غيّرت نظرة روّاد الأعمال إلى شبكة الإنترنت مع بداية الألفية الجديدة بعد أن ظنّ الجميع أنها شارفت على الانتهاء نظرًا لعدم وجود أي جديد فيها. لكن هذا الواقع تغيّر كثيرًا مع بزوغ عصر المنتديات والمدونات الشخصية التي كانت الشرارة الأولى في ثورة الشبكات الاجتماعية التي نعايشها اليوم، والتي أصبحت العامل الأساسي الذي يؤخذ بعين الاعتبار عند دراسة المشاريع الجديدة.
وما إن يبدأ الحديث عن الشبكات الاجتماعية، حتى يُربط بشكل فوري بشبكة فيسبوك التي أسّسها مارك زوكربيرغ عام 2004، والتي يجهل الكثيرون أنها ليست الشبكة الاجتماعية الأولى على شبكة الإنترنت، فشبكات مثل ماي سبيس أو أوركَت كانت موجودة أيضًا.
فيسبوك ليست الوحيدة في هذا المجال بكل تأكيد، فشبكة تويتر أيضًا صالت وجالت في وقت من الأوقات قبل أن تصل إلى ما هي عليه الآن؛ فعندما عرضت نفسها للبيع مؤخرًا لم تجد عروضا جديّة لطلب ودّها مع انسحاب الجميع، لتبقى عزباء وحيدة تُناظر شهر العسل الطويل الذي تعيشه فيسبوك وغيرها من الشبكات الأُخرى.
منذ اللحظة الأولى لإطلاق شبكة فيسبوك وقاعدة بيانات مستخدميها تزداد يومًا بعد يوم دون توقف، دافعة زوكبيرغ لترك الجامعة والتفرغ التام لإدارة هذه الإمبراطورية.
سبقت فيسبوك شبكاتٌ اجتماعية كثيرة، كما لم تكن شبكة فيسبوك الأولى أيضًا بالنسبة لزوكربيرغ، فهو أسس قبلها شبكات اجتماعية على نطاق أصغر[1]، لكن رغبته في توفير منصّة تسمح بالبحث عن الأصدقاء في الجامعة وتبادل الملفات والمستندات معهم دفعته إلى برمجة فيسبوك خلال فترة لم تتجاوز الشهر تقريبًا، بعدما بقي المشروع نفسه حبيسًا لسنوات طويلة في دفتر أحلام جامعة هارفرد [2].
ومنذ اللحظة الأولى لإطلاق شبكة فيسبوك وقاعدة بيانات مستخدميها تزداد يومًا بعد يوم دون توقّف، دافعةً زوكربيرغ لترك الجامعة والتفرّغ التام لإدارة إمبراطورية حقيقية أعادت اهتمام روّاد الأعمال نحو شبكة الإنترنت بعدما ظنوا في بداية الألفية أنها انتهت تمامًا. وبدأت هنا أسماء المشاريع بالتحول من مُنتدى أو مدونة فُلان إلى شبكة فُلان الاجتماعية، صحيح أن 99% من هذه المشاريع فشلت، إلا أن ثُلّةً من الشبكات نجحت بالفعل في استقطاب شريحة كبيرة من المستخدمين نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر انستجرام، وفور سكوير، وتويتر بكل تأكيد.
مراحل بناء إمبراطورية فيسبوك
التجربة الاجتماعية هي التي دفعت مارك زوكربيرغ لبناء فيسبوك في المقام الأول. صحيح أن شبكات اجتماعية توفّرت سابقًا، إلا أنها كانت تتمحور حول المستخدم نفسه فقط.
