الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٥ مساءً

آل الأحمروعلي عفاش وخيارات اللحظة التأريخية!!!

د . عبد الملك الضرعي
الأحد ، ٢٧ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
ما يحدث اليوم في صنعاء وبالتحديد في حي الحصبة وأحياء لم تكن معروفة إعلامياً مثل حي صوفان والنهضة ، سيدونه التاريخ مصحوباً بأحداث تعز وأرحب ونهم وأبين وبقية المناطق التي تدور فيها المواجهات ، ولكن ما سوف نسلط عليه الضؤ طبيعية المواجهة في مناطق شمال الأمانة مع أنصار آل الأحمر.

إن أسرة آل الأحمر من الأسر التي تميزت بأدوار ملحوظة في تأريخ اليمن الحديث والمعاصر، حيث شهد القرن العشرين على سبيل المثال وقوفهم في مواجهة الأئمة من آل حميد الدين ، ولتلك المرحلة شواهد من الصراع والتوافق والمعارك والهدن والوساطات ، وما نشهده اليوم لايختلف كثيراً عن ماشهدته مراحل سابقة من التأريخ ، وما يختلف عن السابق أن مكان المواجهات كان غالباً في مناطق حاشد القبلية الريفية ، أما المعركة التي تدور رحاها الآن فتدور في أهم المركز الحضرية وعاصمة الدولة (صنعاء) ، لذا فصورة المواجهات التي كانت سائدة في الجبال والوديان والقرى ، أصبحت اليوم تدور في شوار وعمارات شاهقة وأحياء تكتض بالسكان ، كما أن المواجهات كانت تتم وسط سكان جميعهم من مكون قبلي واحد ، واليوم تسير المعارك وسط أحياء يسكنها يمنيون من مختلف المحافظات بل وقادمون من دول أخرى ، لقد كانت المعارك تجري ولايعلم نتائجها المباشرة إلاَّ القريبين من ساحة المعركة ، بينما اليوم يشاهد العالم أول بأول عبرشاشات التلفاز كل النتائج على الأرض وبالتالي من الصعب على أي طرف أن يغالط ولايظهر الحقيقة ، فالصورة أصبحت الشاهد المباشر لنتائج المعارك.

أما على عبدالله صالح عفاش ، ولقب عفاش هواللقب الحقيقي لعلي عبدالله صالح من خلال إفادة أبناء منطقته أو تسمية أحد أبناء العائلة بهذا الإسم تخليداً للقب الأسرة ، ومن ثم من ينسبه إلى آل الأحمر غير صحيح ، علي عفاش حكم اليمن لفترة تصل إلى ثلث قرن ، وتلك الفترة كبيرة من حيث البقاء في الحكم لشخص واحد ، وتؤكد على قدرة صالح في إدارة التوازنات السياسية خلال عقود ، وفي مجتمع متنوع قبليا وثقافياً وسياسياً ، واستمراره في السلطة لتلك الفترة تحسب له ، على الرغم من أنه ينتمي إلى أسرة متواضعة ليست من الأسر المعروفة في اليمن .

إن الصراع في منطقة الحصبة على وجه الخصوص يمثل إمتداداً لصراعات سابقة بين آل الأحمر وحكام صنعاء ، وبالرجوع إلى مرحلة ما قبل ثورة 26سبتمبر الخالدة ، سنجد أن الصراع بين آل الأحمر وآل حميد الدين إنتهى بنجاح ثورة سبتمبر ، ولكن بعد مواجهات إستمرت لعقود خسر فيها آل الأحمر الكثير من الأرواح والممتلكات ، بل دفعت أسرة آل الأحمر أبرز رموزها القبليين عندما أعدم كلاً من الشيخ/ حسين بن ناصرالأحمر والد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ، وكذا أخوه/حميدبن حسين الأحمر ،ثم إعتقل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وظل في السجن ثلاث سنوات حتى قامت ثورة 26سبتمبر،يضاف إلى ذلك تدمير ممتلكات ومنازل آل الأحمر في حاشد ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، حيث تشير بعض المصادر إلى أن الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين واجه رفضاً شعبياً قاده حينها آل الأحمر، مما أضطره للعودة من رحلته العلاجية في إيطاليا ، وعندوصوله إلى الحديدة خطب خطاباً نارياً أقسم فيه(بأنه لن يدع أحمراً ولا أخضر إلاًّ وأحرقه) ، الشاهد في الحدث السابق أن الأمر تقريباً تتكرر بعض مشاهده في المواجه الرهنة بين الرئيس صالح وآل الأحمر(فالرئيس علي عبدالله صالح بعد عودته من رحلته العلاجية في السعودية ، حاول حسم خلافه مع آل الأحمر عسكرياً من خلال الهجمات المباغته لقوى النخبة التي يديرها أولاده وأولاد أخيه ، بل وإن صح التسجيل الصوتي المنسوب إليه المتعلق بتدمير مناطق سيطرة آل الأحمر فإن ذلك يكمل سيناريو خطاب الإمام أحمد في الحديدة) ، لذلك وعلى الرغم من إعدام أبرز رموز آل الأحمر وسجن البقية إلاًّ أن الأئمة من آل حميد الدين لم يفلحوا في كبح جماج الثورة الشعبية ، التي إنتصرت بتعاون مختلف شرائح المجتمع اليمني بما فيها بعض المقربين من آل حميد الدين .

