الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٦ صباحاً

الأمم المتحدة واليمن ..تاريخ من الفشل

عبدالوهاب العمراني
الاربعاء ، ٢٧ يوليو ٢٠١٦ الساعة ٠٧:٢٩ مساءً

أكثر من خمسون عاما على زلزال اليمن الذي لم يهدأ وما أشبه اليوم بالبارحة ، وأكثر من خمس سنوات لوأد محاولة التغيير ، فإذا حوار وطنيا استمر لنحو عام انتهى بسقوط صنعاء على أسنة الرماح فماذا يتوقع من مفاوضات بدأت قبل ثلاثة أشهر ؟
متلازمة التأمر الخارجي والتواطئ الداخلي بين الأمس واليوم محاكاة لعبقرية المكان ولعنة الزمان.. فقبل أن يلام الأخر خارج الحدود ، دول الإقليم او المجتمع الدولي وكذا الأمم المتحدة الإشكال يبدأ من اليمنيون أنفسهم سلماً او حرباً.
ففي جزئية الفشل الأممي حدث ولا حرج سنوات من إخفاق هذه المنظمة شأنها شأن المنظمات الإقليمية التي هي انعكاس للنظام الإقليمي العربي المتعثر منذ بدايته وهو الأمر للنظام الدولي برمته منذ تأسيس الأمم المتحدة الغير متحدة بل بطة عرجاء !
استهلت الأمم المتحدة دورها في اليمن غداة الربيع العربي في نسخته اليمنية برؤى من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي طال أمده متضمناً الولويات كالفدرالية في وضع سياسي غير مستقر .. وكان من أخطاء الرئيس هادي انه سمح للحوثيين بالانخراط فيه وهم مجرد ميلشيا مسلحة .
خمسة وثلاثون رحلة مكوكية للمبعوث الأممي السابق انتهت بإيصال ميلشيا الحوثي للقصر الجمهوري بينما سلفه ولد الشيخ يدأب لشرعنه انقلابهم بطريقة ناعمة تحت ستار التوافق .
الإخفاق الدولي غدا جلياً لا يحتاج لذكاء وتحليل في دراسة العام المضي للباحث البريطاني (آشير أوركابي) سبب الفشل الأممي في إدارة الأزمة اليمنية الراهنة وأزمات سابقة إلى عدم استيعاب الأمم المتّحدة لخصوصية اليمن وتعقيداته التي تجعل منه بلدا استثنائياً حتى في مشاكله وحروبه.
ويؤيّد الباحث الكاتب البريطاني ما ذهبت إليه مجموعة الأزمات الدولية ، حين قال إن الأمم المتّحدة “أضعفت موقفها في اليمن، إذ لم يعد لديها، هذا إن كان لديها أصلا، نفوذ كاف لتشجيع أو فرض تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بحلّ الأزمة في اليمن”. ويحمّل آشير أوركابي، في تحليل، صدر في مجلة “سياسات دولية” (عدد مايو 2015)، الأمم المتّحدة مسؤولية انهيار الوضع في اليمن، وفشل ما أسماه السلام المراوغ. واعتبر (أوركابي) أن استقالة المبعوث الأممي جمال بنعمر، في 16 أبريل الماضي، بعد أربع سنوات من تعيينه تشكّل مشهدا جديدا لكنه متوقّع من قصّة معضلة الأمم المتحدة في اليمن.
ويحمّل الكاتب (آشير أوركابي) في تحليل صدر في مجلة “سياسات دولية” (عدد مايو 2015)، الأمم المتّحدة مسؤولية انهيار الوضع في اليمن، وفشل ما أسماه السلام المراوغ.
يقارن الاكاديمي البريطاني (آشير أوركابي) ، مؤلّف كتاب “الحرب الأهلية اليمنية 1962 – 1968”، بين الوضع الراهن في اليمن والحرب الأهلية التي اندلعت في ستينات القرن الماضي، مشيرا إلى تشابه كبير في الأحداث. ويذكّر بأن جهود الأمم المتحدة، المبذولة منذ اندلاع الأزمة في اليمن صيف العام الماضي، فشلت في الحفاظ على عملية السلام في البلاد، مثلما فشلت إبان حرب شمال اليمن الأهلية، عام 1962.
ولم تتوصل الحرب إلى حل سياسي حتى عام 1970، بعد أن قامت القوى الأجنبية والمصالح الدولية بالانسحاب من البلاد من تلقاء نفسها. وانتقد العديد من اليمنيين جهود المراقبين الدوليين في حفظ السلام الدولية، حيث اعتبروه بمثابة ستار لإعادة تسليح الجانبين في حرب أهلية
وتكرّر سيناريو الفشل ألأممي مرّة أخرى خلال الحرب الأهلية في اليمن عام 1994، التي لم تختلف في بعض نقاطها الرئيسية عن حرب الستينات ولا عن الحرب الدائرة اليوم، حيث فشل المبعوث ألأممي الأخضر الإبراهيمي، في فرض وقف لإطلاق النار مثلما فشل جمال بن عمر في مهمته ، في الحرب التي دقت طبولها في صيف 2014 وتشهد اليوم أوجها، ووصلت إلى حدّ فرض تدخّل عسكري خارجي، تقوده السعودية، بمشاركة دول عربية.