ماي سبيس مثال على الشبكات الاجتماعية التي ظهرت قبل فيسبوك والتي صالت وجالت هي الأُخرى أيضًا، لكن نموذج عملها كان على النحو التالي؛ يدخل المستخدم إلى الشبكة لتظهر صفحته الشخصية فورًا مع أدوات كثيرة للتعديل عليها وإضافة المحتوى الذي يرغب فيه، وهذا أمر رائع. كما وفّرت الشبكة إمكانية الوصول إلى أصدقاء جدد من خلال مُحرك البحث أو من خلال روابط الملفات الشخصية، ومن هنا جاءت تسميتها شبكة اجتماعية. زوكربيرغ لاحظ أن هذا الأمر لا يختلف عن كونه مُجرّد مدونة شخصية للمستخدم، وهو أمر مطلوب من الناحية النفسية بكل تأكيد؛ فمن منّا لا يرغب في التعبير عن نفسه بأفضل طريقة مُمكنة واستعراض ما يملك؟
لكن الحاجة للاطلاع على أخبار المحيطين بنا ومراقبة ما يدور في حياتهم من أحداث هو أمر لا يتجزأ أيضًا من طبيعتنا البشرية، وبالتالي نجحت فيسبوك في نقل الطبيعة البشرية إلى شبكة الإنترنت؛ فعند التوجه إلى فيسبوك اليوم يظهر لنا الشريط الزمني Timeline لاستعراض آخر الأحداث الواردة من الأصدقاء للتفاعل معها والتعليق عليها، مع توفير أدوات أيضًا لاستعراض الذات والتعبير عن أنفسنا كمستخدمين بأفضل شكل مُمكن.
ومع مرور الوقت أيقن القائمون على شبكة فيسبوك أن الإبقاء على شريحة المستخدمين الحالية هو الهدف الأول والأخير مع جذب شريحة أكبر بطرق مختلفة. ومن هنا عمل مُهندسو الشبكة على إضافة الميزات الجديدة الواحدة تلو الأُخرى، لتُصبح الشبكة الأكثر استخدمًا في يومنا الحالي بواقع مليار ونصف المليار مستخدم تقريبًا.
وباختصار، يمكن تلخيص تجربة فيسبوك في البناء على أنها تمحورت حول القيمة الإضافية التي يمكن منحها للمستخدمين الحاليين قبل المستخدمين الجدد، لإطالة وقت وجودهم داخل الشبكة الاجتماعية أو ما يُعرف بمدى ارتباط المستخدم ngagmentE بالتطبيق الذي يستخدمه.
ماذا عن تويتر؟
سارت تويتر عكس فيسبوك متناسيةً أن أية شبكة جديدة ترغب في إثبات نفسها هي بحاجة إلى توفير قيمة إضافية تدفع أي مستخدم للاعتماد عليها.
ومن السهل جدًا أن يقول أي شخص إن تويتر بدأت بالاهتزاز أو أنها فشلت، لكن هذه الادعاءات إن لم تُبن على وقائع لا يُمكن اعتبارها صحيحة أبدًا، وبكل تأكيد لا يوجد أفضل من تجربة فيسبوك الاجتماعية لبناء هذه الوقائع.
ذكرنا سابقًا أن فيسبوك جاءت لتحل مُشكلة عاناها زوكربيرغ وأصدقاؤه في الجامعة، والأمر نفسه كان في تويتر أيضًا التي جاءت لتنقل الرسائل النصيّة القصيرة SMS من شبكة الهاتف إلى شبكة الإنترنت. وكان طموح القائمين على تويتر أكبر من طموح زوكربيرغ، ولهذا السبب لم يكتفوا بتعريف واحد لها، بل ذهبوا -أو أخذتهم الصدفة- لما هو أبعد من ذلك وعرّفوها على أنها شبكة للتدوين المُصغّر Micro-Blogging، أي أن المستخدم بإمكانه تدوين أفكاره باستخدام 140 حرفا فقط لا غير[3].
تعددت هويات تويتر منذ اللحظة الأولى لإطلاقها عام 2006، فهي جاءت أيضًا كوسيلة للتواصل بين أعضاء فرق العمل بعيدًا عن استخدام البريد الإلكتروني الذي كان استخدامه شائعًا في ذلك الوقت، أو برنامج SNMessenger M، واتس آب ذلك العصر.
هذا التنوع منحها القوّة بالفعل، وأصبحت مقصد الكثير من المستخدمين حول العالم. ليس هذا فحسب، بل نسخت شركة جوجل تجربة تويتر وأطلقت شبكة Buzz Google عام 2010 التي لم يكتب لها النجاح لتُدفن بعدها بعام واحد فقط عام 2011[4].
