أصدر مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية دراسة للحركة النسوية في اليمن أثار كثيراً من التساؤلات والانتقادات من عدة جهات معنية وغير معنية تطرف البعض في نقدها حد الشتم وتطرف البعض الاخر في مدحها حد التسليم الكامل بكل ما ورد فيها من معلومات وتحليل وإذ أبدأ في تناولي لهذه الدراسة أجد أنه من الانصاف أن أشيد بالجهد المبذول فيها والمعلومات التي لا شك قد بذل فيها فريق العمل جهدا ليس سهلا غير أن كل الأعمال يعتريها النقص وفي هذا العمل رغم الجهد الكبير في جمع البيانات وتتبع الأحداث إلا أن لي عتباً على طريقة التحليل التي انتقدها على عجل في هذه المقالة وأشير إلى أن قدرة المؤلف اللغوية قد خانته كثيرا في محاولته إيصال فكرته سواء من حيث استخدام ألفاظ في غير محلها يفهم منها القارئ ما لا يريده الكاتب أو من حيث استخدام ألفاظ ركيكة أحيانا وعامية أحيانا أخرى لم يكن في حاجة إليها غير أن حدود مقدرته هي التي ألجأته إليها .
ونبدأ بقراءة المقدمة إذ إن فيها الكثير من مقاصد الدراسة بل ربما تختزلها ويبدو أن فكرة الكتاب الاجمالية قد اختصرت كمقدمة ومؤخرة عرضهما الكاتب بشكل مقتضب ومركز .
الكاتب في المقدمة يقسم العالم الى قسمين يعبر عنهما بـ (الدول المتقدمة و الدول المحافظة) وفي هذا التقسيم دلالة عميقة على إحساس الكاتب بأن الدول المحافظة ليست متقدمة وهو تقرير غير صحيح إذا ما قرأناه على صعيد الواقع غير أنه يفيدنا في طريقنا لمعرفة نفسية الكاتب التي ينطلق منها شاعرا بالعداء (المحافظ) نحو العالم (المتقدم) الذي يحاول أن يفرض (قيمه) على العالم المحافظ (المتخلف) على اعتبار أن مفردة التخلف هي المفردة المضادة لمفردة تقدم ويبدأ الكاتب بتعريف قضية المرأة باعتبارها : ( جزءاً من العقلية "العلمانية" وآلية من آليات عملها في تشكيل المجتمع وصياغته بعيداً عن الدين.) ومن هذا التعريف نعرف أن الكاتب سيتناول قضية المرأة من حيث علاقة الدين بالعلمانية أو العكس وهما العدوان اللذان لا يفتآن يزجان بالمرأة في خلافاتهما يحاول أنصار كل من الاتجاهين أن يظهر اتجاهه في المستوى المثالي من تناول قضايا المرأة وحل مشاكلها ولعلنا في ثنايا هذه الدراسة سنلحظ وجود مشكلة لدى الكاتب حيث يخلط بين الفكر الليبرالي وبين النتائج العملية للنظام الرأسمالي والثقافة الناتجة عن نظام الفرد المقدم على المجتمع في النظرية الرأسمالية ولا يستعرض الكاتب الفرق بين الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية والأخرى التي قامت عليها الرأسمالية على اعتبار أن كلا من النظريتين قد أدتا بشكل أو بآخر إلى السير بالمجتمع نحو التفكك ورفض نظام الأسرة - وسنعرض لهذه المسألة في حينها - ثم يطرح الكاتب أن ثمة (مخططاً) يهدف إلى افتعال أزمة بين المرأة اليمنية وبين المجتمع وهي فكرة غير جديدة خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن نظرية المؤامرة غير حديثة النشأة وأن لها أنصارا في كل المجتمعات وإزاء كل القضايا ويقرر الكاتب أن الحكومة تتعاطى مع قضية المرأة كـ (دعاية ترويجية تهدف من ورائها الحكومة "التكسب المادي" عبر الهبات والمعونات التي تمنح لها في هذا الصدد، فهي للاستهلاك وليست للتطبيق!! ) وعلامات التعجب هذه خاصة بالمؤلف.
