تحولات عنيفة تلك التي مرت بها مسيرة وزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي خلال سنوات عمره الحافلة بالأحداث، بدأ حياته مبكرا في السلك العسكري متقلدا العديد من المناصب الرفيعة قبل أن ينتهي به المطاف عاملا بسيطا، ليصبح بعد ذلك بسنوات قليلة وزيرا للدفاع في اليمن ثم معتقلا في سجون المتمردين.
ولد محمود أحمد سالم الصبيحي في منطقة هويرب بمحافظة لحج جنوب اليمن عام 1948 وترعرع في ظل نظام حكم المحميات البريطانية (السلطنات).
تبدو تلك الفترة من عمره دون ملامح واضحة ويغلب عليها الانتماء الفطري لمحيطه القبلي كبقية أقرانه، غير أن انحيازاته المهنية لاحقا اتخذت طابعا مختلفا مع تصاعد موجّه للشعارات القومية والثورية وصولا إلى سيطرة اليسار ممثلا في الحزب الاشتراكي اليمني على الحكم والذي عمل على توجيه طاقات الكثير من الشباب باتجاه خدمة القضية الثورية، في الوقت الذي كان فيه الشاب الصبيحي القادم من على بعد أميال من شمال عدن، ميالا بفطرته للانخراط في معمعة الحياة العسكرية التي توجها بتخرجه من الكلية العسكرية بعدن عام 1976 ليصبح مديرا لديون وزير الدفاع.
استمر في منصبه ذاك حتى العام 1978 عندما غادر عدن لمواصلة الدراسات العسكرية العليا في أكاديمية “فرونزا” بالاتحاد السوفييتي السابق وعاد منها بدرجة أخرى رفيعة في العلوم العسكرية سنة 1982 ما أهله لتولي منصب أركان حرب لواء “ملهم” حتى العام 1986، حيث تم تعيينه قائدا للواء 25 ميكا في الفترة الأكثر حساسية من التاريخ السياسي في جنوب اليمن. فترة شهدت تصاعد حدة الصراع بين أجنحة وتيارات الحزب الاشتراكي وأفضت إلى مواجهات دامية انتهت بمقتل قادة الصف الأول في الحزب والدولة والجيش.
نجا الصبيحي من صراع يناير 1986 على الرغم من حالة الفرز الجهوي والسياسي التي صبغت هذا الصراع الدموي، ليواصل مسيرة التأهيل العسكري التي عززها بالتحاقه في دورة للقيادة والأركان في العام 1988 وأصبح بعدها قائدا للكلية العسكرية في جنوب اليمن.
حتى إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990 والتي شهدت تقاسم المناصب بين قيادات شمال اليمن وجنوبه، وعيّن بموجب هذا التقاسم نائبا لمدير الكلية الحربية، ثم قائدا للواء 25 ميكا حتى اندلاع الحرب بين الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض واجتياح قوات صالح لعدن وفرار البيض ومعظم قادة الجنوب إلى سلطنة عمان ومن بينهم محمود الصبيحي.
العودة لنقطة الصفر
اعتمادا على جيناته العصامية قرر القائد العسكري الصبيحي بعد مغادرته عدن عبر سلطنة عمان مع رفاقه في الحزب الاشتراكي اليمني أن يبدأ مرحلة مغايرة تماما من حياته. متناسيا سجله العسكري الحافل بالأوسمة والدورات العسكرية والمناصب، قرر أن يبدأ من نقطة الصفر أو ربما قبله قليلا.
وكانت محطته الأولى في هذه المرحلة المعتّمة وغير المعروفة من سيرته مدينة الجبيل، في شرق السعودية، والتي حصل فيها على وظيفة عامل لتصوير المستندات. ثم ترقى قليلا ليصبح سائقا لسيارة أجرة، فموزعا. وظفر بفرصته الثمينة من خلال عثوره على عمل في إحدى الشركات الروسية بمدينة دبي بسبب إتقانه للغة الروسية، لينتهي به المطاف أمينا للصندوق في شركة اتصالات كبرى في الكويت، حيث قضى الفترة الأطول في منفاه حتى عودته إلى اليمن مجددا في العام 2009 عقب وساطة قادها رفيق سابق له في السلك العسكري كان آنذاك مقربا من الرئيس السابق صالح.