سارت الأمور بشكل جيّد مع تويتر في البداية، لكنها سرعان ما بدأت بالتباطؤ حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، خصوصًا بعد إطلاق تطبيقات المحادثات الفورية مثل واتس آب الذي حمل أيضًا نموذجا اجتماعيا جديدا لتسير على نهجه تطبيقات أُخرى. وهنا بدأت تويتر بالاهتزاز، وبعد سنوات طويلة من الاعتماد على المبدأ ذاته مع رفض المجازفة أو تجربة أشياء جديدة، وجدت نفسها مُضطرة للقيام بكل ما تكره، لكنها جاءت متأخرة بعض الشيء.
اتّعظت تويتر قليلًا من دفن جوجل لشبكة Buzz واستفاقت بعد أربع سنوات من استخدام الميزات نفسها وأتاحت في ذلك العام إمكانية مشاركة الصور إلى جانب النصوص، بعد سنوات طويلة من اعتماد المستخدمين على خدمات خارجية لإتمام هذه العملية.
لكن وللأسف نظرية أن تصل مُتأخرًا خير من أن لا تصل أبدًا لا يمكن أن تجدي نفعًا في ظل وجود شبكة بحجم فيسبوك، ففي وقت كان فيه مستخدمو تويتر يبحثون عن حلول خارجية لمشاركة الصور ومقاطع الفيديو، كان مستخدمو فيسبوك -800 مليون مشترك في ذلك الوقت[5]- يُجرون مكالمات الفيديو عبر الشبكة نفسها مع إمكانية استخدام الشبكة على الهواتف الذكية، دون نسيان الأدوات الكثيرة التي توفّرت لتخصيص استعراض آخر أخبار الأصدقاء ومشاركاتهم.
ولهثت تويتر من جديد خلف إضافة ميزات جديدة لم تكن سوى تكرار واستنساخ لما هو موجود في السوق، مع اتجاهها في بعض الأوقات إلى التفكير أو الاستحواذ الفعلي على بعض التطبيقات الجديدة لكسب ود شريحة جديدة من المستخدمين أملًا في إنعاش الشبكة قبل أن تموت تمامًا.
بمعنى آخر، سارت تويتر عكس فيسبوك ونظرت إلى الميزات الجديدة على أنها فرصة أُخرى لكسب ود شريحة جديدة من المستخدمين، متناسيةً أن أية شبكة جديدة ترغب في إثبات نفسها هي بحاجة إلى توفير قيمة إضافية تدفع أي مستخدم للاعتماد عليها، فعندما يكون أصدقائي في فيسبوك، لماذا أتركهم وأتجه إلى تويتر؟ وبعيدًا عن الميزات الجديدة بدأ القائمون على تويتر إجراء محادثات مع القائمين على شبكات ثانية مثل شبكة ساوند كلاود، وهي شبكة اجتماعية متخصصة في مجال مشاركة المقاطع الصوتية على الإنترنت[6].
قد تُضيف هذه الصفقة -لو تمّت- أو غيرها من الصفقات الأُخرى قيمة لشبكة تويتر من ناحية قاعدة بيانات المستخدمين التي تملكها والتي ستصبح مُجزّأة ما بين تويتر والشبكة الأُخرى. كما ستضيف قيمة في أعين المستثمرين أيضًا، لكن ماذا عن المستخدم الذي يُعتبر وقود هذه الشبكة أو غيرها من الشبكات الاجتماعية؟ أين القيمة الإضافية التي سيحصل عليها؟
هذا التخبّط الذي استمر خلال السنوات الماضية أدى إلى تراجع تويتر الكبير خصوصًا عام 2016 الجاري. فعدد المستخدمين النشطين يوميًا لتطبيق سناب شات وصل إلى أكثر من 150 مليون مستخدم، وهو تطبيق ظهر قبل أربعة أعوام تقريبًا. في حين أن عدد المستخدمين النشطين لشبكة تويتر أصبح أقل من 140 مليون مستخدم[7].
أما شبكة انستجرام الاجتماعية فهي الأُخرى تمتلك أكثر من 500 مليون مستخدم يوميًا، وهي شبكة ظهرت عام 2010 لأول مرّة، أي بعد أربع سنين من ظهور تويتر[8].
