- بعد وقت وجيز من هروب الرئيس عبدربه منصور هادي من منزله المحاصر من قبل الحوثيين في صنعاء، ووصوله إلى عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة لليمن، سارع سلفه علي عبدالله صالح إلى التصريح لوسائل الإعلام بثقة، بأنه لن يترك لهادي سوى منفذ واحد للهرب من عدن عبر البحر إلى جيبوتي.
استغرب اليمنيون حينها ثقة صالح المفرطة، قبل أن تكشف الأحداث المتلاحقة أنه استطاع زرع أحد أبرز الموالين له في قصر “المعاشيق” الذي اتخذه الرئيس عبدربه منصور هادي مقرا لإقامته.
كان عبدالعزيز بن حبتور الذي عينه عبدربه منصور هادي في 24 ديسمبر 2014 محافظا لعدن على رأس مستقبلي الرئيس الشرعي الذي تمكن خلال مغامرة “هوليوودية”، روى بعض تفاصيلها لاحقا، من خداع حراس قصره في صنعاء والسفر عبر طرق ملتوية وشاقة وصولا إلى عدن.
تمكن بن حبتور من الاقتراب من الرئيس عبدربه منصور هادي وإظهار الولاء والإخلاص له وحصل بالفعل على ثقته. غير أنه كان في الخفاء يمرّر كل صغيرة وكبيرة تحدث في قصر “المعاشيق” بعدن إلى الرئيس السابق، بما في ذلك الوجبات التي كان يتناولها الرئيس عبدربه منصور هادي.
لاعب من خلف الكواليس
ولد بن حبتور عام 1955 في قرية “غرير” بمديرية الروضة في محافظة شبوة (جنوب شرقي اليمن). تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في مسقط رأسه، قبل أن ينتقل إلى محافظة أبين القريبة من عدن لإكمال دراسته الثانوية. ليواصل الدراسة الجامعية التي تخرج منها في العام 1981 بدرجة البكالوريوس من كلية الإدارة والتجارة بجامعة عدن.
ساهم انتماؤه المبكّر للحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم جنوب اليمن حينها في حصوله على منحة لإكمال دراسته العليا في ألمانيا الشرقية التي نال منها درجة الماجستير من جامعة الاقتصاد في برلين سنة 1988 ثم الدكتوراه من جامعة “لايبزغ” عام 1992.
خلال الفترة التالية ارتبطت سيرة بن حبتور بالعمل الأكاديمي في جامعة عدن التي تدرّج في مناصبها، حتى تمّ تعيينه نائبا لرئيس الجامعة لشؤون الطلاب، غير أنه في المقابل كان قد بدأ يتدرج بشكل تصاعدي في حزب المؤتمر الشعبي العام وينسج خيوط علاقة خاصة وخفية مع علي عبدالله صالح الذي احتضنه وأولاه الاهتمام حتى عينه في أبريل 2001 نائبا لوزير التربية والتعليم، قبل أن يعيده إلى عدن في يونيو 2008 رئيسا لجامعتها، ويوكل إليه مهمة خاصة كشف النقاب عنها تعيينه في نفس العام رئيسا لفرع المؤتمر الشعبي العام بمحافظة عدن، ليتحوّل إلى أحد أذرع صالح القوية في جنوب اليمن الذي شهد في تلك الفترة بداية موجة متصاعدة من الاضطرابات انطلقت في العام 2007 الذي شهد ولادة ما عرف لاحقا بالحراك الجنوبي السلمي.
ظل بن حبتور يلعب دورا من خلف الكواليس في تنفيذ أجندات صالح وكان حريصا على النأي بنفسه عن الصراعات المكشوفة، مفضلا العمل بصمت ودون أضواء أو ضجيج عدا ما تتطلبه طبيعة عمله الرسمي، غير أن تطورات الأحداث المتسارعة في المشهد اليمني أوصلته إلى نقطة فارقة فقد فيها قدرته على القيام بأدوار متعاكسة، وخصوصا بعد أن عيّنه الرئيس عبدربه منصور هادي محافظا لعدن إلى جانب سبعة محافظين جدد عقب اجتياح الحوثيين لصنعاء بثلاثة أيام فقط وقيل حينها إن قرار تعيين بن حبتور حظي بموافقة الرئيس السابق والحوثيين.
