الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٥ مساءً

مجتمع ما بعد الحرب

عدنان هاشم
الاثنين ، ٢٨ مارس ٢٠١٦ الساعة ٠٢:٠٢ صباحاً
ستنتهي الحرب في اليمن، فلا حرب تدوم أبداً، ومع كل "حرب أهلية" تنشأ تلك الهويات الفرعية، التي تُدين الهوية الوطنية الجامعة، وتحاول محوها لتطغى كتفككيه مُحبطة لأجيال مابعد الحرب، محولةً اختلافات "الرأي" و"الأسماء" و"مناطق العيش" لتعود معها "التقسيمات الطبقية" والاختلافات الفكرية والعقيدية والأزمة السياسية إلى أزمة "وطن" يشعر الجميع عندها أن هذا البلد لن يتسع للجميع، ولا يمكن إيجاد تعايش، ولتظهر كلمة "المواطنة" كغرابية تثير الشجون، ومزاعم الخوف من مستقبل هويتهم الفرعية.
الهويات الفرعية التي تُنتج تتشكل ببطء كنجم "سوبر نوفا" حتى يحدث الإنفجار الكبير، وبدون وعيّ مجتمعي وصلنا إلى مرحلة حرجة من تلك العصبويات المُقسمة التي جرفت الهوية الوطنية الجامعة، في مرحلة تأجيج قاسية لم يسبق لليمنيين أن وصلوا لها منذ عبدالله بن الحمزة (1200م-600هـ) عندما أباد أبناء الطائفة المطرفية في حراز، وهي النقطة الأكثر رعباً في تاريخ اليمن، وحتى تهجير الحوثيين لـيهود (آل سالم) في صعدة 2011، أعقبه تهجير للسلفيين من دماج في يناير2014م.
لقد ولّدت الحرب شروخاً مجتمعاً، بعد أن اكتمل فرز المجتمع لكل هوية على حده، فمنذ 2004م بدأ فرز-بين موالٍ للسلفية ومناصر للحوثية-، وبين "أصحاب مطلع" و"أبناء منزل"، وبين "جبلي و ساحلي" و"شمالي وجنوبي" و "براغلة- دحابشة"، "تعزي- صنعاني- ريمي- ذماري..." وحده نظام صالح أفرزها، باستمرار الحكم الفردي والرغبة في التملك.
مرت اليمن ككل الدول -تمر بها عادتاً- بمفترة من سقوط الدولة المؤدي إلى غياب الذي يؤدي إلى عودة الإنسان إلى الهوية الفرعية له، باعتقاد أن الهوية الوطنية الجامعة هي التي أدت إلى الخلل الأمني، ولاعتقاده -أيضاً- أن الهوية الفرعية تستطيع حمايته، وهو مخطئ إذ أن الهوية الفرعية القائمة على العصبويات تؤدي لانهيار أمني في منظومة الجغرافيا والسيطرة بين الهويات نتيجة الصراع من أجل التمكين. وبالطبع هناك فارق بين الخلل والانهيار.
في الواقع فقد دخل بعض المثقفين في عراك هوياتي الفترة الماضية، واستمر هذا العراك لأيام، ويشاطر بعضهم الآراء والتكوينات على المجتمعات الافتراضية، مكونين لهجة من التفكيك لما بعد الحرب مستمرة بطابع الجدلية المعجونة بالكثير من الأيدلوجيا والمواقف المسبقة التي تزرعها وسائل الإعلام اتباعاً، متبادلين الاتهامات بالأسباب الموصلة والمتيقنة من الحرب على عائلات بعينها وبقاع جغرافية بمساحتها ولهجتها، وقبائل موالية ومعارضة، فانقسم المجمتمع مع عراكهم، وتفككت الروابط المجتمعية بلا إدراك نحو شروخ متعددة رأسية "زيدية -شافعية" و أفقيه "مناطقية- هاشمية – قبائل- مزاينة- أخدام"، ليوسعوا الفجّوة في نسيج المجتمع، بالمزيد من القيّح، الذي يؤسس لمجتمع الخوف بعد انتهاء الحرب.
عندما تشعر المجتمعات بحدوث الفرز المجتمعي على نحو يُخلّ بمبدأ جزئية الهويات الفرعية من الهوية الجامعة، لتظهر هوياتهم كل حامية ومناصرة وحافظة، يتجهون بأبصارهم إلى مثقفي الوطن، لمعرفة الخطاب المفترض للمحافظة على الهوية الجامعة، فعندما تجد المثقفين يبتلعون طُعم التفكيك من أجل الحشد للحرب والتنفيس عن النفس، لتؤكد قناعاتهم ف"إذا أختلت العلاقة بين القانون والضبط والظواهر الاجتماعية ظهر اختلال في سلوك المجتمع" كما يقول مونتسكيو(1689) وهو ما يبني دولة مابعد الحرب شديدة الهشاشة سريعة الحرب، كثيرة الاقتتال، موغلة في الفرز، كثيرة الشكوى، لا يتخلص منها المجتمع إلا على جيلين على الأقل (60 عاما).
الخوف، كل الخوف، أن يتحول الحديث عن الهوية الوطنية الجامعة بعد الحرب إلى شيء غريب في ظل ازدهار الهويات الفرعية، المؤدية لعملية الفرز في المجتمع؛ فالحاجة من المثقفين و وسائل الإعلام والحكومة إلى تبني أسس متينة للتخلص منها، فالحديث عن الهوية الوطنية بعد الحرب مصدر الالتقاء بين المثقفين والأحزاب الوطنية عندما تتعرض تلك الهوية للتجريف. ومن المثمر البقاء على التقارب وقت الحرب للحفاظ على كينونة الدولة لتستمر في البقاء حتى تكوين ذاتها من جديد، وتمنع استمرار عملية فرز المجتمع على أسس الهويات الفرعية.

* فيس بوك - يمن مونيتور