هل من حلول لشبكة تويتر؟
يمكن لكل شخص إبداء رأيه حول آلية إنقاذ شبكة تويتر، لكن الشبكة -من وجهة نظري الشخصية- لن تستطيع العودة إلى الواجهة من جديد أبدًا، والأفضل أن تبيع إرثها لتحافظ على ما تبقّى منه.
تويتر الآن تُركّز بشكل كبير على تطبيق البث الفوري والمباشر بيريسكوب eriscopeP، لكن هل سيضيف قيمة للمستخدمين؟ هل سيعزف الجميع عن استخدام البث الفوري في فيسبوك من أجل تويتر؟ أو بمعنى أوضح، هل تُقدّم خدمة البث المباشر من تويتر ما لم يشاهده مستخدمو يوتيوب وفيسبوك من قبل؟ وإضافة إلى البث المباشر، لم تحسب الشبكة روابط الصور ومقاطع الفيديو ضمن الـ140 حرفا المسموح بها داخل التغريدة، وبالتالي أصبح بإمكان المستخدم الاستفادة من 10 إلى 20 حرفا آخرين، لكن هل بالفعل كانت مشكلة المستخدم قلة عدد الأحرف التي يمكن كتابتها ضمن التغريدة؟
ماذا عن إزالة الحد المسموح به؟ هل فتح حدود التغريد والتخلّص من عائق الـ140 حرفا ضمن التغريدة الواحدة سيحُسّن علاقة المستخدم معها؟ لكن إذا ما أُزيلت هذه الحدود، ما هو الفرق بين تويتر الآن وفيسبوك أو جوجل+ مثلًا؟ لو نظرنا إلى الخطوات التي قامت -وتقوم- بها تويتر والقائمون عليها لوجدناها ضبابية، لم تأت لتحل مشكلة بعينها، أو بمعنى أدق، لم يجرِ تحديد مشاكل تويتر حتى الآن. كذلك الحال في شركة ياهو العالمية التي فشلت في العودة من جديد بعد مجموعة من الخطوات المشابهة.
ياهو أقدمت على حلول جاءت متأخرة حاولت من خلالها مواكبة الصيحات العالمية، لكن عدم وجود تعريف واضح لهوية ياهو، والنظر إلى أكثر من اتجاه في الوقت نفسه من خلال مجموعة من الاستحواذات، وتسريح شريحة كبيرة من العاملين ما أدى في النهاية إلى رفع راية الاستسلام وبيع الشركة حفاظًا على الإرث المتبقي منها.
لأن خير الكلام ما قل ودل، لن تنجح تويتر طالما أنها لا تنظر إلى قاعدة مُستخدميها الحاليين ولم تضف لتجربة استخدامهم قيما جديدة، هذا أولًا. ولن تنجح إذا ما استمرت بالنظر إلى المعلنين الذين يُعتبرون من أهم مصادر الربح لديها على أنهم جزء مُختلف عن المستخدمين الأساسيين، فالقائمون على تويتر يعدلون الشبكة لتتلائم مع تفضيلات المعلن وليس مع تفضيلات المستخدم، في حين أن زوكربيرغ ومُهندسيه برعوا في إرضاء الأطراف جميعها دون أن يتأثر أحدهم بالآخر.
وأخيرًا، لن تنجح تويتر إلا لو عاد القائمون عليها وصارحوا أنفسهم حول الهوية الحقيقية للشبكة الاجتماعية والرسالة التي يرغبون في تقديمها. ولتكن شركات مثل مايكروسوفت وآبل خير مثال على ذلك، فالأولى تحسّنت بشكل ملحوظ تحت إدارة ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي الحالي الذي انطلق من هوّية الشركة الأساسية لمعالجة المشكلات. أما الثانية فهي نجت من الإفلاس بعد عودة ستيف جوبز لإدارتها من خلال تركيزه على توطيد هوية الشركة ورسالتها والتمسك بهما لآخر لحظة في حياته.
