الثلاثاء ، ٣٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٧ مساءً

إيقاعات وجدانية ,,,, من وحي الثورة (8)

عباس القاضي
الاثنين ، ٠٥ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
صحا عبده غَبََش قبيل صلاة الظهر, توضأ ثم ذهب إلى المسجد, ليرى الشيخ والحاج والأستاذ منهمكين, والأوراق بين أيديهم ومن خلفهم, يضعون اللمسات الأخيرة للمشروع, وتوزيع المهام بينهم , فالجانب الدعوي, تولاه الشيخ, وجانب الإدماج, تولاه الحاج, وجانب التأهيل, تولاه الأستاذ.

وهنا رُفِعَ الأذان لصلاة الظهر, صلوا مع جموع المصلين, ثم اتجهوا للغداء كالعادة في بيت الحاج صلاح, تغَدَّوا, ثم خلدوا للراحة, سوى عبده غبش الذي يستعد لاقتحام الجانب الدعوي, وهو الذي لم يمرعلى دخوله هذا العالم الجميل والجليل سوى يوم واحد, خرج من البيت, بيت صلاح وهو يفكر أين يقابل سعيد عَجَب, لم يرغب بالعودة إلى الحي, والذين هم الآن في حالة النشوة المصطنعة بتناول القات وسَمْعْ آلة التسجيل, وبَدْء البعض بالرقص والتمايل, فيضعف,أو أن مهمته ستكون صعبة وسعيد على هذا الحال, اقترب من الحي وطلب من طفل كان قريبا من الحي أن ينادي سعيدا, ذهب الطفل ثم عاد قائلا : سعيد لم يأت بعد, فرح عبده غبش وقال : توفيق الباري, سأنتظر هنا على مشارف الحي حتى يأتي, لم يطل انتظاره ها هو سعيد يقترب منه, وهو يدعك عينيه, لم يعرف عبده غبش للوهلة الأولى, من بياض ثيابه ونظافتها, لكن عبده غبش قطع عليه حيرته, ومد يده ليسلم عليه , وهنا أطرق سعيد بناظريه إلى الأرض كعادته, فنهره عبده غبش قائلا له : ارفع بصرك أخي سعيد لأكلمك بشيء لم يخطر على بالك, ومازال يده في يد صاحبه, ما جئتك أطلب منك لتأتي معي كي تساعدني في ضرب المرفع (قرع الطبل), أو أنتدبك إلى عُرْسٍ آخر, جئتك لأرفعك من الأرض إلى السماء, جئتك لأرفع من شأنك من الذلة إلى العزة, ومن المهانة إلى الكرامة, ودنى من أذنه قائلا : جئتك لأخبرك بسر لم تعرفه, ولم يعرفه سكان هذا الحي كله, وهو إننا ليس بأخدام, وليس لأحد حق علينا أن نخدمه , نحن مثلنا مثلهم, ويشير بيده اليمنى إلى القرية المجاورة, ولا نطلب حريتنا من أحد, فنحن لسنا عبيد بالأصل, رد عليه سعيد : لا أفقه كثيرا مما تقول, لكنك تعرفني, لو قلت لي , أرمي بنفسي من تلك الضاحة (الجبل) لفعلت, فأنا لم أعص لك أمرا, فقال عبده غبش : حاشى وكلا, أن أقول لك ذلك, بل بالعكس, أنا جئت من أجل إنقاذك, من سقوط أكبر, سقوط أخلاق وقيم في الدنيا, وسقوط إلى قعر جهنم في الآخرة, أنا منذ البداية قلت لك : جئت لأرفعك إلى السماء, وأنت تريد أن تطيعني في السقوط من شاهق !.

أريدك أن ترسل ما تحمله إلى بيتك, وتأتي معي, فنادى على طفل كان على مقربة منهم, ليأخذ الذي على عاتقه إلى بيته, ومضيا, لكن هذه المرة لم يدع سعيد أن يمشي خلفه , ولكن جنبا إلى جنب, حتى وصلا إلى المسجد, وكأن الشيخ على موعد, فقد كان منتظرا أمام المسجد.

دخلوا جميعا المسجد, فناول الشيخ سعيد عجب كيسا فيه قميص, ومئزر, وقطعة صابون, وقال له: ادعك جسمك ولا تبقِ منها شيئا, فلفت سعيد إلى عبده غبش, فقال له : مثلما قال لك الشيخ, فذهب سعيد ليغتسل, ونظر الشيخ إلى عبده غبش, وابتسامة عريضة, ارتسمت على محياهما, بهذا الإنجاز, قال له عبده غبش: إلى الآن لم أكلمه بشيء غير كلام عام, بأن حدثا ما, سيرفعه إلى مستوى لم يحلم به, قال الشيخ : الباقي علي, وأنت ,اذهب إلى الداخل فقد أحضرت من يحفظك قصار السور, وتستزيد ما يقوِّي إيمانك, وهكذا سلك سعيد ذات الدرب الذي سلكه عبده غبش, خطوة بخطوة, وضوءاُ وصلاة, و بدأوا يصلون القيام, وتهلل وجه الشيخ عبد الله و الحاج صلاح والأستاذ محسن عندما رأوا عبده غبش وسعيد عجب وهما يصليان بخشوع واطمئنان, وأن البرنامج الدعوي يمضي بمهمته على ما يرام, وانطلقا إلى بيت الحاج, يحددون الجدول الزمني, بلقاء المدرسين ,ومدير المدرسة, وطباعة المنشورات والمطويات والكلمات,وتم تكليف الأستاذ محسن بأن يقوم بطرح الموضوع على المدرسين الذين يتوسم فيهم الصلاح وروح التعاون, ليكون لديهم سابق علم, فيؤمِّنوا على كلامنا فيتشجع الباقون .

ولكن عبده غبش أدرك أن عليه أن يجلس معهم ليرتبوا عمله وسعيد لليوم التالي ويناقشوهم في صيدهم القادم , وفعلا قاما واتجها إلى بيت الحاج, طرقا الباب, فُتِحَ الباب, جلسا , ثم قال عبده غبش: لم تسألوني, مَنِ القادمُ من مجتمع المهمشين ؟ ولا كيف نتعامل مع نسائنا , قال الحاج : بالنسبة لزوجتك يا عبده غبش, ستكون غدا إن شاء الله, في بيتي هذا , لا تدعها, تذهب إلى السوق, آتي بها إلى هنا, فقد كلمت زوجتي حسينه عنها, ولديها الاستعداد, بأن تغير حالها في لحظات, فلها مَلَكَةٌ عجيبة في مجال الدعوة, منذ أن كانت ترأس مركزا إسلاميا في بريطانيا .