عاد الصبيحي إلى صنعاء ليستأنف مشواره العسكري مجددا، حيث عين مستشارا للقائد الأعلى للقوات المسلحة، ثم قائدا لمحور العند وقائدا للواء201 في العام 2011، وهو المنصب الذي أعاد تسليط الضوء عليه بقوة، عندما قاد العديد من المعارك ضد عناصر القاعدة الذين استغلوا حالة الصراع السياسي في العاصمة صنعاء للانتشار في الكثير من مناطق الجنوب.
مرارة السجن
تساؤلات كبيرة
عينه الرئيس عبدربه منصور هادي قائدا للمنطقة العسكرية الرابعة في أبريل 2013 وبرز دوره بشكل أكبر من خلال قدرته على خلق نوع من الاستقرار النسبي في المحافظات الجنوبية التي كانت تتبع منطقته العسكرية وخصوصا عدن.
بعد اجتياح الحوثيين لصنعاء في سبتمبر 2014 كان الرئيس عبدربه منصور بحاجة ماسة إلى قائد عسكري قوي يثق فيه لتولي وزارة الدفاع في الحكومة التي تم الإعلان عنها في نوفمبر 2014 وكان المنصب من نصيب اللواء الصبيحي الذي يحظى باحترام كل الأطراف حتى ذلك الوقت.
وصف تعيين الصبيحي بأنه تسديدة في الوقت الضائع، فقد اتخذ الحوثيون والرئيس السابق قرارهم حينها بالانقلاب على الرئيس عبدربه منصور، ورأى الكثيرون أن عبدربه أخطا بنقل الصبيحي إلى براثن الحوثيين، بدلا من تركه لتأمين مدينة عدن والمحافظات المحيطة بها من خلال عمله كقائد للمنطقة العسكرية الرابعة.
في مطلع العام 2015 وبعد إحكامهم السيطرة على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية فرض الحوثيون حصارا مطبّقا على منزل الرئيس عبدربه وأجبروه على الاستقالة في 22 يناير، وبرز دور الصبيحي مجددا في تلك الفترة، حيث تؤكد المصادر أن علي عبدالله صالح أرسل أحد شيوخ القبائل الموالين له إلى منزل وزير الدفاع اللواء الصبيحي المعتكف حينها، وعرض عليه أن يقوم بدور رئيس في مسرحية كبيرة تتضمن إعلانه عن تنفيذ انقلاب عسكري وعزل الرئيس عبدربه منصور ومن ثم تولي السلطة من خلال مجلس عسكري يكون بمثابة الواجهة الجديدة للحوثي وصالح، وهو الأمر الذي رفضه بشدة، بل وأثار حفيظته كون هذا الدور لا يتناسب مع شخصيته العسكرية المنضبطة والأكاديمية، ولا مع القيم التي عرفت عنه.
الهروب الكبير
مضى الانقلابيون قدما في تجريف الدولة بطريقة خشنة بعد أن رفض الصبيحي القيام بدور ما لتجميل وجه الانقلاب أمام العالم، غير أنه أرغم لاحقا على القيام بدور آخر كان رفضه سيعني تعريض حياته للخطر.
في السادس من فبراير 2015 نظم الحوثيون فعالية في القصر الجمهوري بصنعاء كشفوا فيها عما أسموه “الإعلان الدستوري” والذي تضمنت بنوده حل مؤسسات الدولة الشرعية وتشكيل مؤسسات بديلة على رأسها “اللجنة الثورية العليا”، وكان صادما حضور اللواء الصبيحي في الصف الأول لهذه الفعالية.
