الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٤٨ صباحاً

عزيزي مروان ..

سام الغباري
الاثنين ، ٠٣ اكتوبر ٢٠١٦ الساعة ٠٩:١٦ صباحاً
لا أحد يُدهشني في هذه المجرّة ، سواك ، تأخذني ولا تعيدني حيث كُنت .. أنت جميل للغاية ، ومن حقي – كقارئ – أن أكتب إليك بعض الملاحظات على مادتك الأخيرة المصنوعة من وحي التقولات ، والأرقام الساخنة التي تُقرأ على نطاق واسع ، ولها تأثير السحر لبراعتها وأسلوبها المتحضر في النقد ولو كان جارحاً .. فإنه يستهويني !.
– أنت كاتب مقروء ، ومهم في حياتنا ، بقاؤك في الجهة التي تعارض الحوثيين مكسب عظيم نفتخر به ، وهذا يعني أن تعي أننا نقرأ لك ونتأثر ، وعليك أن تكون مسؤولاً وعميقاً ، لا تأخذك عاطفية التفاعل مع أقوال من يبعثون إليك برسائلهم دون أن تفهم قبلها خارطة المنطقة وأبعادها ، أول المسؤوليات أن تظل معنا ولو كُنا خاطئين ، كما يجب أن نقف كلنا مع من يمثل دولتنا ولو كان بنص لسان ! .
– قُلت : أن “تهامة” بلا قادة عسكريين ، وأن “المركز الطائفي” يسيطر على المنطقة العسكرية التي تقع فيها الحديدة وريمة ، وهذه تهمة لذيذة تستدعي التفكير ، فليس من العدل أن يتحمل القادة العسكريون الحاليون وزر تركيبة عرجاء لمخرجات الكليات الحربية تم إنتاجها على مدى ٣٣ عاماً من عمر نظام “صالح” ، فعلي محسن مثلاً من “سنحان” ، ورفيق درب الرئيس السابق ، غير أننا لا ننظر إلى مسقط رأسه ، ونقول أن ذلك يعني اعادة انتاج حُكم “سنحان” ، لا .. إننا نأمل في قدراته كمفتاح لباب صنعاء ، فطبيعة المعركة البشرية والجغرافية تستدعي قائداً كبيراً ومجرباً وعميقاً يفهم حاجات المجتمع الذي يتحصن به الحوثيين ، ويفصله عنهم ، ذكرت أيضاً الجنوب اليمني الذي يُقتل ضُبّاطه من نظام “صالح” ، ولا اعتقد اليوم أن الذين يُقتلون في الشوارع مباشرة يقعون ضمن سلسلة إرتيابك ، ففي الجنوب تعقيدات مخيفة لن يفهمها أحد ، ودائماً يبحثون عن فاعل خارجي وهمي ، لتحميله وزر ما حدث ويحدث .
– اتفق مع التناولة السردية الجميلة “ملكيون في زي جمهوري” ، لكني شعرت بأني مستهدف من تلك التناولة كـ”ذماري” ، نفاه أهله الذين جنّدهم “صالح” ! ، بالنسبة لي فعلى مناطق آزال تحديداً التخلي عن مفهومها للجندية ، وولعها فيه ، وهو ولع يشابه ارتباط الضالعيين بالزي العسكري ، حتى لتجد كل من في الضالع جنود ، هذه مشكلة أخرى تعاني منها “عدن” اليوم ، كما عانت في حروب الاخوة الرفاق ، ونأمل ألا تتجدد مستقبلاً صراعات ما قبل الدولة ، مالم نكف عن تغذية هذه الأفكار وتسميمها ، ونتحدث عن بناء دولة قبل التركيز على ضابط من صنعاء أو ذمار ، إن ذلك الولع يشابه ولع تعز في الوظائف الاكاديمية في الجامعات والإدارات المالية بالمؤسسات الحكومية .. فإن قلت لي “ومن أين أجيء لك بأستاذ جامعي من ذمار، إن لم يكن قد تعلم؟” ، سأجيبك “ومن أين أجيء لك بضابط من تهامة إن لم يكن خريج كلية الحرب” ! لك .. حتى ذمار التي تمتلئ بالجنود تغيب في جوانب الدولة الإدارية داخل محافظتها ، وتكون الغلبة لتعز ، فتكاد تشعر أن ذمار مستوطنة تعزية .. إن أردت أن تذهب إلى تلك القِسمة فأنت خاسر .
– عزيزي مروان :
لماذا لا تتحدث مثلاً عن عودة قادة الفرقة الأولى مدرع من الباب الخلفي ليصبحوا هم قادة المناطق العسكرية الجدد، الغريب الوحيد بينهم هو اللواء “المقدشي” ، فيما سُلّمت قيادة قوات الاحتياط لصديقي اللواء “سمير الحاج” وهو من تعز وأنا واثق أن كل جنود الاحتياط القادمين سيكونون من هناك .. هل ترى هذه النقاشات مفيدة ، وهذه المعلومات جيدة في ظل صراع مقدس نخوضه أمام أشرار متحولين وخطرين .. بالطبع لا .. أنا لا يهمني من أين يأتي الضباط العسكريون ، لأنهم موجودون ولا يجوز التشكيك في ولائهم ، حتى ولو انضموا لاحقاً .. سواءً كانوا من الفرقة أو الحرس أو من تعز أو ذمار ، المهم أن يكون لنا جيش موحد يواجه الحوثيين وينتصر عليهم .