ولو سأل سائل ما العوامل التي ساعدت فيسبوك على النجاح والنمو، والعوامل التي ساهمت في دفن تويتر حيّة، فالقيمة المضافة التي يحصل عليها مستخدم فيسبوك مع كل ميزة جديدة أفضل إجابة، بينما تنظر تويتر بعيدًا طمعًا في جذب مستخدمين جدد، غير راضية بالقسمة الموجودة لديها.
وما إن يبدأ الحديث عن الشبكات الاجتماعية، حتى يُربط بشكل فوري بشبكة فيسبوك التي أسّسها مارك زوكربيرغ عام 2004، والتي يجهل الكثيرون أنها ليست الشبكة الاجتماعية الأولى على شبكة الإنترنت، فشبكات مثل ماي سبيس أو أوركَت كانت موجودة أيضًا.
فيسبوك ليست الوحيدة في هذا المجال بكل تأكيد، فشبكة تويتر أيضًا صالت وجالت في وقت من الأوقات قبل أن تصل إلى ما هي عليه الآن؛ فعندما عرضت نفسها للبيع مؤخرًا لم تجد عروضا جديّة لطلب ودّها مع انسحاب الجميع، لتبقى عزباء وحيدة تُناظر شهر العسل الطويل الذي تعيشه فيسبوك وغيرها من الشبكات الأُخرى.
منذ اللحظة الأولى لإطلاق شبكة فيسبوك وقاعدة بيانات مستخدميها تزداد يومًا بعد يوم دون توقف، دافعة زوكبيرغ لترك الجامعة والتفرغ التام لإدارة هذه الإمبراطورية.
سبقت فيسبوك شبكاتٌ اجتماعية كثيرة، كما لم تكن شبكة فيسبوك الأولى أيضًا بالنسبة لزوكربيرغ، فهو أسس قبلها شبكات اجتماعية على نطاق أصغر[1]، لكن رغبته في توفير منصّة تسمح بالبحث عن الأصدقاء في الجامعة وتبادل الملفات والمستندات معهم دفعته إلى برمجة فيسبوك خلال فترة لم تتجاوز الشهر تقريبًا، بعدما بقي المشروع نفسه حبيسًا لسنوات طويلة في دفتر أحلام جامعة هارفرد [2].
ومنذ اللحظة الأولى لإطلاق شبكة فيسبوك وقاعدة بيانات مستخدميها تزداد يومًا بعد يوم دون توقّف، دافعةً زوكربيرغ لترك الجامعة والتفرّغ التام لإدارة إمبراطورية حقيقية أعادت اهتمام روّاد الأعمال نحو شبكة الإنترنت بعدما ظنوا في بداية الألفية أنها انتهت تمامًا. وبدأت هنا أسماء المشاريع بالتحول من مُنتدى أو مدونة فُلان إلى شبكة فُلان الاجتماعية، صحيح أن 99% من هذه المشاريع فشلت، إلا أن ثُلّةً من الشبكات نجحت بالفعل في استقطاب شريحة كبيرة من المستخدمين نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر انستجرام، وفور سكوير، وتويتر بكل تأكيد.
مراحل بناء إمبراطورية فيسبوك
التجربة الاجتماعية هي التي دفعت مارك زوكربيرغ لبناء فيسبوك في المقام الأول. صحيح أن شبكات اجتماعية توفّرت سابقًا، إلا أنها كانت تتمحور حول المستخدم نفسه فقط.
ماي سبيس مثال على الشبكات الاجتماعية التي ظهرت قبل فيسبوك والتي صالت وجالت هي الأُخرى أيضًا، لكن نموذج عملها كان على النحو التالي؛ يدخل المستخدم إلى الشبكة لتظهر صفحته الشخصية فورًا مع أدوات كثيرة للتعديل عليها وإضافة المحتوى الذي يرغب فيه، وهذا أمر رائع. كما وفّرت الشبكة إمكانية الوصول إلى أصدقاء جدد من خلال مُحرك البحث أو من خلال روابط الملفات الشخصية، ومن هنا جاءت تسميتها شبكة اجتماعية. زوكربيرغ لاحظ أن هذا الأمر لا يختلف عن كونه مُجرّد مدونة شخصية للمستخدم، وهو أمر مطلوب من الناحية النفسية بكل تأكيد؛ فمن منّا لا يرغب في التعبير عن نفسه بأفضل طريقة مُمكنة واستعراض ما يملك؟
لكن الحاجة للاطلاع على أخبار المحيطين بنا ومراقبة ما يدور في حياتهم من أحداث هو أمر لا يتجزأ أيضًا من طبيعتنا البشرية، وبالتالي نجحت فيسبوك في نقل الطبيعة البشرية إلى شبكة الإنترنت؛ فعند التوجه إلى فيسبوك اليوم يظهر لنا الشريط الزمني Timeline لاستعراض آخر الأحداث الواردة من الأصدقاء للتفاعل معها والتعليق عليها، مع توفير أدوات أيضًا لاستعراض الذات والتعبير عن أنفسنا كمستخدمين بأفضل شكل مُمكن.