كردة فعل على حصار الرئيس عبدربه منصور هادي وإذلاله، تزعم بن حبتور ما سمّي بحزب المؤتمر الشعبي العام الجنوبي، وقيل إنه أقدم على تلك الخطوة بتوجيهات من صنعاء وحتى يضفي على تحركاته اللاحقة مصداقية لدى الشارع الجنوبي أوعز الرئيس السابق إلى حزبه في الثامن من ديسمبر 2014 بإعلان تجميد عضوية بن حبتور في حزب المؤتمر الشعبي العام وإحالته للتحقيق التنظيمي.
مواقف مزدوجة
في الفترة اللاحقة أخذ بن حبتور في التمييز بن صالح ونجله وأطلق سلسلة من التصريحات التي تدعم أحمد نجل علي عبدالله صالح وينتقد فيها والده وهي السياسة التي كان يشيعها صالح نفسه في الخفاء. وقال في حوار مع صحيفة “المدينة” السعودية (في 15 مارس 2015) قبيل الاجتياح الحوثي لعدن بأيام قليلة “أحمد علي شخصية وطنية يستطيع أن يحل القضايا الوطنية العالقة اليوم، وكان السبب فيها والده. لكن عليه أولا أن يتبرأ من هذا الكلام الذي يقال حوله وينتظر إلى أن تأتي اللحظة المناسبة. وقد أكون أنا واحدا من بين من يرشّحونه”.
استمر بن حبتور من خلال موقعه كمحافظ لعدن وتصريحاته النارية ضد الحوثيين وصالح في كسب ودّ وثقة الرئيس عبدربه منصور هادي والاقتراب منه إلى الحدّ الذي جعله أفضل مستشاريه. غير أنه كان حينها يلعب باحتراف شديد أدوارا مزدوجة من خلف الستار تصبّ بشكل أو بآخر في خدمة الرئيس السابق الذي ظل يدين له بالولاء المطلق.
ومن المواقف الغامضة التي سجّلت له في تلك المرحلة إطلاقه لنداء مثير للشبهة في 27 مارس 2015 طالب فيه اللجان الشعبية الموالية للرئيس هادي في عدن بالتعامل مع قوات الأمن والشرطة العسكرية والشرطة البحرية التي كانت في معظمها تدين بالولاء للرئيس السابق، واعتبارهم “كأصدقاء وليس كأعداء يقومون بعمل وطني كبير وليس لديهم خصومة مع أيّ جهة”.
وهو النداء الذي جاء عقب مواجهات دامية بين وحدات من الجيش والأمن المركزي التي تمرّدت على الرئيس هادي واللجان الشعبية المدعومة من هادي، كما وجهت اتهامات له بالضلوع مع محافظ لحج السابق أحمد المجيدي في تهريب قائد قوات الأمن المركزي عبدالحافظ السقّاف الذي تمرد على قرار الرئيس هادي بإقالته بإيعاز من صالح، وقال في تصريح صحافي “إن العميد السقاف تمكن من الهرب”، مشيرا إلى أن “قوات الأمن تقوم بملاحقته”.
اتهم بن حبتور أيضا بإبلاغ الحوثيين بتحركات عدد من قيادات الجيش الذين توجهوا إلى محافظة لحج (شمال عدن) لمواجهة ميليشيات الحوثي وقوات صالح الزاحفة إلى عدن، وهو ما أسفر عن اعتقال الحوثيين لوزير الدفاع محمود الصبيحي واللواء فيصل رجب وشقيق الرئيس هادي في 25مارس2015.
مصير غامض
فطن الرئيس عبدربه منصور هادي متأخرا للدور الذي لعبه محافظ عدن بن حبتور ولكن بعد فوات الأوان، حيث سيطرت ميليشيات الحوثي وقوات صالح على عدن وغادر هادي إلى سلطنة عمان ومنها إلى السعودية، واتهم بن حبتور مجددا بإعطاء الرئيس السابق معلومات عن تحركات هادي وخط سيره، غير أن هادي كان قد ضلل بن حبتور نفسه، ففشلت خطة اغتيال الرئيس أو اعتقاله.
في الثالث من أبريل 2015 أقاله الرئيس عبدربه منصور هادي من منصبه كمحافظ لعدن وعيّن القائد في المقاومة نائف البكري بدلا عنه. وخلال ذلك الشهر، الذي تنامت فيه المقاومة المسلحة في مدينة عدن ضد ميليشيات الحوثي وصالح، سرت الكثير من الشائعات حول مصير بن حبتور الذي تحوّل إلى حديث الشارع، ومن ذلك الحديث حول وقوعه في أيدي ميليشيات الحوثي وصالح، كما تسرّبت معلومات متناقضة عن ورود اسمه ضمن قائمة تضم 54 من قيادات حزب صالح طالبها التحالف العربي بتحديد موقفها خلال 24 ساعة حتى لا تكون عرضة للاستهداف “بسبب تمردهم على الشرعية ودعمهم للعملية الانقلابية”.
