السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠٩ صباحاً

العرب عام 2016

محمد الرميحي
الاثنين ، ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ٠١:١١ مساءً
في هذه الفترة من السنة يحلو لبعض العرب أن يتسمروا أمام أجهزة تلفازهم من أجل سماع ( توقعات المنجمين للعام المقبل) وهي ظاهرة تحدث في بعض الثقافات، ولكنها في الثقافة العربية منتشرة إلى حد كبير، إلى درجة يمكن أن تكون مرضية .

بعض أسبابها أن برامج التليفزيون (والإعلام بشكل عام) ليس لديها خيال خصب جاذب، فيلجأ بعض المقدمين في المواسم إلى هذه الحيلة البسيطة والناجحة لاستقطاب المشاهدين،و السبب الثاني أن هناك أشخاصا ( رجالا ونساء) يرتزقون من هذه المهنة، ويغالون في أهميتها، أما السبب الثالث فهو الاستعداد الثقافي على الإقبال على الغامض والمبهم وربما الخرافي لضيق في القدرة على حل المشكلات حلا عقلانيا . الأهم من كل ذلك أن هذا النشاط الإعلامي ( التنجيمي) له سوق رائجة لدى جمهور عربي واسع ، وهنا القضية الاجتماعية اللافتة للنظر، أن هؤلاء البشر يُغيًبون عن واقعهم، إلى درجة الإيمان بأن هذا الشخص ( رجلا أو امرأة) قادر علي أن يتنبأ لهم بأحداث سوف تقع في المستقبل لهم أو لمحيطهم او في العالم . طبعا يستخدم المحترفون منهم عبارات مبهمة، و كلمات تبدو أنها ( مقدسة) من أجل إضفاء جو شبه معتم على الأقوال والتوقعات! ترى ما هي حقيقة صدقها من كذبها أو كذب أغلبها ؟

قضيت الكثير من الوقت في الأسبوع الماضي استرجع بعض ( شرائط سابقة للمنجمين) وأصغي إلى توقعاتهم لعام 2015، وهي متوافرة على النت، وجدت أن القصة الطريفة التي تركها لنا المتقدمون ، تنطبق على تلك التوقعات إلى درجة مذهلة. والقصة لمن لا يتذكرها ( أن حاكما قرر أن يختبر حكماء بلده، فقال لهم عليكم أن تنطقوا الحمار! طبعا العقلاء منهم قالوا إن الحمار لا يمكن أن ينطق، فكان جزاؤهم مغلظا من الحاكم ،حتى جاء دور رجل ذكي، فقال للحاكم المهووس : نعم أستطيع أن اُنطق الحمار، ولكن بشرط أن تعطيني خمس سنوات لفعل ذلكّ ، وافق الحاكم، فلما خرج الرجل الذكي بدأ البعض يسأله كيف تعدُ بما لا تستطيع أن تفعل : قال خمس سنوات فترة طويلة، قد يموت فيها الحمار ، و قد أموت أنا، وقد يموت هذا الحاكم المغفل ! تلك القصة تؤشر إلى نسيان الأحداث مع الزمن ، وهي التي يعتمد عليها قراء الطالع ، فمن سوف يتذكر ما قالوه من خزعبلات بعد سنة ؟ من هنا فإن العودة إلى بعض توقعات أولئك الرجال والنساء الذين تجرأوا على العقل العربي المتعطش للخرافة،وقراءة المستقبل بطريقة خاطئة كليا، يمكن ان يقودنا إلى فهم هذه الظاهرة التي سوف نراها قريبا على شاشاتنا ، بل ربما بدأت قبل أيام من نشر هذا المقال.

الاعتماد الأول أن ذلك ( المنجم) يحاول أن يستشف من الأحداث التي حوله شيئا من التوقعات ، كان يقول إن ( عمليات إرهابية كبيرة سوف تقع)! وهل هذا شىء غير متوقع؟ أو فيه أي مفاجأة ! طبعا لا، ولكنه يحيط كلامه بالكثير من شبه الأسرار والكلمات التي ليس لها معنى فى أثناء بحثي في تلك الشرائط ( شكرا للتقنية الحديثة فهي تحتفظ بكل تلك الشرائط التي قالها أولئك المنجمون وقراء الطالع) وجدت أن معظمها قول لا أساس له، وتعميم مبهم وتخريف لا قبله ولا بعده. دعوني أنقل بعض ذلك ..

إحداهن قالت ( سوف تُكتشف شبكة جاسوسية كبرى في مصر عام 2015 ) ولما سئلت عن التفاصيل قالت أحتفظ بها لنفسي ، وقالت عن سنة 2015 إنها سنة ( ليست سهلة) لماذا؟ لأن ( المريخ وبلوتو ) من النجوم الصعبة ( الدخول في الغموض) ثم تُكمل: إن هناك أعمال عنف سوف تقع في هذا المكان وذاك (وهي أماكن اقتصادية و حدودية) لا تحتاج إلى منجم يقرأ الطالع ليتوقعها. و في شريط آخر لمنجمة لها شهرة، من بين ما يقول الشريط ( وفاة ثلاث شخصيات عربية كبيرة عام 2015) ثم يسأل المذيع بسذاجة منهم؟ تقول: لا لن أذكر الأسماء ، ولكني بعد التسجيل سوف أذكرهم لك هنا لإعطاء المشاهد جرعة من التشويق ،التي يبحث عنها كل من المُنجم و مقدم البرنامج ، وربما المشاهد ؟ ما يجب التفكير فيه أن حُب معرفة المستقبل هو إنساني وطبيعي ، الاختلاف في الطريقة التي من الواجب التفكير فيها للنظر الى المستقبل.
عرب 2016 لن يختلفوا كثيرا عن عرب ،2015 لان المعطيات نفسها لا تختلف .

"الأهرام"