ثم يشير المؤلف إلى أنه ( ورغم كل مؤشرات الخطر التي تعلنها الدراسات والأبحاث التي تنشرها مؤسسات رسمية محلية أو خارجية حول المرأة في بلادنا من حيث: الوضع الصحي، والتعليمي، والعنف الممارس عليها، والظلم الذي يرتكب في حقها، والتحرش والاعتداء الجنسي المتزايد، وحوادث الخطف والاغتصاب، وزيادة الأسر التي لا عائل لها، وقضايا الأحداث من البنات، وحالة التفكك الأسري، وارتفاع معدلات الطلاق، بل والوفيات بين النساء....!! إلا أن جهود المؤسسات والمنظمات النسائية منشغلة باتجاه نشر المفاهيم والقيم الدخيلة على المجتمع، والتي لا تناسب بطبيعتها - مهما بلغت- طبيعة وظروف وبيئة المجتمع اليمني والمرأة اليمنية) وأنا أسأل الكاتب إذا كانت كل تلك التقارير صادرة عن هذه المؤسسات وتشير إلى كل هذه (المشكلات) فكيف أمكنك أن تقول" إلا أن جهود المؤسسات والمنظمات النسائية منشغلة باتجاه نشر المفاهيم والقيم الدخيلة على المجتمع " ! وكيف تغاضيت عن عدة قضايا في المحاكم مرفوعة بسبب قضايا اغتصاب واضطهاد ومواريث تتبناها هذه المؤسسات ودراسات تكلفها الكثير من الجهد والمال إزاء معالجة القضايا وندوات لنفس الغرض تخرج بحلول لا تخرج بعيدا عن قيم المجتمع .
وما هو دوركم كمركز دراسات إزاء ما يحدث على مستوى الأحداث الفردية من حوادث متزايدة من اغتصاب جنسي أو غصب حق مادي أو زواج الإكراه كل هذه الأمور التي تعد أمورا مستهجنة على الصعيد العام وأصبحت سائغة على المستوى الخاص حتى صار بوسع المتأمل منا أن يدرك الانفصام المجتمعي بين القناعات الجماعية والتصرفات الفردية ورغم ذلك لا أحد يهتم بدراسة هذا رغم خطورته على الوعي المجتمعي ودوره في خلخلة القناعات .
وبعد أن ينتقد الكاتب ما تقوم به "المؤسسات" من نشر لقيم مخالفة لقيم المجتمع وانشغالها بعيدا عن جذور المشكلة الحقيقية التي لم يحددها بعد يخلص إلى نتيجة " ولهذا ورغم كل الجهود التي بذلت فإن المرأة كما تشير الإحصائيات الرسمية وبعد جهود أكثر من أربعين سنة من قيام الثورة ونيل الاستقلال لم تحقق شيئاً ذا بال يذكر! لا على صعيد الحكومة ولا على صعيد المجتمع المدني ولا على صعيد الشارع!".. ويختم الكاتب مقدمته بأمله في أن تجد هذه الدراسة صداها على الصعيد الرسمي والنخبوي وعامة المجتمع . والحقيقة أنها دراسة جديرة بأن يكون لها الصدى المناسب من مختلف الاتجاهات المؤيدة والمخالفة كل بما يراه فالجهد المبذول والمعلومات المقدمة لا يجب أن يمرا بهدوء وإن حدث فإن ذلك سيكون شاهدا على حالة من الغياب النخبوي وانعدام المصداقية لدى كل الأطراف المعنية خاصة والكاتب قد تحدث عن جهات وأسماء بعينها وإن بدا غير حصيف في الكثير من مواضع الدراسة غير أن الخاتمة التي اختتم بها تجعله أقل رغبة في الصدام بقدر ما بدا في ثنايا الدراسة ونبدأ بقراءة العنوان الأول في الدراسة " نشأة الحركة النسوية في اليمن" الذي يفترض أن يكون إجابة على العنوان الذي جاء على شكل سؤال ما هي الحركة النسوية؟ خلص في إجابته إلى إنها حركة ثورية تغييرية تهدف إلى تحطيم البدهيات العقلية والمسلمات الفطرية والمشاهدات الحسية في جانب المرأة، بما يخدم انحلالها أخلاقيا ومن ثم استغلالها جنسيا واقتصاديا، معتبر انتشار مفهوم قضية المرأة كنتاج (رد فعل) للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية مطلع القرن الماضي ويقسم هذه الحركة - بحسب رأي اقتبسه- إلى فريقين باعتبار الفترة الزمنية الأول ينقل تقديس الله إلى تقديس الإنسان وبالتالي تقديس الفرد على حساب المجتمع وتؤدي هذه المقدمة إلى عدة نتائج كلها مخالفة للمفهوم الإسلامي للعلاقات فيما بين شركاء لوجود في هذا الكون .. والثاني أكثر صداما ، فكل شيء ما هو إلا تعبير عن موازين القوى وثمرة الصراع المستمر، والإنسان هو مجرد كائن طبيعي يمكن رده إلى الطبيعة المادية، ويمكن تسويته بالكائنات الطبيعية، مؤكدا أن الاتجاه الحديث يتعامل مع الإنسان باعتباره وحدة كمية (مجرد شيء)لا علاقة له بقيمة أو بأسرة أو مجتمع أو دولة أو مرجعية تاريخية أو أخلاقية، هو مجموعة من الحاجات (المادية) البسيطة المجردة. على اعتبار أن الفرد هو الشكل الطبيعي للحياة وله الأحقية على المجتمع الشكل غير الطبيعي مذكر بنظرية داروين حرب الكل ضد الكل حيث يرى المؤلف أن هذه الأفكار التي زج بها في ثنايا دراسته هي الأصل التاريخي للحركة النسائية إضافة إلى تفاصيل أخرى كلها لا علاقة لها بالحركة النسائية بقدر ما هي عرض لبعض تفاصيل صراعات فكرية بين مدارس فكرية غربية لا يمكننا أبدا أن نعتبر هذا الصراع مجرد تمثيلية تندرج في المؤامرة الكبرى ضد الإسلام (وديار المسلمين) ولم يكن داروين يعمل في حسابه تأسيس منظمة مجتمع مدني في الجمهورية اليمنية لتعمل على الترويج لنظرية التطور ولا أجد اهتماما لكاتب غربي أو باحث يتبنى فكرة ما بأن يغير من نظرة سكان جنوب الجزيرة العربية نحو الكون والحياة ، وبعد تعريج الكاتب على الفرق بين مسألتي تحرير المرأة التي هي تحقيق العدالة للمرأة يخرج إلى فكرة التمركز حول الأنثى الصدام بين الجنسين وإدارة المرأة ظهرها للرجل مولدة فكرة سوبر وومن مختزلا كل هذا الصراع في فكرة سخيفة هي فكرة (السحاق) وتمييع فكرة الإله كنتجية نهائية لكل هذه المقدمات الفكرية والصراعات بين المدارس والرؤى (التعبير النهائي عن الواحدية الصلبة ونصل إلى حالة من الواحدية الأنثوية الصلبة والتمركز اللاإنساني حول الذات الأنثوية، وإلى نهاية التاريخ المتمركزة حول الأنثى، وتسود الواحدية السائلة التي لا تعرف الفرق بين الرجل والمرأة أو بين الإنسان والأشياء. وتتم الإشارة إلى الإله في مرحلة الواحدية السائلة