وفي ذات الشهر نشرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية سبأ التي سيطر عليها الحوثيون قائمة أخرى وصفتهم بعملاء العدوان وكان أيضا ضمن هذه القائمة التي تضمنت 39 شخصية اتهموا من قبل الحوثيين “بارتكاب جرائم تمسّ باستقلال اليمن ووحدتها وسلامة أراضيها”.
ومن بين هذا الركام من الأخبار المتناقضة حول موقف بن حبتور، عاد الرئيس السابق ليرسل إشارة جديدة أكدت الارتباط الخفيّ بينه وبين محافظ عدن المُقال، حيث طالب صالح مع اشتداد ضراوة المقاومة في عدن بخروج من وصفهم “المجاميع” وتسليم المدينة لقوات الجيش والأمن تحت إمرة عبدالعزيز بن حبتور، وهي الدعوة التي تلقفها ليظهر مجددا في منتصف مايو ويوجه مدراء العموم والمسؤولين في عدن بالعمل في المديريات التي تسيطر عليها الميليشيا.
رئيس حكومة الانقلابيين
اختفى بن حبتور عن الأنظار غير أن الشائعات ظلت تلاحقه ومن بينها ما قيل عن مقتله في 14 يونيو أو الحديث عن إلقاء المقاومة القبض عليه في غرفة عمليات حربية حوثية في جبل هيل بعدن في 24 يوليو 2015، ولم يظهر مجددا إلا بعد طرد ميليشيا الحوثي وقوات صالح من المحافظات الجنوبية في نوفمبر 2015 من خلال لقاء أجرته معه صحيفة إلكترونية مقرّبة من الحراك الجنوبي.
تحدث عن المكان الذي اختفى فيه طوال الفترة الماضية لمراقبة ما وصفه بالمشهد العبثي، مضيفا أنه انزوى في بقعة نائية خلال الحرب على الرغم من قدرته على الهروب إلى خارج اليمن واعتبر أن “عدن باتت تئن تحت وطأة الجماعات التي تعج بها المدينة من البلاطجة وعناصر القاعدة”، كما هاجم التحالف العربي قائلا إنهم “ضربوا اليمن بقسوة مفرطة ودمروا البنى التحتية وقتلوا العزل”.
أشار في لقائه الأول، الذي يعتقد أنه أجري معه في صنعاء، إلى الحملة الإعلامية التي شنت عليه ووصمته بالخيانة، متهما خصومه بأنهم “تفنّنوا في كيل التهم الحاقدة والمريضة والكاذبة تجاهه”.
في خريف العام الماضي قطعت آخر صلة رسمية لبن حبتور بالمدينة التي كان أبرز مسؤول فيها، حيث حسم محافظ عدن الراحل اللواء جعفر محمد سعد الجدل حول مصيره كرئيس لجامعة عدن التي ظل يرأسها إلى جانب عمله كمحافظ.
قال اللواء سعد ردا على أسئلة الصحافيين خلال فعالية أقامتها الجامعة “إن تولّي بن حبتور منصب رئاسة جامعة عدن انتهى”.
بعدها واصل بن حبتور ظهوره الإعلامي من خلال عدد من المقالات الصحافية التي عبرت عن موقفه الذي ظل ملتبسا لفترة طويلة، كما أطلّ من خلال حوار صحافي ثان في أواخر 2015 ولكن هذه المرة من صحيفة “الميثاق” التي تصدر عن حزب المؤتمر التابع لصالح، ليواصل ما بدأه من هجوم على التحالف العربي والحكومة الشرعية.
أما أول ظهور علني له فقد كان حيث ظهر لأول مرة علانية في صنعاء برفقة القياديين البارزين في حزب المؤتمر عارف الزوكا ويحيى الراعي.
وفي الرابع من أبريل من العام 2016 ظهر على قناة اليمن التابعة للحوثيين في اجتماع برئاسة محمد علي الحوثي رئيس ما كان يسمّى اللجنة الثورية العليا بصفته محافظا لعدن المنصب الذي أقاله منه الرئيس عبدربه منصور هادي.