– عزيزي مروان :
يجب أن تفهم من نحن ، في ذمار كانت لنا كلية واحدة للتربية من العام ٩٠م ، واهم تخصصاتها هي الدراسات الاسلامية ، وقبل الوحدة بعامين أفتتحت أول مدرسة ثانوية في المحافظة بأسرها ، ذلك يفسر لماذا كُنا نهوى الجندية ، لأنها أقصر الطرق للوصول إلى الراتب ، ولأننا لم نكن نستطيع استكمال تعليم أولادنا في صنعاء ، كُنا اشقياء لأننا لم نتعلم .. وبعكس تعز التي كانت موئلاً سبّاقاً للتعليم في عموم اليمن ، بأكثر من ثلاثة أجيال على الأقل ، هناك تفاوت واضح في مستوى التعليم ، وذلك مادفع ذمار وصنعاء وعمران شمالاً والضالع ويافع جنوباً إلى الجندية .. ومادفع تعز وإب إلى السيطرة على مراكز الوظيفة في وزارات ومؤسسات صنعاء ، حتى تعز بكلها ومؤسساتها ومرافقها لا تجد فيها موظفاً إدارياً من خارجها ، مغلقة على أهلها ، ليس لأنهم عنصريون أو مناطقيون ، بل لأنهم متعلمون ومتنوعون في تخصصاتهم ، وعددهم كثير بالنسبة لمحافظة ، فكانت رحلة الهجرة من تعز إلى كل أرجاء اليمن ، لقد كُنا نعيش في فلاحتنا ، حتى أن وظيفة الدولة محتقرة في مفهومنا للحياة والمستقبل ، لكن هل تعلم رغم كل القتامة التي تراها في “صالح” ونظامه إلا أنه إهتم بإستعادة التوازن بين مدن “منزل” و “مطلع” ، كانت قبيلتي “الحدأ” مثلاً ، مكاناً متخماً للزامل ، ووعورة الطريق فيها تمنع الجميع من الخروج أو الدخول ، وكانت عاصمتها “زراجة” خلف البحر ، كما يقولون .. اليوم بفضل تأسيس جامعة ذمار عام ٩٦م ، وتعيين رئيسها البروفيسور العملاق “عبدالله المجاهد” ، وصلت أول دفعة من حملة شهادة الدكتوراة من أبناء المحافظة في العام ٢٠٠٦م ، صديقي “مختار الآنسي” صار عميداً لكلية طب الاسنان وهي أول كلية تُفتح على مستوى الجمهورية ، أبناء آنس معروفون بولعهم في الجندية ، ولكن “مختار”- الجندي السابق – أختار طب الاسنان واليوم صار بروفيسوراً ، لو أنه لم يفعل ذلك ، لكان قتيلاً في تعز تحت راية الحوثيين ! ، هل تعلم أيضاً أن مخرجات هذه الكلية أستُقطبت في السعودية ، لقد هرب أغلب الذين حملوا شهادة الدكتوراة من جامعة ذمار يتقدمهم رئيسهم للبحث عن فرصة عمل بعد سقوط صنعاء ، فأمتلئت بهم جامعات الجنوب السعودي ، حتى أن السعوديين تفاجأوا بذلك الكم الهائل من الاالاكاديميين اليمنيين، والأطباء والصيادلة والمهندسين ، لم نعد عُمّال بناء أو حدادين ، لقد صرنا بروفيسورات .
– أعرف يا “مروان” أن كل هذا لا يعنيك ، ولكني حاولت أن أقول لك أن الذين يقاتلون مع الحوثيين اليوم من ذمار أو صنعاء وعمران وصعدة وحجة هم أولئك الذين لم يتعلموا ، في آنس ، في غياهب عنس البعيدة عن مركز المدينة ، في أدغال الريف الفلاح الفقير لا يتعلم الصبية ، فهم بلا مُعلمين ، وبلا مكتبات ولا صحف ، لا وجود لمدرس الفيزياء أو الكيمياء ، كلهم دراسات اسلامية ، ويتوزعون بحسب القرعة ، لتعليم مواد مناقضة لتخصصاتهم ! ، كلما ابتعدت عن عاصمة المحافظة ، حيث الجامعة تجد عيالهم في قبضة الحوثي اللعين .