إن الوقائع التأريخية تشير إلى صعوبة القضاء على الإرادة الشعبية، لأن إرادة الشعوب من إرادة الله سبحانه وتعالى ، وما يحدث أن الشعوب في مواجهة الأنظمة الإستبدادية تنتصر في النهاية ، وإن دفعت الألاف من فلذات الأكباد، لأن الشعور الجمعي لأفراد المجتمع يرى في التضحية بالأرواح رمزاً لحب الوطن والدفاع عنه ، لذلك نرى مشاهدلأسر شهداء الثورة الشبابية الشعبية السلمية تستقبل خبر سقوط الأقرباء أحياناً بالزغاريد ورباطة الجأش وخاصة الأمهات والزوجات والبنات والأخوات .

أخيراً يمكن القول أن طبيعة المواجهات السياسية والعسكرية بين علي عفاش وآل الأحمر تمثل جزءً هاماً من المرحلة التاريخية الراهنة ،وماهو مؤكد أن خيار آل الأحمر في موقفهم الراهن من منظور تأريخي كان موقفاً صائباً كونه جزء من الخيار الشعبي العام الذي يقر التغيير السياسي ، يضاف إلى ذلك أن العمق والمدد القبلي لآل الأحمر يعطيهم قدرة غيرعادية على استمرار وطول نفس المواجهة ، بينما يفتقد الرئيس علي صالح عفاش إلى الإسناد القبلي المؤثر ، ومن ثم فالتوقعات المستقبلية لهذه المرحلة بأطرافها القبلية والسياسية تؤكد على حقيقة هامة تلك الحقيقة أن التغيير السياسي أصبح خياراً لارجعة فيه ، وأن طول الوقت يؤدي إلى خسائر مستمرة للرئيس صالح سياسياً وعلى الأرض في مقابل تمدد القوى الثورية بما فيها آل الأحمر، كما أن صالح يخسر كل يوم المزيد من الأنصار بينما تكسب ثورة الشباب الشعبية السلمية الكثير منهم ، ومن ثم يمكن القول أن النتيجة التأريخية مهما طال الزمن ستكون في صف التغييربألياته السياسية أو العسكرية ، وذلك سيعني أن خيار آل الأحمر في آخر المطاف سيكون خياراً صائباً ، بينما سيكون خيار صالح والقبائل المتحالفة معه خياراً غير صائب ، لذا سنرى تلك القبائل تعيد النظر في تحالفها مع القوى المؤيدة للثورة ، ولكن في اللحظة التي ترى فيها تلك القبائل تراجع مصالحها مع حكم صالح وتصاعد المد الثوري ، وهو ماحدث بالضبط بعد ثورة سبتمبر الخالدة في المحافظات الشمالية ، أي أن تلك القبائل ستعيد ترتيب أوراقها وفق تحولات المشهد السياسي الجديد ، ويشكل توقيع علي عبدالله صالح عفاش على المبادرة الخليجية نهاية فعلية لمرحلته التأريخية ، حتى وإن حاول لعب أي دور من خلال إختراق المبادرة الخليجية أو محاولة التأثير في مسار العملية السياسية إعتماداً على نفوذ بعض القوات التي لاتزال بيد العائلة فإن ذلك لايمكن أن يعيد الأمور إلى ما قبل توقيع المبادرة الخليجية ، نرجوه تعالى أن يعصم دماء اليمنيين ، وأن يعجل بفرجه ، إنه على ما يشاء قدير.