استخدم صالح والحوثيون بن حبتور كالعديد من القيادات الجنوبية التي انحازت لهم في تمرير مشروعهم الانقلابي وتجميله، حيث شارك في 19 مايو فيما سمّي باجتماع “الجبهة الوطنية لأبناء المحافظات الجنوبية”.
يعتبر العديد من المراقبين عبدالعزيز بن حبتور نموذجاً للكثير من القيادات الجنوبية التي تمكّن صالح من استمالتها إليه منذ وقت مبكّر وتطويعها لصالحه في مراحل مختلفة وهو الدور الذي أجاده بن حبتور بامتياز متمتعا بمساحة شاسعة من المناورة التي كان صالح يمنحها عادة لأتباعه من خلال تحريرهم من عقدة التبعية التقليدية والمباشرة وتحويلهم إلى طور آخر من العمالة والتبعية أكثر تعقيدا جسده بامتياز عبدالعزيز بن حبتور في كل المناصب التي عمل فيها وصولا إلى عمله كمحافظ عدن في فترة شديدة الحساسية والتعقيد نجح خلالها في إظهار نفسه كحليف وفيّ ومخلص لعبدربه منصور هادي في ذات الوقت الذي كان ينفذ فيه تعليمات صالح بشكل حرفي وهو الأمر الذي أهّله في نهاية المطاف لنيل ثقة الانقلابيين الذين عيّنوه رئيسا لحكومتهم التي أعلنت في نهاية نوفمبر الماضي.
استغرب اليمنيون حينها ثقة صالح المفرطة، قبل أن تكشف الأحداث المتلاحقة أنه استطاع زرع أحد أبرز الموالين له في قصر “المعاشيق” الذي اتخذه الرئيس عبدربه منصور هادي مقرا لإقامته.
كان عبدالعزيز بن حبتور الذي عينه عبدربه منصور هادي في 24 ديسمبر 2014 محافظا لعدن على رأس مستقبلي الرئيس الشرعي الذي تمكن خلال مغامرة “هوليوودية”، روى بعض تفاصيلها لاحقا، من خداع حراس قصره في صنعاء والسفر عبر طرق ملتوية وشاقة وصولا إلى عدن.
تمكن بن حبتور من الاقتراب من الرئيس عبدربه منصور هادي وإظهار الولاء والإخلاص له وحصل بالفعل على ثقته. غير أنه كان في الخفاء يمرّر كل صغيرة وكبيرة تحدث في قصر “المعاشيق” بعدن إلى الرئيس السابق، بما في ذلك الوجبات التي كان يتناولها الرئيس عبدربه منصور هادي.
لاعب من خلف الكواليس
ولد بن حبتور عام 1955 في قرية “غرير” بمديرية الروضة في محافظة شبوة (جنوب شرقي اليمن). تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في مسقط رأسه، قبل أن ينتقل إلى محافظة أبين القريبة من عدن لإكمال دراسته الثانوية. ليواصل الدراسة الجامعية التي تخرج منها في العام 1981 بدرجة البكالوريوس من كلية الإدارة والتجارة بجامعة عدن.
ساهم انتماؤه المبكّر للحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم جنوب اليمن حينها في حصوله على منحة لإكمال دراسته العليا في ألمانيا الشرقية التي نال منها درجة الماجستير من جامعة الاقتصاد في برلين سنة 1988 ثم الدكتوراه من جامعة “لايبزغ” عام 1992.
خلال الفترة التالية ارتبطت سيرة بن حبتور بالعمل الأكاديمي في جامعة عدن التي تدرّج في مناصبها، حتى تمّ تعيينه نائبا لرئيس الجامعة لشؤون الطلاب، غير أنه في المقابل كان قد بدأ يتدرج بشكل تصاعدي في حزب المؤتمر الشعبي العام وينسج خيوط علاقة خاصة وخفية مع علي عبدالله صالح الذي احتضنه وأولاه الاهتمام حتى عينه في أبريل 2001 نائبا لوزير التربية والتعليم، قبل أن يعيده إلى عدن في يونيو 2008 رئيسا لجامعتها، ويوكل إليه مهمة خاصة كشف النقاب عنها تعيينه في نفس العام رئيسا لفرع المؤتمر الشعبي العام بمحافظة عدن، ليتحوّل إلى أحد أذرع صالح القوية في جنوب اليمن الذي شهد في تلك الفترة بداية موجة متصاعدة من الاضطرابات انطلقت في العام 2007 الذي شهد ولادة ما عرف لاحقا بالحراك الجنوبي السلمي.