ومع مرور الوقت أيقن القائمون على شبكة فيسبوك أن الإبقاء على شريحة المستخدمين الحالية هو الهدف الأول والأخير مع جذب شريحة أكبر بطرق مختلفة. ومن هنا عمل مُهندسو الشبكة على إضافة الميزات الجديدة الواحدة تلو الأُخرى، لتُصبح الشبكة الأكثر استخدمًا في يومنا الحالي بواقع مليار ونصف المليار مستخدم تقريبًا.
وباختصار، يمكن تلخيص تجربة فيسبوك في البناء على أنها تمحورت حول القيمة الإضافية التي يمكن منحها للمستخدمين الحاليين قبل المستخدمين الجدد، لإطالة وقت وجودهم داخل الشبكة الاجتماعية أو ما يُعرف بمدى ارتباط المستخدم ngagmentE بالتطبيق الذي يستخدمه.
ماذا عن تويتر؟
سارت تويتر عكس فيسبوك متناسيةً أن أية شبكة جديدة ترغب في إثبات نفسها هي بحاجة إلى توفير قيمة إضافية تدفع أي مستخدم للاعتماد عليها.
ومن السهل جدًا أن يقول أي شخص إن تويتر بدأت بالاهتزاز أو أنها فشلت، لكن هذه الادعاءات إن لم تُبن على وقائع لا يُمكن اعتبارها صحيحة أبدًا، وبكل تأكيد لا يوجد أفضل من تجربة فيسبوك الاجتماعية لبناء هذه الوقائع.
ذكرنا سابقًا أن فيسبوك جاءت لتحل مُشكلة عاناها زوكربيرغ وأصدقاؤه في الجامعة، والأمر نفسه كان في تويتر أيضًا التي جاءت لتنقل الرسائل النصيّة القصيرة SMS من شبكة الهاتف إلى شبكة الإنترنت. وكان طموح القائمين على تويتر أكبر من طموح زوكربيرغ، ولهذا السبب لم يكتفوا بتعريف واحد لها، بل ذهبوا -أو أخذتهم الصدفة- لما هو أبعد من ذلك وعرّفوها على أنها شبكة للتدوين المُصغّر Micro-Blogging، أي أن المستخدم بإمكانه تدوين أفكاره باستخدام 140 حرفا فقط لا غير[3].
تعددت هويات تويتر منذ اللحظة الأولى لإطلاقها عام 2006، فهي جاءت أيضًا كوسيلة للتواصل بين أعضاء فرق العمل بعيدًا عن استخدام البريد الإلكتروني الذي كان استخدامه شائعًا في ذلك الوقت، أو برنامج SNMessenger M، واتس آب ذلك العصر.
هذا التنوع منحها القوّة بالفعل، وأصبحت مقصد الكثير من المستخدمين حول العالم. ليس هذا فحسب، بل نسخت شركة جوجل تجربة تويتر وأطلقت شبكة Buzz Google عام 2010 التي لم يكتب لها النجاح لتُدفن بعدها بعام واحد فقط عام 2011[4].