أثيرت حينها العديد من التكهنات حول طبيعة حضوره، البعض قال إنه أجبر على ذلك مدللين بهيئته غير الرسمية التي بدا بها، فيما اتهمه آخرون بالخيانة، وهي الاتهامات التي سندها في اليوم التالي ترؤسه للجنة العسكرية والأمنية العليا بتكليف من الانقلابيين، بعد أن ترك موقعه كوزير للدفاع بتقديم حكومة خالد بحاح استقالتها في 22 يناير 2015. لم يكن أحد يعلم ما يدور في عقل الصبيحي إلا هو وعدد قليل من أفراد حراسته الشخصية.
كان الحوثيون حينها يراقبون منزله عن كثب قبل أن تصبح الرقابة علنية ولصيقة، تحت ذريعة توفير الحماية وخصوصا بعد أن تمكن الرئيس عبدربه منصور هادي من توجيه أقوى ضربة سياسية للحوثيين والفرار من قبضة الميليشيات التي كانت تحاصر منزله في 21 فبراير 2015.
لم تمض فترة طويلة قبل أن تتضاعف خسائر الحوثيين السياسية المبكرة إثر الإعلان عن وصول الصبيحي هو الآخر إلى مسقط رأسه في محافظة لحج في 8 مارس 2015، حيث تمكن من خداع الحوثيين ومغادرة صنعاء، لكن بضريبة باهظة وفدائية نادرة من مرافقيه الذين قتل عدد منهم بينما كانوا في موكبين وهميين انطلقا في نفس الوقت باتجاهين مختلفين نحو عدن، فيما غادر موكبه الحقيقي عبر مناطق النفوذ الحوثي باتجاه خولان شمال شرق صنعاء، فمأرب ثم شبوة، فالبيضاء وأبين وصولا إلى محافظة لحج.
تعيين الصبيحي وزيرا للدفاع يوصف بأنه كان تسديدة في الوقت الضائع، فقد اتخذ الحوثيون وصالح قرارهم حينها بالانقلاب على الرئيس عبدربه منصور، ورأى الكثيرون أن عبدربه أخطا بنقل الصبيحي إلى براثن الحوثيين الذين أسروه مرتين
مثل التحاق الصبيحي بالرئيس عبدربه في قصر “المعاشيق” بعدن ضربة موجعة للانقلابيين ونصرا معنويا وسياسيا كبيرا لصالح جبهة الشرعية التي كانت قد بدأت تتشكل للتو، وسارع عبدربه منصور بتكليفه بمهام وزير الدفاع وإسناد مهمة لملمة صفوف الجيش إليه لمواجهة الخطر الحوثي الوشيك.
لم يترك الانقلابيون الرئيس عبدربه منصور ليستجمع أنفاسه ويرتب أوراقه في عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة، فسرعان ما أوعزوا لوحدات عسكرية لازالت تدين بالولاء للرئيس السابق بالتمرد على قراراته، وهو التمرد الذي تمكن من القضاء عليه سريعا بدعم من مقاتلي اللجان الشعبية التي شكلها في وقت سابق بهدف محاربة القاعدة في جنوب اليمن.
أرسل الحوثيون الطائرات الحربية لقصف مقر إقامة الرئيس عبدربه وحركوا قوات ضاربة نحو مدينة عدن، وفي المقابل وجه الرئيس وزير دفاعه إلى محافظة لحج لقطع الطريق على ميليشيا الحوثي وقوات صالح الزاحفة نحوه، غير أن وشاية سبقت الصبيحي إلى موقع توجهه وكانت سببا في وقوعه أسيرا في كمين حوثي برفقة شقيق الرئيس عبدربه منصور وفيصل رجب قائد اللواء 119.
ظهر الصبيحي مرة أخرى في قبضة الحوثيين، قبل أن يظهر للمرة الأخيرة في أحد سجونهم في صنعاء ليغيب عن الأضواء كعادته.
تسارعت الأحداث السياسية والعسكرية وأطلقت دول الخليج عاصفة الحزم لدعم الشرعية، وعادت عدن وطردت قوات الحوثيين وصالح التي خرج الصبيحي لملاقاتها ذات يوم ولكنه لم يعد. فلا يزال مصيره مجهولا في ظل إصرار الانقلابيين على عدم إطلاق سراحه، بالرغم من المساعي التي تبذلها الحكومة اليمنية التي لا يزال مقعده فيها شاغرا كوزير دفاع أسير في عاصمة بلاده.
