الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٤٥ صباحاً

خزعبلات يوسف زيدان

سعدية مفرح
الخميس ، ١٨ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ١١:٠١ صباحاً
أقرأ رواياته تعجبني.. أسمع كلامه أتعجب. المقصود هو الروائي يوسف زيدان، ذلك أن من يقرأ روايته البديعة "عزازيل" مثلاً، والتي حاول فيها "مؤلفها" تجذير العنف والتطرف العرقي، وإدانة التعصب والكراهية القائمة على الشوفينية الدينية، لا يمكن أن يصدّق أن كاتبها هو نفسه من حاول الحط من قدر الجزائر والجزائريين، بسبب مباراة كرة قدم، في مقالةٍ تعدّى فيها حدود العقل والمنطق، وأدنى درجات الأدب بمفهومه الشعبي، ليعيّر الجزائريين بما لا عار فيه، عبر لغةٍ ساذجةٍ، تنضح كراهية وتعصباً وعنصريةً وشوفينيةً، فارغةً تماماً من أي محتوى إنساني أو ثقافي حقيقي. ومن يقرأ روايته الساحرة الأخرى "النبطي"، التي تنهض فكرتها على أساس الاحتفاء بالموروث الحضاري المتراكم تاريخياً لأرض شبه الجزيرة العربية، من أدناها إلى أقصاها، لا يمكن أن يصدّق أن كاتبها هو نفسه الذي حاول، في تصريحاتٍ له أخيراً، أن ينسف كامل الوجود الحضاري والفكري لهذه المنطقة الجغرافية والتاريخية وأهلها منذ الأزل. فمن الذي كتب هاتين الروايتين على الأقل إن كان زيدان؟ لست من الخفة النقدية لأنساق بسرعة وراء اتهاماتٍ، بعضها مدعّم بأدلةٍ وجيهة، عمن كتب "عزازيل"، وعمن قارنها برواية "اسم الوردة" لأمبرتو إيكو مثلا، لكنني أسوق شكوكي البريئة التي لا يمكن أن يغادرها المنطق، بهيئة أسئلةٍ تحتاج أجوبةً حتى نستطيع إعادة قراءة الرواية والتاريخ اللذين كتبهما، كما هو معلن، شخصٌ يتخبط بينهما على غير هدى من بحث، وهو الذي شغل منصباً بحثياً مهمّاً في إدارة ثقافية وتراثية ثرية بالمخطوطات التاريخية؟ نزع زيدان، في محاضرته أخيراً في المغرب، عن شعب الجزيرة العربية كل شيء تقريباً، حتى لغتهم، والتي لا يكاد يُتنَازَع ويُختلَف على مرجعيتهم فيها كإرث حضاري لا يخلو من النزعة القدسية، باعتبار أن القرآن نزل معجزةً لغويةً في أمة البلاغة العربية. بل تعمّد ألا يأتي على ذكر الجزيرة العربية، لا باسمها الجغرافي تاريخياً، مثل نجد والحجاز، ولا باسمها الحديث كالسعودية، يتورّع عن وصفها بأنها "الحتة الوسطانية" التي تحدّى حضور ندوته أن يأتي أحدهم باسم واحدٍ من علماء اللغة ظهر منها، متجاهلاً أنها جغرافية الأصل لهذه اللغة ومنبعها وحجتها. وعليه، تابع استخفافه المكشوف، لينفي أن يكون العرب قد انطلقوا، أو حتى مرّوا بقلب الجزيرة العربية، لأنهم، وفقاً لروايته الحرفية، "سكنوا اليمن، وبعدما انهار السد، انتشروا في الأرض وبعضهم راح للشمال.. ما عدّاش في الحتّة الوسطانية دي" (!). ولا أدري حتى بالمنطق البسيط كيف يمكن للجنوبي أن يذهب إلى الشمال من دون أن "يعدي"، أو يمر على المنطقة الوسطانية؟ لا أريد أن أناقش زيدان في معلوماته المغلوطة عن تاريخ الجزيرة العربية، وحضاراتها المتعاقبة منذ الأزل، ولا أن أرد عليها، ذلك أن نقاشاً كهذا سيبدو محاولةً لإثبات وجودٍ ما لم يخف إلا على من لا يريد أن يرى أن يعترف بما يرى، وإلا لأفضت بتفصيلٍ دقيق عن حضارةٍ قاومت عوامل التعرية القيمية التاريخية، لتتقدس برسالةٍ سماويةٍ أضفت عليها معاييرها الجديدة، وأتمت لها مكارمها الإنسانية، المتجاوزة مقامات الحجر وحدها. هل يعي زيدان ذلك، وهو الذي شكّك بموقع المسجد الأقصى وقدسيّته، في رؤيةٍ فوضويةٍ، لا يثبتها أي دليل تاريخي، ولا تفيد إلا التوسع الصهيوني المشتهى على حساب الأمة وجوداً وحدوداً؟ سبق أن كتبت عن ما أعتبرها خزعبلات يوسف زيدان. ويومها رد عليّ بتدوينةٍ، فاخرني فيها بأنه عربي قح أكثر مني، وأنه ينتمي لسلالة الصحابي الزبير بن العوام. ولا أدري إن كان يعرف أن بن العوام عربي قرشي، ينتمي إلى ما سمّاها الحتة الوسطانية، أم أنه نسي الأمر، وهو ينزع عن السلالات العربية كلها ما أضفاه على الفرس والأمازيغ؟ لن نغمط حق الفرس والأمازيغ الكبير في مشاركة العرب بتتمة البناء الحضاري للأمة، بل نؤكده لنبلور قيمة تلك الأمة في التراكم الحضاري للإنسانية. وهي القيمة التي تركت إشاراتها واضحةً في الروايات المنشورة بتوقيع يوسف زيدان. اقتراح أخير، أقدمه للباحث والروائي يوسف زيدان بأن يقرأ، ويذاكر، "رواياته" جيداً، قبل أن يصرح أو يحاضر، فإن لم يستطع فهم المكتوب في الروايات يستطيع أن يستشير أحداً من المقربين له ممن يفهمها، لأسباب كثيرة، كما كتبت تماماً.

"العربي الجديد"