سارت الأمور بشكل جيّد مع تويتر في البداية، لكنها سرعان ما بدأت بالتباطؤ حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، خصوصًا بعد إطلاق تطبيقات المحادثات الفورية مثل واتس آب الذي حمل أيضًا نموذجا اجتماعيا جديدا لتسير على نهجه تطبيقات أُخرى. وهنا بدأت تويتر بالاهتزاز، وبعد سنوات طويلة من الاعتماد على المبدأ ذاته مع رفض المجازفة أو تجربة أشياء جديدة، وجدت نفسها مُضطرة للقيام بكل ما تكره، لكنها جاءت متأخرة بعض الشيء.
اتّعظت تويتر قليلًا من دفن جوجل لشبكة Buzz واستفاقت بعد أربع سنوات من استخدام الميزات نفسها وأتاحت في ذلك العام إمكانية مشاركة الصور إلى جانب النصوص، بعد سنوات طويلة من اعتماد المستخدمين على خدمات خارجية لإتمام هذه العملية.
لكن وللأسف نظرية أن تصل مُتأخرًا خير من أن لا تصل أبدًا لا يمكن أن تجدي نفعًا في ظل وجود شبكة بحجم فيسبوك، ففي وقت كان فيه مستخدمو تويتر يبحثون عن حلول خارجية لمشاركة الصور ومقاطع الفيديو، كان مستخدمو فيسبوك -800 مليون مشترك في ذلك الوقت[5]- يُجرون مكالمات الفيديو عبر الشبكة نفسها مع إمكانية استخدام الشبكة على الهواتف الذكية، دون نسيان الأدوات الكثيرة التي توفّرت لتخصيص استعراض آخر أخبار الأصدقاء ومشاركاتهم.
ولهثت تويتر من جديد خلف إضافة ميزات جديدة لم تكن سوى تكرار واستنساخ لما هو موجود في السوق، مع اتجاهها في بعض الأوقات إلى التفكير أو الاستحواذ الفعلي على بعض التطبيقات الجديدة لكسب ود شريحة جديدة من المستخدمين أملًا في إنعاش الشبكة قبل أن تموت تمامًا.
بمعنى آخر، سارت تويتر عكس فيسبوك ونظرت إلى الميزات الجديدة على أنها فرصة أُخرى لكسب ود شريحة جديدة من المستخدمين، متناسيةً أن أية شبكة جديدة ترغب في إثبات نفسها هي بحاجة إلى توفير قيمة إضافية تدفع أي مستخدم للاعتماد عليها، فعندما يكون أصدقائي في فيسبوك، لماذا أتركهم وأتجه إلى تويتر؟ وبعيدًا عن الميزات الجديدة بدأ القائمون على تويتر إجراء محادثات مع القائمين على شبكات ثانية مثل شبكة ساوند كلاود، وهي شبكة اجتماعية متخصصة في مجال مشاركة المقاطع الصوتية على الإنترنت[6].
قد تُضيف هذه الصفقة -لو تمّت- أو غيرها من الصفقات الأُخرى قيمة لشبكة تويتر من ناحية قاعدة بيانات المستخدمين التي تملكها والتي ستصبح مُجزّأة ما بين تويتر والشبكة الأُخرى. كما ستضيف قيمة في أعين المستثمرين أيضًا، لكن ماذا عن المستخدم الذي يُعتبر وقود هذه الشبكة أو غيرها من الشبكات الاجتماعية؟ أين القيمة الإضافية التي سيحصل عليها؟
هذا التخبّط الذي استمر خلال السنوات الماضية أدى إلى تراجع تويتر الكبير خصوصًا عام 2016 الجاري. فعدد المستخدمين النشطين يوميًا لتطبيق سناب شات وصل إلى أكثر من 150 مليون مستخدم، وهو تطبيق ظهر قبل أربعة أعوام تقريبًا. في حين أن عدد المستخدمين النشطين لشبكة تويتر أصبح أقل من 140 مليون مستخدم[7].
أما شبكة انستجرام الاجتماعية فهي الأُخرى تمتلك أكثر من 500 مليون مستخدم يوميًا، وهي شبكة ظهرت عام 2010 لأول مرّة، أي بعد أربع سنين من ظهور تويتر[8].
هل من حلول لشبكة تويتر؟
يمكن لكل شخص إبداء رأيه حول آلية إنقاذ شبكة تويتر، لكن الشبكة -من وجهة نظري الشخصية- لن تستطيع العودة إلى الواجهة من جديد أبدًا، والأفضل أن تبيع إرثها لتحافظ على ما تبقّى منه.
