ليس جديدا القول إن بعض المناطق العربية تعيش فترة حالكة، وليس تنبؤا أن المرحلة القادمة ستكون شديدة الصعوبة على كافة مستوياتها، وليس تقديرا شخصيا الحديث عن أن إدارة هذه المسألة مايزال يدور بأساليب بالية وغير مجدية لن تتمكن من إيقاف النزيف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
هنا سيقفز السؤال الأزلي: فما الحل؟
إن ما تحتاجه القضايا المستعصية على إيجاد حل فردي لها تستوجب توسيع دائرة النقاش حولها واستثارة الأفكار فتجتمع مجموعة أفراد من منابع فكرية شتى بعيدين قدر المستطاع عن الهوى الشخصي ويكون دافعهم البحث دونما قيود أو محظورات ذهنية عن مخرجات إيجابية لكل قضية تمس المجتمع، وليس معروفا على حد علمي أن أيا من دوائر صنع القرار قد فعلت ذلك لتستفيد من صراع الأفكار والخروج بصيغ جديدة تضعها أمام صاحب القرار النهائي ليعيد دراستها وتمحيصها وإبداء الرأي فيها قبل أن يضع موافقته النهائية على المنتج النهائي.
طرأت لي هذه الخاطرة وأنا أتابع الرحلات المتلاحقة التي يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة السيد إسماعيل ولد الشيخ، فقد لاحظت أنه لم يحاول إدارة حوار بعيدا عن المكونات الموجودة على السطح واكتفى بنفس الوجوه التي تسببت بنزقها وعدميتها السياسية وتشبثها بمواقعها، التي قفزت إليها في غفلة من الزمن، إلى جمود العملية السياسية وصار يكرر أسلوب سلفه جمال بنعمر.
كان المبعوث السابق جمال بنعمر يتصرف خلال فترة عمله التي بدأت في ٢٠١١ كمبعوث لا يقبل النقاش حول أي من تخريجاته التي أورثها ولد الشيخ وهكذا سارت الأمور لتشكل مأزقا سياسيا أدى في نتيجته النهائية إلى حرب انخرطت فيها الأطراف الإقليمية، ولم يكن الأمر خطأ شخصيا منه بقدر ما كان محصلة للكسل والتراخي اللذين اعتريا الطبقة السياسية اليمنية وخاصة الأحزاب التي مازال أغلب قادتها متشبثين بعقلية الزعيم الخالد الفرد ونحن نرى أن كل أحزاب العالم تلد أجيالا جديدة إلا بعض الأنظمة العربية فإنها تظل متمسكة بتقاليد أسلافها وتعيد إنتاج نسخ مشوهة منهم.
اليوم لم يعد اليمنيون وأشقاؤهم وخصوصا في المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات يمتلكون ترف الاستمرار في البحث ضمن المتاح بل من واجبهم دون تأخير إطلاق العنان لتفكير جديد بعيدا عن الطبقة السياسية والحزبية الحالية التي لا تمتلك من التأثير الشعبي الحقيقي في اليمن ما يتجاوز قراء صحيفة هزيلة أو تجمع لرفاق قدامى وهذا ليس تقليلا من قيمتهم المعنوية أو الذهنية ولكن ما يحيط بمنطقة الخليج خصوصا من مخاطر ليست اليمن إلا واحدة منها يستدعي الخروج سريعا من دائرة الأنماط القديمة وتفعيل الدوائر البعيدة عنها.
* كاتب يمني وسفير سابق