هذه لا باعتباره "هو أو هي" إذ يصل الحياد قمته والسيولة منتهاها، فيشار إليه، كما ورد في إحدى ترجمات الإنجيل الأخيرة، باعتباره ذكرًا أو أنثى أو شيئًا. فالإله هو (he/she/it)!) ومن خلال النتيجة التي خلص إليها نرى أن الكاتب تمركز في النهاية حول فكرتين أساسيتين هما فكرة الجنس وفكرة الإله -اللتين أشرت إليهما قبل قليل - وتركز جهده في الدفاع عن رؤية الدين و (قناعة المجتمع) باعتبارهما الركيزتين الأساسيتين بينما يغفل بقية القضايا التي ذكرها في ثنايا العرض من إعادة تقرير ألفاظ اللغة وإعادة كتابة التاريخ وتعديل الكتب المقدسة غير القرآن والقراءة المفتوحة للأشياء بما يتوافق مع رؤية الجنس الواحد أو الشعور المحايد واهتم بتبرير نظرية الصدام الحتمي بين الذكر والانثى الأمر الذي يستلزم إعادة ممارسة الحياة (التجريب) بلا خلفية تأريخية أي بلا تقيد بالتراث الديني والتخلي عن تعاليم الدين التي تعتمد على التلقين المتوارث عن طريق الأسرة وبالتالي جعل مفهوم الإله عرضة للأخذ والرد بما يتوافق مع الحالة النفسية لأساطين مدارس الجندر ثم يستعرض مسألة طغيان الحساب الكمي (لغة الأرقام) في تقدير العمل الإنساني على الحساب النوعي (لغة المعاني) مما يؤثر بدرجة أساسية في طريقة تعامل الإنسان مع واجباته الإنسانية التي كان يؤديها مقابل مردود معنوي كالأمومة مثلا وقبل أن يقدم مادة علمية عن لب العنوان الذي صدر به هذا القسم من الدراسة الذي كان الحركة النسوية في اليمن يخرج إلى موضوع آخر بعنوان اتجاهات الحركة النسوية قاسما إياها إلى قسمين الأول ليبرالي والثاني ماركسي يتفقان من حيث رفضهما للدين وتوجيههما للمرأة خارج أطر التأريخ المنطقية - من وجهة النظر التي يتبناها أو تتبناه - ويتميز الاتجاه الليبرالي بأنه امتداد للثورة الفرنسية وقابل لاحتواء كل الحركات النسوية ويعمل على المدى الطويل عن طريق تغيير القوانين المميزة بين الجنسين - وهو ما عبر عن أسفه في نجاح هذا الهدف حين تبنى الدستور مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات العامة دون تمييز بين الجنسين- وتغيير الوعي الديني عن طريق التعليم ونعود هنا إلى الفكرة الأولى التي قرأناها في عرضنا لمقدمة الكتاب وهي أن الدراسة تهتم بقراءة الحركة النسوية من ناحيتين أساسيتين هما الدين والجنس ونلاحظ أن الدراسة تعرض كلا من الاتجاهين كمدرستين قائمتين على أساس التخطيط لزرع عداء للمرأة مع الدين وإفشاء الاباحية الجنسية ولا شيء أكثر من ذلك ربما لأن موضوع الدراسة لا يتعدى هذين الموضوعين وربما أيضا لأن ثقافة معدي الدراسة لا تخرج عن هذين الخطين الجنس والدين وفي كل الأحوال هي قراءة ناقصة لموضوع كبير واختزال غير عادل وقراءة من زاوية ضيقة لا يمكن أن يرضى منصف بأن يبني عليها نتائج نحاكم بها موضوع الدراسة .