– الحل في مناطق آزال ليس إتهامها بالمركزية الطائفية ، أو الهضبة ، واستفزازها واستنزافها ، لقد قاتلوا الحوثي منذ بزغته الأولى ، فكان الصحفيين المتأففين ينظرون إلى المعركة في صعدة من خلف نظارتين سميكتين ، يضعون ساقاً على أخرى ، يتنحنحون ، ويردون على رسائل المقاتلين التي تطلب الدعم وإظهار جرائم الحوثيين بنظريات “ماركس” عن السلطة والثروة ، وفلسفة ابن عربي عن الاستبداد ، وماقاله تولستوي في روايته “الحرب والسلام” !! ، كان القبيلي في صعدة وعمران يقاتل الحوثي في الكهف ، والمثقفون يخونوهم بالهراء والنظريات الجدلية ، أرادوا أن يقولوا لهم “نحن نذود عنكم أيها الحمقى” ، لم يسمعهم أحد ، كانوا بعيدين عن العين والخاطر ، لا أحد في تعز يهتم بهم أو عدن ، وأهل صنعاء يتوسدون الحرير وينامون على بطونهم ، فيتعالى شخيرهم ، كما تعالت أصوات أنين “دماج” والجوف وصعدة ، لم يكن لدى مدن ما بعد “الأزرقين” صحفيين يهتمون لأمرهم ، ولهذا خسروا أمام منظومة الحوثي / الهاشمي الاعلامية ، وزيّف وعي الناس ، حتى استسلمت القبيلة بعد حروب بطولية طويلة نيابة عن كل اليمنيين استمرت سبعة أعوام ، وقد اوجعتها كل الطعنات من الاحزاب والصحف والناس ، ففتحت الطريق الأسود للحوثيين ، وقالت أخيراً بعد أن شاهدت الساحات تُسقط النظام “لسنا الدولة حتى نقاتل” ، في ذلك الحين كانت الدولة تتواطئ مع الحوثيين ، وحين استسلمت القبيلة سقطت الدولة لأن جيشها كان مخترقاً وأعرجاً ومنتفخاً من الفول الفاسد ، وأعتقد أنه من العار أن يتحدث موظفو أو صحفيو تلك الدولة بسوء عن قبائل شمال الشمال ، فهم من منعوا الحوثي من التقدم منذ ٢٠٠٤م ، ولو أنهم لم يقاتلوه ، لكانت صنعاء في قبضة الحوثيين منذ ١٢ عاماً .
– عزيزي مروان :
وأنا اكتب اليك كلّف الحوثيون العنصريون الدكتور الجنوبي عبدالعزيز بن حبتور – محافظ عدن ورئيس جامعتها الأسبق – بتشكيل حكومة في “صنعاء” ، سيذهبون مرة أخرى بعد أيام إلى البرلمان لتعميد شرعيتهم ، إنهم يتوحدون رغم تناقضاتهم ، وهزائمهم ، ونحن رغم كل ما معنا وبأيدينا لم نحاول أن نصمت فقط ، حتى ننتصر .. ومن الجيد أن أشير إليك أن قبيلة “المقدشي” صالح ، أو محمد .. لا تقاتل مع الحوثيين ، كل القبائل لا تقاتل .. هناك فقط جيوب مظلمة يتم استنزاف افرادها وشبابها بصناعة الوهم ، هناك مرتزقة في تلك القبائل تصطاد الشباب الصغار وتُلقي بهم الى التهلكة ، نحن نخسر مستقبلنا يا مروان ، عشرات الالاف من ضحايا الحوثيين من صغار السن ، ذلك ينبئ بكارثة ، حتى بعد أن تصمت مدافع الحرب ، سنرث مابين ١٠٠ ألف إلى مليون مُعاق في مناطق الشمال وحدها ، وستظل ألغام الحوثيين المخبأة في كل شبر تحصد عيالنا وتبتر أطرافهم ، وسنخرج من حرب أنتجت أكثر من ١٠٠ ألف عائلة تنوح على ابنها أو ربها .
– عزيزي مروان
يجب أن يتوحد الشماليون اليوم تحت راية الرئيس الجنوبي لأنه قدرنا وممثل شرعيتنا وسبيلنا للعودة إلى ديارنا ، مالم فسنظل نخسر فقط ، وأما الجنوب فسيتجاوز صراعاته ، وربما ينسى كل شيء حتى الوحدة ، ليس هناك مجال لفرز القادمين من ذمار ، وتفتيش هويات أفراد الجيش الوطني وضباطه ، وقد أعفيت نفسي من البحث عن الأرقام للرد عليك ، ودحض استنتاجك .. فذلك سيخلق جدلاً مميتاً ، يُقسّم ويُفرّق ، ولا يجمع ويُرمّم .. إنه فرز مقيت ، فرز الهوية في معركة ما تزال على تخوم صنعاء ، أرجوك لا تكن كرُماة أُحد ، تركوا الرسول ، والمعركة والجبل وذهبوا للبحث عن سراب الغنيمة قبل أن يُعلن أبو سفيان هزيمته .. ونحن ياعزيزي مانزال في الجبل ، على جبال نهم ، وأرحب وغنيمتنا صنعاء ، القصر والحكم والسلطة ، الدولة التي اُختطفت ، والناس الذين فقدوا استقرارهم وحياتهم ، دعك من كل شيء .. وتحدث عن القصر الجمهوري في صنعاء ، واترك قصور الآخرين مهما كانت أسئلتك مشروعة ، فلا شيء يوازي قصر صنعاء المنيف ..
مودتي
س . غ