ولد محمود أحمد سالم الصبيحي في منطقة هويرب بمحافظة لحج جنوب اليمن عام 1948 وترعرع في ظل نظام حكم المحميات البريطانية (السلطنات).
تبدو تلك الفترة من عمره دون ملامح واضحة ويغلب عليها الانتماء الفطري لمحيطه القبلي كبقية أقرانه، غير أن انحيازاته المهنية لاحقا اتخذت طابعا مختلفا مع تصاعد موجّه للشعارات القومية والثورية وصولا إلى سيطرة اليسار ممثلا في الحزب الاشتراكي اليمني على الحكم والذي عمل على توجيه طاقات الكثير من الشباب باتجاه خدمة القضية الثورية، في الوقت الذي كان فيه الشاب الصبيحي القادم من على بعد أميال من شمال عدن، ميالا بفطرته للانخراط في معمعة الحياة العسكرية التي توجها بتخرجه من الكلية العسكرية بعدن عام 1976 ليصبح مديرا لديون وزير الدفاع.
استمر في منصبه ذاك حتى العام 1978 عندما غادر عدن لمواصلة الدراسات العسكرية العليا في أكاديمية “فرونزا” بالاتحاد السوفييتي السابق وعاد منها بدرجة أخرى رفيعة في العلوم العسكرية سنة 1982 ما أهله لتولي منصب أركان حرب لواء “ملهم” حتى العام 1986، حيث تم تعيينه قائدا للواء 25 ميكا في الفترة الأكثر حساسية من التاريخ السياسي في جنوب اليمن. فترة شهدت تصاعد حدة الصراع بين أجنحة وتيارات الحزب الاشتراكي وأفضت إلى مواجهات دامية انتهت بمقتل قادة الصف الأول في الحزب والدولة والجيش.
نجا الصبيحي من صراع يناير 1986 على الرغم من حالة الفرز الجهوي والسياسي التي صبغت هذا الصراع الدموي، ليواصل مسيرة التأهيل العسكري التي عززها بالتحاقه في دورة للقيادة والأركان في العام 1988 وأصبح بعدها قائدا للكلية العسكرية في جنوب اليمن.
حتى إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990 والتي شهدت تقاسم المناصب بين قيادات شمال اليمن وجنوبه، وعيّن بموجب هذا التقاسم نائبا لمدير الكلية الحربية، ثم قائدا للواء 25 ميكا حتى اندلاع الحرب بين الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض واجتياح قوات صالح لعدن وفرار البيض ومعظم قادة الجنوب إلى سلطنة عمان ومن بينهم محمود الصبيحي.
العودة لنقطة الصفر
اعتمادا على جيناته العصامية قرر القائد العسكري الصبيحي بعد مغادرته عدن عبر سلطنة عمان مع رفاقه في الحزب الاشتراكي اليمني أن يبدأ مرحلة مغايرة تماما من حياته. متناسيا سجله العسكري الحافل بالأوسمة والدورات العسكرية والمناصب، قرر أن يبدأ من نقطة الصفر أو ربما قبله قليلا.
وكانت محطته الأولى في هذه المرحلة المعتّمة وغير المعروفة من سيرته مدينة الجبيل، في شرق السعودية، والتي حصل فيها على وظيفة عامل لتصوير المستندات. ثم ترقى قليلا ليصبح سائقا لسيارة أجرة، فموزعا. وظفر بفرصته الثمينة من خلال عثوره على عمل في إحدى الشركات الروسية بمدينة دبي بسبب إتقانه للغة الروسية، لينتهي به المطاف أمينا للصندوق في شركة اتصالات كبرى في الكويت، حيث قضى الفترة الأطول في منفاه حتى عودته إلى اليمن مجددا في العام 2009 عقب وساطة قادها رفيق سابق له في السلك العسكري كان آنذاك مقربا من الرئيس السابق صالح.