وتحت عنوان نشأة الحركة النسوية العربية يقول: بدأت الحركة النسوية في عهد الاستعمار وظهرت كتيار مناهض له وكجزء من النضال الوطني (!!)، في الوقت الذي كانت تستقي قيمها وأفكارها وآلية عملها من خلفية المستعمر الثقافية والحضارية المادية! وقد تأسس الاتحاد النسائي العربي عام 1944م في القاهرة بزعامة هدى شعراوي، وذلك بعد ست سنوات من انعقاد أول مؤتمر للنساء العربيات في بيروت عام 1938م.(2)
وكانت مصر تحمل ريادة هذه الحركة إلى أن وقعت معاهدة السلام مع إسرائيل في عهد أنور السادات في كامب ديفيد ثم زيارته لإسرائيل، حيث تراجع دور مصر إقليميا وعربيا، وانكمش الدور المصري في الحركة النسوية تبعا لذلك، واختلفت أطر عمل الحركة واتجاهاتها تبعا للنزاع العربي والخلاف السياسي القائم " نلاحظ أن الكاتب يقرر أن الحركة النسوية نشأت كتيار مناهض للاستعمار ويضع علامتي تعجب من كون الحركة النسوية جزء من النضال الوطني ولعل علامتي التعجب في الفقرة المقتبسة بعالية تدلنا على أهم معالم الأسس التي يبني عليها المؤلف تقريراته فهو لا يؤمن بأن تكون الحركة النسائية جزءاً من العمل الوطني لأنها في النهاية ليست سوى عملية مرادفة للاستعمار ونتيجة طبيعية لـ ( المؤامرة) التي تحاك ضد الوطن وبالتالي لا يمكن أن يكون لها دور وطني في مناهضة الاستعمار لأن (ملة الكفر واحدة) ثم يعود للإجابة على السؤال الأول بخصوص الحركة النسوية في اليمن قارئا لها من واقع المجتمع اليمني الذي تعد القبيلة ركنه الأساس والمتدين بشكل عام مستعرضا ماحدث من خلط بين عادات المجتمع وبين أحكام الدين والظلم الذي تعرضت له المرأة المصبغ بصبغة دينية والفتاوى التي حجرت الاجتهاد وقدست آراء الأفراد وأصبحت في مجملها هي التعبير الجمعي عن الدين ويثبت أن الكثير من الظلم تعرضت له المرأة من الأحكام التي اعتبرها دخيلة على الدين (ونشأ عن ذلك خطأ في تقدير وفهم دور المرأة في الحياة والإسلام وطبيعة علاقتها بالمجتمع وحقوقها الخاصة والواجبات المناطة بها، وترتب على هذا الخطأ سلوكيات سلبية ظلمت المرأة واغتصبت حقوقها الشرعية واضطهدتها وجارت عليها أو قصرت من دورها..!) والحق أن الكاتب متجرد في هذه النقطة بالذات حيث لم يمنعه تعصبه للماضي أن يحكم عليه بأنه غير نقي من العيوب ثم يقول (ورغم هذا الوضع، لم تنشأ في اليمن أي دعوة إصلاحية اجتماعية جذرية على مستوى الواقع العريض الذي عانت منه اليمن، عدا دور بعض العلماء المصلحين الذين لم يسعفهم المجتمع للقيام بواجب التغيير والتجديد، كأمثال الإمامين محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، والإمام محمد بن علي الشوكاني.) ثم يتحدث عن الأفكار التقدمية التي كان يحملها الثوار في شمال اليمن والتي يرى أنهم لم يستطيعوا تحقيقها بسبب الحرب الأهلية من جانب وبسبب الصراع على السلطة فيما بينهم من جانب ما أدى إلى بقاء الأهداف الفكرية مجرد حبر على ورق (فشل الثوار في تحقيق مبادئهم في الوقت الذي انتصروا فيه عسكريا، وبقيت القيم والعادات والتقاليد والموروث الإسلامي سائدا كما هو في عموم المجتمع. ومن ثم صراع الفصائل داخل التوجه الواحد غير أن الحركة النسائية في الجنوب