المأساوية التي نعيشها. لا توجد كلمات كافية يمكنها أن تكون أكثر تعبيرا للإحاطة بمشاعري تجاه التفاصيل القاسية التي لا بد أن نتوقف طويلا أمامها.
أعترف أنني أعيش في حالة من الذهول والحزن تجاه الإعلام السعودي -المرئي خاصة-، فلم يكن بذلك القدر من المسؤولية، والذي يتوجب عليه أن يكون. لم يكن متفاعلا أو مستنيرا أو متسما بالحزم أمام الحدث الأهم في تاريخ المملكة، والذي مرت به يوم الخميس الماضي، حينما استهدف الحوثيون مكة المكرمة بصاروخ باليستي، هذا الحدث من وجهة نظري كإعلامية، من المواضيع التي كان على العالم العربي والإسلامي ألا يكتفي فقط بإدانتها، وإنما كان لا بد أن تكون هناك قمة لبحث التصرفات اللاأخلاقية التي قامت بها الميليشيات الحوثية، إذ يمثل هذا الاعتداء استفزازا صارخا لمشاعر المسلمين كافة، وتعديا على حرمة المقدسات الإسلامية على أرض السعودية، وتهديدا لأرواح المدنيين الأبرياء.
لقد غفل الإعلام المرئي عن تسليط الضوء بشكل جلي عن الحدث، واكتفت أهم القنوات المملوكة لرجال أعمال سعوديين بعمل تقارير سريعة ومسلوقة، رغم أنه كان عليها أن تكون أكثر براعة وفاعلية في تصوير حقيقة ما حدث، حيث لا بد أن يتفهم جميع المسلمين أن استهداف حرمة البيت الحرام لا يعد استهدافا خاصا بنا نحن كسعوديين، إنما هو استهداف لمشاعر دين وعقيدة بليون ونصف البليون مسلم، كما أشار وزير الأوقاف والإرشاد اليمني أحمد عطية.
لقد غفل الإعلام السعودي عن استخدام أهم القنوات الإعلامية وهي وسائل التواصل الاجتماعي، فقد كان يفترض أن يلعب "سناب شات" دورا مؤثرا، حيث يقوم مستخدموه بالتعبير عن مشاعرهم الجياشة تجاه الحدث الخطر، وكان يفترض أن يكون هناك تواصل مع مسؤولي وسائل التواصل الاجتماعي، لكي يتعرف العالم حجم القضية التي لا يجب أن يتولاها فقط تحالف "عاصفة الحزم"، إنما هي مسؤولية كافة الرؤساء المسلمين، وهي المحافظة على المقدسات الدينية، إذ إن ما قامت به الميليشيات الحوثية الإرهابية لا يمكن أن يمر مرور الكرام، إذ يتوجب كف يد الحوثيين ومن يقف خلفهم بيد من حديد.
لقد شعرت بالغضب الكبير من أن الصحافة ربما وحدها من كانت المسؤولة عن تغطية الحدث، لكن كثيرا من القنوات الإخبارية نامت في العسل، ونام معها عدد من الإعلاميين والإعلاميات السعوديين الذين لم يكلفوا خاطرهم إلا بكتابة تغريدة وحيدة في حساباتهم.
لم تكن هناك برامج استضافت عددا من القياديين حول العالم، بل ما تابعته كانت أخبارا من هناك وهناك، ومقابلات مع عدد من مسؤولي وزارة الأوقاف والإرشاد في الدول العربية والإسلامية، ولم يتم التعامل مع الحدث بالقيمة ذاتها، فتصور حقيقة إن لم يتم التعامل بجدارة مع هذا الصاروخ، ماذا يمكن أن يحدث في مشاعرنا نحن كمسلمين وهذا المكان يستباح.
لقد تفجر العالم كله قبيل أعوام حينما تم تصوير مشهد الطفل "محمد الدرة" وهو يُقتل أمام عدسات المصورين، رغم أن الحدثين كانا في غاية الأهمية لكن الحدث الأخير يعدّ حدثا فرديا، لكنه آثار مشاعر مقلقة لكل من شاهد الفيديو، وبقي الطفل محمد الدرة رمزا حتى هذه اللحظة، فهل يستحيل أن يكون جنودنا الذين صدوا هذا الصاروخ رموزا أيضا، تقديرا لما بذلوه في حماية هذا الوطن الطيب الطاهر؟
من المهم أن يكون إعلامنا أكثر حضورا وتفاعلا مع أحداث الحرب ضد الخونة الحوثيين، فيما يتم تسليط الضوء -للأسف- بقدر أكبر في أسباب القبض على مهرج من مهرجي التواصل الاجتماعي، ويصل "الهاشتاق" إلى الترند بسبب تفاعل المغردين مع القضية، لكني في الوقت ذاته أحيي الإعلام خلال اليومين الماضيين، حينما تم تسليط الضوء على نجاح وزارة الداخلية في إفشال عمليات إرهابية مرتبطة بتنظيم "داعش" الإرهابي في الخارج، وقد كانت وشكية الوقوع وتستهدف مواطنين ورجال أمن، وتخريب المرافق والمنشآت، وتعطيل الحياة العامة، منها محاولة تفجير "ملعب الجوهرة" في مدينة الملك عبدالله الرياضية في محافظة جدة.
لقد انتابتني مشاعر جمة متعبة ومخيفة، بينما كنت أتابع إحدى القنوات الفضائية في نشرتها الإخبارية الوحيدة، إذ قام مراسلو القناة باستعراض شوارع الرياض وعدد من مناطق المملكة، وخُلوّها من المواطنين بسبب مباراة كرة القدم بين منتخبنا السعودي والمنتخب الإماراتي، لقد تذكرت الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة العربية الإخبارية، مؤخرا، "كيف واجهت السعودية القاعدة"، وكان أحد الأجزاء يتحدث عن تربص الإرهابيين ومحاولة تنفيذهم عملية تفجير، لعلمها أن المواطنين مشغولون في متابعة مباراة كأس خادم الحرمين الشريفين، وحينما شاهدت التقرير وصور الشوارع وهي تبدو خالية، قلت هل يمكن أن يكون هذا التقرير لصالحنا كمواطنين أم لصالح الإرهابيين الذين لن يتوانوا عن استغلال العديد من الثغرات؟
إنني فخورة برجال الأمن في وزارة الداخلية، ولكن يجب على الإعلام السعودي أن يلعب دورا أكثر عمقا وأكثر تأثيرا، لكوننا في الوقت الحالي نعيش حربا على الأرض، إلى جانب الحروب السياسية من بعض الدول الإقليمية والدول العظمى، ونحن بحاجة ماسة نحو تعاضد جميع أطياف الشعب السعودي تجاه أي مؤامرة ضد المملكة، أو تستهدف الإخلال بأمنها.

"الوطن السعودية"