عاد الصبيحي إلى صنعاء ليستأنف مشواره العسكري مجددا، حيث عين مستشارا للقائد الأعلى للقوات المسلحة، ثم قائدا لمحور العند وقائدا للواء201 في العام 2011، وهو المنصب الذي أعاد تسليط الضوء عليه بقوة، عندما قاد العديد من المعارك ضد عناصر القاعدة الذين استغلوا حالة الصراع السياسي في العاصمة صنعاء للانتشار في الكثير من مناطق الجنوب.
مرارة السجن
تساؤلات كبيرة
عينه الرئيس عبدربه منصور هادي قائدا للمنطقة العسكرية الرابعة في أبريل 2013 وبرز دوره بشكل أكبر من خلال قدرته على خلق نوع من الاستقرار النسبي في المحافظات الجنوبية التي كانت تتبع منطقته العسكرية وخصوصا عدن.
بعد اجتياح الحوثيين لصنعاء في سبتمبر 2014 كان الرئيس عبدربه منصور بحاجة ماسة إلى قائد عسكري قوي يثق فيه لتولي وزارة الدفاع في الحكومة التي تم الإعلان عنها في نوفمبر 2014 وكان المنصب من نصيب اللواء الصبيحي الذي يحظى باحترام كل الأطراف حتى ذلك الوقت.
وصف تعيين الصبيحي بأنه تسديدة في الوقت الضائع، فقد اتخذ الحوثيون والرئيس السابق قرارهم حينها بالانقلاب على الرئيس عبدربه منصور، ورأى الكثيرون أن عبدربه أخطا بنقل الصبيحي إلى براثن الحوثيين، بدلا من تركه لتأمين مدينة عدن والمحافظات المحيطة بها من خلال عمله كقائد للمنطقة العسكرية الرابعة.
في مطلع العام 2015 وبعد إحكامهم السيطرة على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية فرض الحوثيون حصارا مطبّقا على منزل الرئيس عبدربه وأجبروه على الاستقالة في 22 يناير، وبرز دور الصبيحي مجددا في تلك الفترة، حيث تؤكد المصادر أن علي عبدالله صالح أرسل أحد شيوخ القبائل الموالين له إلى منزل وزير الدفاع اللواء الصبيحي المعتكف حينها، وعرض عليه أن يقوم بدور رئيس في مسرحية كبيرة تتضمن إعلانه عن تنفيذ انقلاب عسكري وعزل الرئيس عبدربه منصور ومن ثم تولي السلطة من خلال مجلس عسكري يكون بمثابة الواجهة الجديدة للحوثي وصالح، وهو الأمر الذي رفضه بشدة، بل وأثار حفيظته كون هذا الدور لا يتناسب مع شخصيته العسكرية المنضبطة والأكاديمية، ولا مع القيم التي عرفت عنه.
الهروب الكبير
مضى الانقلابيون قدما في تجريف الدولة بطريقة خشنة بعد أن رفض الصبيحي القيام بدور ما لتجميل وجه الانقلاب أمام العالم، غير أنه أرغم لاحقا على القيام بدور آخر كان رفضه سيعني تعريض حياته للخطر.
في السادس من فبراير 2015 نظم الحوثيون فعالية في القصر الجمهوري بصنعاء كشفوا فيها عما أسموه “الإعلان الدستوري” والذي تضمنت بنوده حل مؤسسات الدولة الشرعية وتشكيل مؤسسات بديلة على رأسها “اللجنة الثورية العليا”، وكان صادما حضور اللواء الصبيحي في الصف الأول لهذه الفعالية.
أثيرت حينها العديد من التكهنات حول طبيعة حضوره، البعض قال إنه أجبر على ذلك مدللين بهيئته غير الرسمية التي بدا بها، فيما اتهمه آخرون بالخيانة، وهي الاتهامات التي سندها في اليوم التالي ترؤسه للجنة العسكرية والأمنية العليا بتكليف من الانقلابيين، بعد أن ترك موقعه كوزير للدفاع بتقديم حكومة خالد بحاح استقالتها في 22 يناير 2015. لم يكن أحد يعلم ما يدور في عقل الصبيحي إلا هو وعدد قليل من أفراد حراسته الشخصية.