ظل بن حبتور يلعب دورا من خلف الكواليس في تنفيذ أجندات صالح وكان حريصا على النأي بنفسه عن الصراعات المكشوفة، مفضلا العمل بصمت ودون أضواء أو ضجيج عدا ما تتطلبه طبيعة عمله الرسمي، غير أن تطورات الأحداث المتسارعة في المشهد اليمني أوصلته إلى نقطة فارقة فقد فيها قدرته على القيام بأدوار متعاكسة، وخصوصا بعد أن عيّنه الرئيس عبدربه منصور هادي محافظا لعدن إلى جانب سبعة محافظين جدد عقب اجتياح الحوثيين لصنعاء بثلاثة أيام فقط وقيل حينها إن قرار تعيين بن حبتور حظي بموافقة الرئيس السابق والحوثيين.
كردة فعل على حصار الرئيس عبدربه منصور هادي وإذلاله، تزعم بن حبتور ما سمّي بحزب المؤتمر الشعبي العام الجنوبي، وقيل إنه أقدم على تلك الخطوة بتوجيهات من صنعاء وحتى يضفي على تحركاته اللاحقة مصداقية لدى الشارع الجنوبي أوعز الرئيس السابق إلى حزبه في الثامن من ديسمبر 2014 بإعلان تجميد عضوية بن حبتور في حزب المؤتمر الشعبي العام وإحالته للتحقيق التنظيمي.
مواقف مزدوجة
في الفترة اللاحقة أخذ بن حبتور في التمييز بن صالح ونجله وأطلق سلسلة من التصريحات التي تدعم أحمد نجل علي عبدالله صالح وينتقد فيها والده وهي السياسة التي كان يشيعها صالح نفسه في الخفاء. وقال في حوار مع صحيفة “المدينة” السعودية (في 15 مارس 2015) قبيل الاجتياح الحوثي لعدن بأيام قليلة “أحمد علي شخصية وطنية يستطيع أن يحل القضايا الوطنية العالقة اليوم، وكان السبب فيها والده. لكن عليه أولا أن يتبرأ من هذا الكلام الذي يقال حوله وينتظر إلى أن تأتي اللحظة المناسبة. وقد أكون أنا واحدا من بين من يرشّحونه”.
استمر بن حبتور من خلال موقعه كمحافظ لعدن وتصريحاته النارية ضد الحوثيين وصالح في كسب ودّ وثقة الرئيس عبدربه منصور هادي والاقتراب منه إلى الحدّ الذي جعله أفضل مستشاريه. غير أنه كان حينها يلعب باحتراف شديد أدوارا مزدوجة من خلف الستار تصبّ بشكل أو بآخر في خدمة الرئيس السابق الذي ظل يدين له بالولاء المطلق.
ومن المواقف الغامضة التي سجّلت له في تلك المرحلة إطلاقه لنداء مثير للشبهة في 27 مارس 2015 طالب فيه اللجان الشعبية الموالية للرئيس هادي في عدن بالتعامل مع قوات الأمن والشرطة العسكرية والشرطة البحرية التي كانت في معظمها تدين بالولاء للرئيس السابق، واعتبارهم “كأصدقاء وليس كأعداء يقومون بعمل وطني كبير وليس لديهم خصومة مع أيّ جهة”.
وهو النداء الذي جاء عقب مواجهات دامية بين وحدات من الجيش والأمن المركزي التي تمرّدت على الرئيس هادي واللجان الشعبية المدعومة من هادي، كما وجهت اتهامات له بالضلوع مع محافظ لحج السابق أحمد المجيدي في تهريب قائد قوات الأمن المركزي عبدالحافظ السقّاف الذي تمرد على قرار الرئيس هادي بإقالته بإيعاز من صالح، وقال في تصريح صحافي “إن العميد السقاف تمكن من الهرب”، مشيرا إلى أن “قوات الأمن تقوم بملاحقته”.
اتهم بن حبتور أيضا بإبلاغ الحوثيين بتحركات عدد من قيادات الجيش الذين توجهوا إلى محافظة لحج (شمال عدن) لمواجهة ميليشيات الحوثي وقوات صالح الزاحفة إلى عدن، وهو ما أسفر عن اعتقال الحوثيين لوزير الدفاع محمود الصبيحي واللواء فيصل رجب وشقيق الرئيس هادي في 25مارس2015.
