في نهاية العام الماضي نشرت مقالا بعنوان (حصاد عام من الحزن)، وكانت خاتمته (لا أدري ما سيحمله العام الجديد القادم، ولكن ملامحه تتبدى غير مبشرة بخير، فالأزمة الاقتصادية الخانقة، والعبث الذي يمارسه كل قادر على حمل السلاح، وتغيب المسؤولين عن مهامهم وتمسكهم بمواقعهم، وانهيار قيم الانتماء الوطنية، كلها مجتمعة ليست إلا نذر كابوس لن يفيق منه اليمن ومحيطه الأقرب إلا على وقع كارثة إنسانية، أدعو الله ألا يقترب هولها مما يحدث في سوريا والعراق وقبلها مما حدث في الصومال.).
أنظر اليوم إلى وطني وقد مزقته الأهواء الشخصية والأحقاد وتراكمات العبث الذي كان ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ إشارة البدء في إطلاق العنان للميليشيات في جسد السلطة تحت عنوان (وثيقة السلم والشراكة الوطنية) ولم يكن الخلل في الاتفاق ولكن الأطراف التي وقعت عليه، أقصد الأطراف الحقيقية كحزب الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام والحوثيين، لم يكن يجمعها الهم الوطني ولكنها كانت يقينا تبحث عن تثبيت مواقع لها في السلطة أو حصد مواقع جديدة لمناصريها، وللأسف أن ذلك كان يجري بمباركة رسمية داخلية ومن مبعوث الأمم المتحدة حينها السيد جمال بنعمر.
لم تعد مجدية ولا كافية اليوم مفردات اللغة لتوصيف ما يحدث من اقتتال وما سيتركه من آثار نفسية واجتماعية مدمرة على أجيال كثيرة قادمة، ويكفي تصور أرقام كميات السلاح التي يمتلكها كل مواطن يمني في سن الشباب وتتساءل عن مصيرها بعد توقف الحرب وهي حتما ستقف إذ لا يمكن تصور حرب تدوم إلى الأبد.
ما يثير الاستهجان هو ارتفاع نبرة التحدي والاستقواء لدى الأطراف اليمنية بينما تسود لغة تصالحية لدى الأطراف الإقليمية المستغرقة في الشأن اليمني، ويعبر هذا عن الابتعاد عن روح المسؤولية الأخلاقية والوطنية لأن المواطن وحده هو الذي يدفع فاتورة الأنانية والغرور، ويتذكر اليمنيون أن الأحقاد وادعاء امتلاك الحقيقة كانا على الدوام المحفز لكل الخلافات والصراعات والحروب الداخلية.
بعد التغيير الذي حدث في سبتمبر ١٩٦٢ جرت في الشمال سلسلة من الإعدامات لتصفية أحقاد شخصية، ثم جاء الاغتيالات السياسية بدءا من محمد أحمد النعمان وتلاه القاضي عبدالله الحجري ثم توالت الأسماء، وفي الجنوب توالت عمليات التصفيات بين الرفاق دون توقف، ولم يكن الدافع وراء كل تلك العمليات سوى الحقد والتطلع للانفراد بالحكم.
خاتمة القول إن الساسة اليمنيين والأحزاب لم يستطيعوا الخروج من ركام كراهية الآخر ومحاولة طمسه، فيما يمضي اليمنيون البسطاء أيامهم ملفوفين بأحزانهم ومآسيهم وينشغل الساسة بالبحث عن أدوار يستعيدون بها دورة جديدة من المغانم بغير اكتراث عن مصير بلد لم يقدموا له أي فعل إيجابي وسيبدأ عام جديد أتمنى أن تكون نهايته غير ما أرى وما أتوقع.
* عكاظ