تويتر الآن تُركّز بشكل كبير على تطبيق البث الفوري والمباشر بيريسكوب eriscopeP، لكن هل سيضيف قيمة للمستخدمين؟ هل سيعزف الجميع عن استخدام البث الفوري في فيسبوك من أجل تويتر؟ أو بمعنى أوضح، هل تُقدّم خدمة البث المباشر من تويتر ما لم يشاهده مستخدمو يوتيوب وفيسبوك من قبل؟ وإضافة إلى البث المباشر، لم تحسب الشبكة روابط الصور ومقاطع الفيديو ضمن الـ140 حرفا المسموح بها داخل التغريدة، وبالتالي أصبح بإمكان المستخدم الاستفادة من 10 إلى 20 حرفا آخرين، لكن هل بالفعل كانت مشكلة المستخدم قلة عدد الأحرف التي يمكن كتابتها ضمن التغريدة؟
ماذا عن إزالة الحد المسموح به؟ هل فتح حدود التغريد والتخلّص من عائق الـ140 حرفا ضمن التغريدة الواحدة سيحُسّن علاقة المستخدم معها؟ لكن إذا ما أُزيلت هذه الحدود، ما هو الفرق بين تويتر الآن وفيسبوك أو جوجل+ مثلًا؟ لو نظرنا إلى الخطوات التي قامت -وتقوم- بها تويتر والقائمون عليها لوجدناها ضبابية، لم تأت لتحل مشكلة بعينها، أو بمعنى أدق، لم يجرِ تحديد مشاكل تويتر حتى الآن. كذلك الحال في شركة ياهو العالمية التي فشلت في العودة من جديد بعد مجموعة من الخطوات المشابهة.
ياهو أقدمت على حلول جاءت متأخرة حاولت من خلالها مواكبة الصيحات العالمية، لكن عدم وجود تعريف واضح لهوية ياهو، والنظر إلى أكثر من اتجاه في الوقت نفسه من خلال مجموعة من الاستحواذات، وتسريح شريحة كبيرة من العاملين ما أدى في النهاية إلى رفع راية الاستسلام وبيع الشركة حفاظًا على الإرث المتبقي منها.
لأن خير الكلام ما قل ودل، لن تنجح تويتر طالما أنها لا تنظر إلى قاعدة مُستخدميها الحاليين ولم تضف لتجربة استخدامهم قيما جديدة، هذا أولًا. ولن تنجح إذا ما استمرت بالنظر إلى المعلنين الذين يُعتبرون من أهم مصادر الربح لديها على أنهم جزء مُختلف عن المستخدمين الأساسيين، فالقائمون على تويتر يعدلون الشبكة لتتلائم مع تفضيلات المعلن وليس مع تفضيلات المستخدم، في حين أن زوكربيرغ ومُهندسيه برعوا في إرضاء الأطراف جميعها دون أن يتأثر أحدهم بالآخر.
وأخيرًا، لن تنجح تويتر إلا لو عاد القائمون عليها وصارحوا أنفسهم حول الهوية الحقيقية للشبكة الاجتماعية والرسالة التي يرغبون في تقديمها. ولتكن شركات مثل مايكروسوفت وآبل خير مثال على ذلك، فالأولى تحسّنت بشكل ملحوظ تحت إدارة ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي الحالي الذي انطلق من هوّية الشركة الأساسية لمعالجة المشكلات. أما الثانية فهي نجت من الإفلاس بعد عودة ستيف جوبز لإدارتها من خلال تركيزه على توطيد هوية الشركة ورسالتها والتمسك بهما لآخر لحظة في حياته.
ولو سأل سائل ما العوامل التي ساعدت فيسبوك على النجاح والنمو، والعوامل التي ساهمت في دفن تويتر حيّة، فالقيمة المضافة التي يحصل عليها مستخدم فيسبوك مع كل ميزة جديدة أفضل إجابة، بينما تنظر تويتر بعيدًا طمعًا في جذب مستخدمين جدد، غير راضية بالقسمة الموجودة لديها.