أخذت بعدا آخر تماما بسبب الدعم السياسي والتوجه المؤيد رسميا فأصبحت المرأة متواجدة في كل مفاصل الدولة والحزب الأمر الذي جعل من الحركة النسوية مجرد توجه حكومي لا ثورة حقيقية ويستمر تعثر الحركة النسوية في اليمن إلى ما بعد الوحدة بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية ومن ثم الحرب ومن ثم وجود الاصلاح كشريك في الحكومة والبرلمان يحد من نشاط القوى(التغريبية) وطموح ذوي الاتجاهات الليبرالية الذين وجدوا أنفسهم في الحزب الحاكم ولكن دون أن يقدموا أي خدمة تذكر لصالح الحركة النسوية سوى محاولات هشة ولم تستفد الحركة النسوية من الوحدة كثيرا غير الفوائد النظرية من حيث وجود دستور مناسب لظهورها وبوادر اهتمام خارجي بها ضمن لاهتمام العام باليمن وبدأت مكاسبها الحقيقة بعد إقصاء الإصلاح من السلطة وتشكلت اللجنة الوطنية للمرأة عام 96 ثم أعيد تشكيلها عام 2000 ومن ثم شبكة مؤسسة المجتمع المدني للتنمية في اليمن التي جاءت بدعم من صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة ودخلت في عضوية الشبكة أحزاب ومنظمات وجمعيات خيرية منها جميعة الاصلاح وحزب الحق ورغم وجود حزب الحق ووجود جمعية الاصلاح التي تتبع حزب التجمع اليمني للاصلاح إلا أن الدراسة تشير إلى أن هذه الشبكة إحدى مكاسب الحركة النسوية العلمانية التي يعدها جزءا من مخطط يستهدف عقيدة الأمة وتماسكها الاجتماعي.
وفي بداية مبحث الاهداف المعلنة للحركة النسوية في اليمن يتهم الحركة بأن لها أهدافاً معلنة وأهدفاً غير معلنة وهو ما يمكن أن نحيله على عقيدة التقية الموجودة في التراث الإسلامي الشيعي والسني على حد سواء والتي يعتقد البعض أن كل الناس يمارسونها فيتبرعون كحالة صديقنا لاكتشاف ما هو غير معلن وإدانة الآخر بما لم يقل على أساس أن ما يقال شيء ولا بد أن يكون هناك ما لا يقال ( والحركة النسوية في اليمن لا تجرؤ على إعلان غاياتها النهائية والتي تشترك فيها مع الحركات النسوية في العالم الغربي، إلا بما يسمح به المقام في الزوايا (المغلقة) أو الملفات (السرية).. ومع ذلك فإن مضامين وأهداف الحركة النسوية العالمية تظهر في أدبيات الحركة -بشقيها- كمصدر للإلهام ومنبع للتلقي) وعلى سبيل المثال يقول أن أهداف اتحاد نساء اليمن أعيد صياغتها بعد الوحدة (جاءت في غالبها خالية من أهداف مخالفة للشريعة الإسلامية بصورة واضحة، بل أكدت بعض الأهداف الالتزام بالعقيدة الإسلامية، كما ورد في الأهداف (2، 4، 9، 10، 11). غير أن أهدافا أخرى جاءت بصيغ محتملة كما ورد في (7): "المشاركة في ترشيح المرأة لهيئات سلطات الدولة"، وكما ورد في (8): "المساهمة في وضع التشريعات المتعلقة بالمرأة والسعي نحو تطوير القوانين والأنظمة التي تهدف إلى تأييد حقوق المرأة وحماية الأسرة والدفاع عنها". ومعلوم أن "وضع التشريعات" و"تطوير القوانين" هو المدخل الذي تلجأ إليه حركات التحرر والحقوق والحركات النسائية.) ونلاحظ هنا ثقافة التخوين حيث يؤكد أنه ورغم أن الإهداف تنص على الشريعة الإسلامية إلا أنه يبحث عن مدخل يحسب على أدبيات الحركة ولما لم يجد لجأ إلى اقتباس نص وتفسيره بعيدا عن الغاية المفهومة منه لأول وهلة