فالأمم المتحدة تناقض أدبياتها في جزائية الحالة اليمنية فعلي سبيل المثال إجرأت الفصل السادس من الميثاق عنوانها حل النزاعات بالطرق السلمية بين أطراف النزاع وتسعى الأمم المتحدة للتوفيق بين أطراف النزاع سلميا ،
وينبغي على اليمنيون الاستفادة من تجربة الأمم المتحدة في بؤر ساخنة عربية ، وفي حال فرض رؤية دولي حل مفترض سيكون بداهة نسخة
مهذبة لاتفاق السلم والشراكة فكلاهما يخرجان من فوهة البندقية أي فرض أمر واقع سواء قبل الحرب بسقوط صنعاء او اليوم بمحاولة شرعنة الانقلاب بناء على مسوغات سلطة المر الواقع بسياسة لاستقوا والغلبة .
الأيام المقبلة كفيلة بتجلي موقف المبعوث الدولي وهل سيكون آخر امتحان له بشان اليمن وسيترك العنان لتوقعات الراصدين للشأن اليمني أما بإشهار الفشل رسمياً وربما تعيين مبعوث دولي جديد .
وإذا صح ما نشرته الأهرام المصرية حول ترشيح الدكتور البرادعي مبعوثا للأمم المتحدة في اليمن بدلا من ولد الشيخ فأن ذلك ليس إقرارا بالفشل بل إصرار على مواصلة إخفاقات الأمم المتحدة التي لم تنجح يوما سوى في الملف السوري او الليبي وسواهما ، معلوما بأن الأخضر الإبراهيمي الدبلوماسي الجزائري المحنك قد استقال في مهمته في سوريا لان أي مبعوث هو في نهاية المطاف مجرد موظف في هذه الأمم المتحدة الغير متحدة
وهذا يفسر إلحاح الوفد الحوثي والاستماتة لتمرير هذا الهدف بعد ثلاثة أكثر من ثلاثة أشهر من وهم وسراب السلام في مفاوضات عقيمة في الكويت الشقيقة التي ضاقت ذرعاً بهذه المفاوضات البيزنطية .
فإلحاح طرفي الانقلاب على (التوافق) هذا أشبه بمطالبتهم بالشراكة غداة سقوط صنعاء بعد ما سُمى باتفاق السلم والشراكة ، لم نلمس لا إتفاق . ولا سلم. ولا شراكة !
الشرعية ومن ورائها التحالف حذرون بصورة مبالغ فيها من تحذيرات المجتمع الدولي لإجبار الانقلابيين على السلام حسب المرجعيات التي اقرها الجميع .
يبالغ اليمنيون في دور المجتمع الدولي والأمم المتحدة تحديداً وخاصة في تحذيراتها مع ان حالات يمنية سابقة تجاهل الرئيس السابق ضغوطات الأمم المتحدة في حرب 1994م وتم اقتحام عدن ولكنه لم يحافظ على روح الانتصار فتحول إلى طبائع الاستبداد ، وبهذا كانت تلك الحرب حق أريد به باطل ووأدت الوحدة بيد صانعيها .
الجولة الأخيرة من مفاوضا وقد بات واضحا مؤخراً أن تطورات اللقاء الرباعي سيفرز تسوية تتناسق مع رؤية الحكومة الشرعية والتحالف العربي بمعنى نظام سياسي يتماهى مع جيران اليمن ومتحررا من تأثير نفوذ الميلشيا المرتبطة بالمشروع الإيراني ، بعض النظر عما ستئول إليه التطورات المتسارعة في الجبهات وأروقة الأمم المتحدة والمفاوضات وبغض النظر أيضا حول الطريقة التي ستضع الحرب أوزارها .
الموقف الدولي بداء ينجلي فمضمون نتائج اللقاء الرباعي قبل نحو منتصف يوليو يفسر سبب انفعال إعلام الانقلاب من خلال تصريحاتهم النارية من التحول في موقف الرعاة الدوليين والمتزامن مع التصعيد في كافة الجبهات
إذا لم يتدارك اليمنيون آخر فرصة للسلام في الكويت فأن فصل جديدا من المشهد اليمني في طور التكوين بغض النظر عن نتائجه
تزامنت مؤشرات إرهاصات إعلان الفشل في مشاورات الكويت التي بدأت قبل نحو ثلاثة أشهر ، بتصعيد وفد الحوثي في مقابل تحرك دولي سياسي رفيع شهدتهُ العاصمة البريطانية فقد ساهم اجتماع لندن الرباعي قبل بضعة ايام في حسم موضوع التسلسل الزمني، وهو مشكلة جوهرية في حقيقة الأمر لأنه يتحكم بطبيعة الحل وهوية المنتج السياسي الذي سيفرزه الاتفاق الجديد للسلام في اليمن.
الشعب اليمني المنهك بسلسلة حروب الحوثيين لأكثر من عشر سنوات تحت إغراء سلام بأي ثن وعجل ووهم بتقاسم تحت عنوان التوافق بين مراوغة وتخاذل الخارج الإقليمي والدولي وبين ميلشيا اغتصبت السلطة على أسنة الرماح وتخير خصومها في الداخل والخارج على أمرين لا ثالث لهما:
فرض شروطها على الطاولة متجاوزتاً تعهدات سابقة ، او فرضها على الأرض دون حساب للعواقب.
* كاتب ودبلوماسي يمني

"رأي اليوم"