الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٠٦ صباحاً

تحويل السنّة إلى طائفة؟

ياسر الزعاترة
الاربعاء ، ١٧ يونيو ٢٠١٥ الساعة ١٢:٠٤ مساءً
تاريخيا، لم ينظر السنة إلى أنفسهم على أنهم طائفة تخشى على وجودها أو مذهبها، بل اعتبروا أنفسهم الأمة التي تحتضن جميع الفئات، سواء كانت أقليات ضمن الدائرة الإسلامية نفسها، بصرف النظر عن الموقف من مفردات اعتقادها، أم كانت من طوائف أخرى تصنف ضمن دائرة الكفر، تماما كما يصنف أصحابها المسلمون وربما الأديان الأخرى ضمن دائرة الكفر أيضا.

حدث ذلك، ليس لأن السلطة السياسية كانت سنية كما يذهب الطرف الآخر، فقد حدث مرارا في التاريخ أن كانت السلطة في مناطق عديدة شيعية (جعفرية أو إسماعلية)، لكنها لم تتمكن في الغالب من ترجمة ذلك تغييرا يُذكر في معتقدات الناس، أو تهديدا لمذهب الغالبية.

حدث ذلك لأن الرواية السنية للدين كانت الأقرب للمنطق الذي ينسجم مع ضمير الناس، سواء في العنوان الديني، أم في العنوان السياسي، وهي (الرواية السنية) لم تشعر يوما بأن عليها أن تثبت خطأ الرواية الأخرى لكي تعيش، بينما كان الإقناع في الطرف الآخر قائما على تسفيه رواية الغالبية، ومن ثم الصدام معها، واستعادة ثارات التاريخ كما لو كانت جزءا لا يتجزأ من الدين، أي تحويل السياسة وتقلباتها إلى جزء لا يتجزأ من أصل الدين.

مع أن السياسة أصلا ليست من أركان الإسلام على الصعيد الفردي، ويمكن للمرء أن يعيش ويموت على الإسلام في مكان ليس فيه مسلمون، ويدخل الجنة، من دون أن يدخل في جدل من الأحق بالخلافة (أبو بكر أم علي)، أو يلعن يزيدا كل ساعة لأنه قتل الحسين (وربما السنة جميعا)، لأن دين الله كان مكتملا قبل يزيد وقبل معاوية وقبل الحسين، ولا تسأل بعد ذلك عن نص القرآن الصريح على أن "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" (البقرة 141).

حتى عندما اقتتل الصفويون والعثمانيون قبل حوالي أربعة قرون، كان الأمر في الوعي الجمعي أقرب إلى صراع إمبراطوريتين، منه إلى صراع مذهبين، لكن المشهد اليوم يبدو مختلفا، إذن ثمة من يدفع السنة دفعا إلى التصرف كطائفة تدافع عن نفسها رغم كونها تمثل الغالبية الساحقة من أبناء الأمة الإسلامية، الأمر الذي لم تفعله من قبل.

بل إنني أقول دون مبالغة إن قلة قليلة في أوساط الغالبية هي من كانت تكفر الشيعة، بينما الغالبية على غير ذلك، ولم تكن تراهم خطرا على مذهبها (وهو متنوع بطبيعة الحال)، ونتذكر هنا كيف فرحت غالبية الأمة بالثورة الإسلامية في إيران من دون السؤال عن تفاصيل معتقداتها، ولا عن دستورها المذهبي.

لا أتحدث عن الأنظمة التي تقيس مصالحها بمنظور مختلف، وقد يكون موقفها من هذا الملف مختلفا عن ملف آخر، وإنما أتحدث عن الغالبية الساحقة من أبناء الأمة، والتي هي ذاتها من بدأت تنظر إلى أنفسها كطائفة مهددة، وبالطبع بعد أن أصبح قادة إيران يتبجحون بأنهم احتلوا أربع عواصم عربية، فيما تتيح لهم بعض الظروف -إذا لم يتم التصدي لهم- أن يتمددوا في أماكن أخرى، ما داموا يرون أن دولتهم أصبحت الوصية على المذهب وأتباعه، توجههم حيث تشاء.

لم يحدث أن كان للمسلمين السنة في المراحل الأخيرة دولة تعبر عنهم، بل كان ضميرهم الجمعي هو العنوان، وهو البوصلة، مع حشد من العلماء الصادقين، لكن الشيعة كان وضعهم مختلفا بعد ثورة الخميني، إذ أريد لهم أن يعيشوا في أوطانهم كأنهم رعايا لإيران، وليسوا مواطنين في بلدانهم، إلا بما تمنحهم الميزات التي يريدون.

ناقشني أحدهم على تويتر متحديا أن أدين تفجير القطيف في مسجد شيعي، مع أنني كنت قد فعلت، فرددت عليه مؤكدا الإدانة، لكنني حين طالبته في المقابل أن يدين دموية بشار الأسد، وعدوان الحوثيين بالتعاون مع المخلوع في اليمن، ذهب ولم يعد، وهو أمر شائع، إذ إن ما تفعله إيران برأي هؤلاء هو الصواب، باستثناء آراء لأقلية لا يُعتد بها كثيرا، وإن كنا نتمنى أن تتسع بمرور الوقت.

بعدوانها في العراق (عبر التهميش والإقصاء الذي مارسته أدواتها)، وعبر دعم دموية بشار وعدوان الحوثي، دفعت إيران السنة إلى التصرف كطائفة، بل ربما كقبيلة تدافع عن نفسها ضد الإبادة، وأقله ضد التركيع، وهي مسألة خطيرة من جهة، لكنها مفهومة من جهة أخرى، فالمظلومون يتشبث بعضهم ببعض عند الحاجة، وهي في الحالات الراهنة يواجهون الكثير من الظلم، ومن الطبيعي أن يلتحم بعضهم ببعض لردع الظلم ورد العدوان، وبعد ذلك، لكل حادث حديث، من دون أن ينفي وجود بعض منهم تتفوق عندهم القومية على المذهب، كما هو حال الأكراد، والذين يقابلهم العرب الشيعة في الأحواز بإيران.

هي ظاهرة خطيرة بكل تأكيد، والسبب أنها تدفع الحرب المذهبية نحو مدياتها الأبعد، بما ينطوي عليه ذلك من دمار ومعاناة للجميع، وتخدم العدو الأكبر، وهو الكيان الصهيوني ومن ورائه أميركا والغرب، لكن المسؤول الأكبر هو من أطلق هذه الحرب المجنونة، وهو إيران، وليس من هبوا يدافعون عن أنفسهم وبيضتهم، بالتعبير الشهير.

ويبقى أن التعايش كان وسيبقى ممكنا، بصرف النظر عن الموقف الفكري أو الديني، بدليل نجاح التعايش مع أقليات لا خلاف على تكفيرها من قبل المسلمين، ولا تكفيرها هي أيضا للمسلمين، أعني التعايش داخل الدولة الواحدة، والتعايش على صعيد الدول أيضا.

"الجزيرة نت"