ومن ثم الإشارة إلى أن ما اقتبسه هو الطريقة التي تستخدم عادة في الخارج لتنفيذ الأهداف التي يرفضها من منطلق ديني دون أن يأخذ بالاعتبار مسألة الأهداف المختلفة للكيانات المماثلة وخصوصية الكيان الذي يتحدث عنه بل لوى عنق النص بحيث يتوافق مع الفكرة التي يريد اثباتها ما أثر سلبا على طريقته في الطرح وجعله يبدو متحيزا أكثر مما يجب أو أكثر مما يحتمل ومن ثم يحمل على اتحاد نساء اليمن أن من ضمن أهدافه ( العمل على تحقيق وحدة الحركة النسائية العربية وتحقيق التضامن مع المنظمات النسائية"... ومعلوم أن الحركة النسائية العربية والمنظمات النسائية عموما لا تتوافق في أهدافها ومنطلقاتها مع الدين الإسلامي وثقافة مجتمعاتنا المحافظة.) ومعلوم اننا لو تعاملنا مع النصوص بهذا الشكل فسنصل إلى نفس النتائج التي وصل بها تنظيم القاعدة إلى تكفير الحكومات العربية لأنها (تتعامل مع أنظمة كفرية لا تتفق توجهاتها مع الدين الإسلامي وثقافة المجتمعات المحافظة) وأجد في رسالة ناصر الوحيشي الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة في اليمن لصحيفة الغد التي يتحدث فيها عن كفر الأنظمة خير شاهد على أن تكرار المقدمات تؤدي إلى نفس النتائج ؛ والحقيقة أن طريقة الكاتب في التعامل مع الهيئات والنصوص طريقة تحريضية بشكل مباشر وغير مباشر قد تؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الدراسة تنتشر في وسط الشباب القريبين من الفكر الجهادي الذين يتعرضون لتعبئة أيدلوجية ضد كل ما له علاقة بالغرب أو برؤى الانفتاح الفكري وأصحاب التيارات المخالفة للتوجه المتعصب المدعوم رسمياً ومن الإنصاف أن أشير إلى أن هذه الدراسة غنية جدا بالملومات وبذل فيها الفريق العامل جهدا غير عادي يبشر بعمل قادم قد يكون أكثر تميزا لو خلا من التعصب والرغبة في الصدام والتبرع للتحريض كما أشير إلى أن الأخ صاحب الدراسة رجل صاحب أطروحات منفتحة قياسا بمحيطه المقلد وكثيرا ما يتعرض للنقد من جهات حملت على كاهلها التعصب للنص القديم وتقديسه وليس مغمورا كما قال أحد الزملاء الذي لم تعجبه نتائج هذه الدراسة فاتهم الناشر بأنه غير معروف والمؤلف بأنه مغمور ولعل من محاسن الأخلاق أن أشير إلى ما يتميز به صاحب الدراسة من انفتاح يؤهله لأن يكون غدا صاحب رأي أكثر تعاطيا مع حاجات المجتمع وعلى استعداد لقبول نتائج المستجدات التي يصعب عليه هضمها وفق معطياته الحالية أقول هذا حتى لا نغمطه حقه في معرض خلافنا معه ويغمطه غيرنا حقه حين يختلفون معه والحق أحق أن يقال ؛ أكتفي بهذا القدر من الدراسة على أمل أن يكون هذا العرض المقتضب لجزء يسير منها نواة لندوة تشترك فيها كلا من الجهات المهتمة والمعنية ومركز الجزيرة حتى لا يغرد كل في واد بعيد عن الآخر وحتى يخرج الجميع برؤى متقاربة ويكسر حاجز الجهل بالاخر أو تؤخذ المعلومات من الآخر مباشرة عن نفسه بدلا من الاحتياج لوسائل قد لا تكون دقيقة في تقديم صورة كافيه .
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,23 نوفمبر 2024
الساعة 02:36
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2074.00 | 2061.50 | |
ريال سعودي | 542.00 | 540.00 |