كان الحوثيون حينها يراقبون منزله عن كثب قبل أن تصبح الرقابة علنية ولصيقة، تحت ذريعة توفير الحماية وخصوصا بعد أن تمكن الرئيس عبدربه منصور هادي من توجيه أقوى ضربة سياسية للحوثيين والفرار من قبضة الميليشيات التي كانت تحاصر منزله في 21 فبراير 2015.
لم تمض فترة طويلة قبل أن تتضاعف خسائر الحوثيين السياسية المبكرة إثر الإعلان عن وصول الصبيحي هو الآخر إلى مسقط رأسه في محافظة لحج في 8 مارس 2015، حيث تمكن من خداع الحوثيين ومغادرة صنعاء، لكن بضريبة باهظة وفدائية نادرة من مرافقيه الذين قتل عدد منهم بينما كانوا في موكبين وهميين انطلقا في نفس الوقت باتجاهين مختلفين نحو عدن، فيما غادر موكبه الحقيقي عبر مناطق النفوذ الحوثي باتجاه خولان شمال شرق صنعاء، فمأرب ثم شبوة، فالبيضاء وأبين وصولا إلى محافظة لحج.
تعيين الصبيحي وزيرا للدفاع يوصف بأنه كان تسديدة في الوقت الضائع، فقد اتخذ الحوثيون وصالح قرارهم حينها بالانقلاب على الرئيس عبدربه منصور، ورأى الكثيرون أن عبدربه أخطا بنقل الصبيحي إلى براثن الحوثيين الذين أسروه مرتين
مثل التحاق الصبيحي بالرئيس عبدربه في قصر “المعاشيق” بعدن ضربة موجعة للانقلابيين ونصرا معنويا وسياسيا كبيرا لصالح جبهة الشرعية التي كانت قد بدأت تتشكل للتو، وسارع عبدربه منصور بتكليفه بمهام وزير الدفاع وإسناد مهمة لملمة صفوف الجيش إليه لمواجهة الخطر الحوثي الوشيك.
لم يترك الانقلابيون الرئيس عبدربه منصور ليستجمع أنفاسه ويرتب أوراقه في عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة، فسرعان ما أوعزوا لوحدات عسكرية لازالت تدين بالولاء للرئيس السابق بالتمرد على قراراته، وهو التمرد الذي تمكن من القضاء عليه سريعا بدعم من مقاتلي اللجان الشعبية التي شكلها في وقت سابق بهدف محاربة القاعدة في جنوب اليمن.
أرسل الحوثيون الطائرات الحربية لقصف مقر إقامة الرئيس عبدربه وحركوا قوات ضاربة نحو مدينة عدن، وفي المقابل وجه الرئيس وزير دفاعه إلى محافظة لحج لقطع الطريق على ميليشيا الحوثي وقوات صالح الزاحفة نحوه، غير أن وشاية سبقت الصبيحي إلى موقع توجهه وكانت سببا في وقوعه أسيرا في كمين حوثي برفقة شقيق الرئيس عبدربه منصور وفيصل رجب قائد اللواء 119.
ظهر الصبيحي مرة أخرى في قبضة الحوثيين، قبل أن يظهر للمرة الأخيرة في أحد سجونهم في صنعاء ليغيب عن الأضواء كعادته.
تسارعت الأحداث السياسية والعسكرية وأطلقت دول الخليج عاصفة الحزم لدعم الشرعية، وعادت عدن وطردت قوات الحوثيين وصالح التي خرج الصبيحي لملاقاتها ذات يوم ولكنه لم يعد. فلا يزال مصيره مجهولا في ظل إصرار الانقلابيين على عدم إطلاق سراحه، بالرغم من المساعي التي تبذلها الحكومة اليمنية التي لا يزال مقعده فيها شاغرا كوزير دفاع أسير في عاصمة بلاده.