الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٣٧ صباحاً

سقوط طائرة سيناء و11 سبتمبر الروسي

ياسر الزعاترة
الاربعاء ، ١١ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٥:١٨ مساءً
يس من العسير القول إن قصة الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء قد استعادت حكاية هجمات 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة قبل 14 عاما. لا أعني من ناحية المخطط والتنفيذ والهدف، بل لجهة أبعاد أخرى أهمها ردود فعل الشارع العربي والإسلامي. ولنكن أكثر دقة، والمعذرة للتنصيف الضروري، فنحن نتحدث عن الغالبية الساحقة من المسلمين باستثناء الشيعة الذين تتبع غالبيتهم إيران أينما توجهت، ولو وقفت مع الشعب السوري ضد «بشار الأسد»، لوقفوا معها، ولقالوا إنها تفعل ذلك استجابة لنهج سيدنا الحسين في الوقوف مع الأمة ضد الطغاة!!

لا فرق من الناحية العملية بين هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، وبين تفجير الطائرة الروسية، بفرض أنها فُجرت فعلا من قبل ولاية سيناء التابعة لتنظيم «داعش»، وهو التفسير الذي شبه مؤكد، فالهدف في الحالتين يتمثل في مدنيين (استهداف البنتاغون كان استثناء في هجمات أيلول)، وقد يكون من بينهم مسلمون (في روسيا ما يقرب من 14% من السكان مسلمون)، لكن الموقف في الحالتين، ورغم إشكالاته من الناحية الشرعية تبعا لما ذكرنا ووجود عدد كبير من الأطفال، وربما إشكالاته السياسية لجهة التداعيات بحسب قراءة البعض، إلا أن الفرح بالهجمات، وأقله عدم الاعتراض عليها كان واضحا، كما عكست ذلك بعض مواقع التواصل الاجتماعي في الحالة الراهنة، وكما لمسها الجميع إثر هجمات أيلول قبل 14 عاما أيضا.

في عام 2001، كانت انتفاضة الأقصى في ذروتها، وكان حصار العراق بطبيعة الحال، وعلى هذه الخلفية، ومعها السيرة الأمريكية في التعامل مع قضايا أمتنا، كانت أمريكا هي العدو الأول بالنسبة للمسلمين، ولم يكن ثمة فارق أبدا بينها وبين الكيان الصهيوني، ومن هنا كان الفرح باستهدافها في رمزيها الاقتصادي والعسكري.

في حالة الطائرة الروسية تكرر المشهد بذات الحرفية تقريبا، بل ربما على نحو أكثر وضوحا وحسما، ففي حين سمعنا فعاليات إسلامية بلا حصر تستنكر هجمات الحادي عشر من أيلول لاعتبارات عديدة، لم نلحظ أي استنكار يذكر في الحالة الروسية الأخيرة، حتى من تلك الأوساط التي لا ترى شرعية دينية ولا حتى سياسية لاستهداف طائرة مدنية روسية.

حدث ذلك بطبيعة الحال بسبب العدوان الروسي على الشعب السوري، وشاءت الأقدار أن يأتي سقوط الطائرة متزامنا مع قصف مركّز للطائرات الروسية لمدينة حلب خلال الساعات الأربع والعشرين السابقة على الحادثة؛ قتلت وجرحت المئات من الناس، بمن فيهم أطفال ونساء، الأمر الذي يتكرر بشكل يومي. ووصل الأمر حد الترحيب بالحادث من قبل أقوام لم يعرف عنهم النهج المتشدد، وكتب بعضهم أن على روسيا أن تذوق بعض المر الذي تذيقه للشعب السوري.

قبل ذلك كنا قد سمعنا دعوات لاستهداف المصالح الروسية، مع تسابق من قبل فصائل الثورة السورية لإطلاق التهديدات ضد الغزاة الروس، فيما تحوّل «بوتين» إلى رمز العداء الأكبر بالنسبة لغالبية المسلمين، تماما كما كانت أمريكا 2001 (الكيان الصهيوني حاضر دائما). ووصل الحال حد الاحتفال بمقتل جندي روسي قيل إنه انتحر في قاعدة روسية باللاذقية، والتحفز لسماع أي خبر عن الروس، بما في ذلك تداول الناس على نطاق واسع لخبر طائرة أسقطت لهم لم تثبت صحته.

وفيما كانت نتيجة هجمات أيلول في الولايات المتحدة هي إطلاق موجة جنون «بوشية» أوصلته إلى أفغانستان والعراق وكلفت أمريكا تراجعا على كل المستويات، فإن التورط الروسي قد لا يختلف كثيرا، وإن جاء بلا سبب مقنع، فلم يكن ثمة استهداف لروسيا يدفعها للدخول في هذه الموجة من العداء مع الأمة، بل إنها هي من سام مسلمي الشيشان سوء العذاب.

من الصعب الجزم بتداعيات التدخل الروسي في سوريا، لكن المرجح أن يفضي إلى خسائر كبيرة تضاف إلى كسب عداء مليار وثلث المليار من المسلمين، بمن فيهم مواطنون في الاتحاد الروسي وأضعافهم من سكان دول آسيا الوسطى ذات الصلات القوية بالاتحاد الروسي، وهي (أي روسيا) ليست بقوة الولايات المتحدة عام 2001 كي تتحمل خسائر المواجهة، حتى في شقها الأبسط ممثلا في كلفة الجهود الأمنية الرامية لمنع هجمات مسلحة ضد مصالحها في الداخل والخارج.

خلاصة القول هي أن «بوتين»، وكما فعل «بوش»، يورط بلاده في عداء مع أمة حية، ولها ثقلها في العالم، وسيدفع ثمن ذلك غاليا، وذلك من أجل مكاسب لا تذكر إذا ما قورنت بالخسائر الكبيرة المحتملة. إنه غرور القوة الذي تلبّسه، تماما كما تلبّس حلفاءه من ملالي طهران، فأكسبهم عداء غالبية الأمة أيضا، ومعه نزيف اقتصادي، يتبعه الآن نزيف بشري أيضا.

"الدستور الأردنية"