مصير غامض
فطن الرئيس عبدربه منصور هادي متأخرا للدور الذي لعبه محافظ عدن بن حبتور ولكن بعد فوات الأوان، حيث سيطرت ميليشيات الحوثي وقوات صالح على عدن وغادر هادي إلى سلطنة عمان ومنها إلى السعودية، واتهم بن حبتور مجددا بإعطاء الرئيس السابق معلومات عن تحركات هادي وخط سيره، غير أن هادي كان قد ضلل بن حبتور نفسه، ففشلت خطة اغتيال الرئيس أو اعتقاله.
في الثالث من أبريل 2015 أقاله الرئيس عبدربه منصور هادي من منصبه كمحافظ لعدن وعيّن القائد في المقاومة نائف البكري بدلا عنه. وخلال ذلك الشهر، الذي تنامت فيه المقاومة المسلحة في مدينة عدن ضد ميليشيات الحوثي وصالح، سرت الكثير من الشائعات حول مصير بن حبتور الذي تحوّل إلى حديث الشارع، ومن ذلك الحديث حول وقوعه في أيدي ميليشيات الحوثي وصالح، كما تسرّبت معلومات متناقضة عن ورود اسمه ضمن قائمة تضم 54 من قيادات حزب صالح طالبها التحالف العربي بتحديد موقفها خلال 24 ساعة حتى لا تكون عرضة للاستهداف “بسبب تمردهم على الشرعية ودعمهم للعملية الانقلابية”.
وفي ذات الشهر نشرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية سبأ التي سيطر عليها الحوثيون قائمة أخرى وصفتهم بعملاء العدوان وكان أيضا ضمن هذه القائمة التي تضمنت 39 شخصية اتهموا من قبل الحوثيين “بارتكاب جرائم تمسّ باستقلال اليمن ووحدتها وسلامة أراضيها”.
ومن بين هذا الركام من الأخبار المتناقضة حول موقف بن حبتور، عاد الرئيس السابق ليرسل إشارة جديدة أكدت الارتباط الخفيّ بينه وبين محافظ عدن المُقال، حيث طالب صالح مع اشتداد ضراوة المقاومة في عدن بخروج من وصفهم “المجاميع” وتسليم المدينة لقوات الجيش والأمن تحت إمرة عبدالعزيز بن حبتور، وهي الدعوة التي تلقفها ليظهر مجددا في منتصف مايو ويوجه مدراء العموم والمسؤولين في عدن بالعمل في المديريات التي تسيطر عليها الميليشيا.
رئيس حكومة الانقلابيين
اختفى بن حبتور عن الأنظار غير أن الشائعات ظلت تلاحقه ومن بينها ما قيل عن مقتله في 14 يونيو أو الحديث عن إلقاء المقاومة القبض عليه في غرفة عمليات حربية حوثية في جبل هيل بعدن في 24 يوليو 2015، ولم يظهر مجددا إلا بعد طرد ميليشيا الحوثي وقوات صالح من المحافظات الجنوبية في نوفمبر 2015 من خلال لقاء أجرته معه صحيفة إلكترونية مقرّبة من الحراك الجنوبي.
تحدث عن المكان الذي اختفى فيه طوال الفترة الماضية لمراقبة ما وصفه بالمشهد العبثي، مضيفا أنه انزوى في بقعة نائية خلال الحرب على الرغم من قدرته على الهروب إلى خارج اليمن واعتبر أن “عدن باتت تئن تحت وطأة الجماعات التي تعج بها المدينة من البلاطجة وعناصر القاعدة”، كما هاجم التحالف العربي قائلا إنهم “ضربوا اليمن بقسوة مفرطة ودمروا البنى التحتية وقتلوا العزل”.
أشار في لقائه الأول، الذي يعتقد أنه أجري معه في صنعاء، إلى الحملة الإعلامية التي شنت عليه ووصمته بالخيانة، متهما خصومه بأنهم “تفنّنوا في كيل التهم الحاقدة والمريضة والكاذبة تجاهه”.
في خريف العام الماضي قطعت آخر صلة رسمية لبن حبتور بالمدينة التي كان أبرز مسؤول فيها، حيث حسم محافظ عدن الراحل اللواء جعفر محمد سعد الجدل حول مصيره كرئيس لجامعة عدن التي ظل يرأسها إلى جانب عمله كمحافظ.
قال اللواء سعد ردا على أسئلة الصحافيين خلال فعالية أقامتها الجامعة “إن تولّي بن حبتور منصب رئاسة جامعة عدن انتهى”.
بعدها واصل بن حبتور ظهوره الإعلامي من خلال عدد من المقالات الصحافية التي عبرت عن موقفه الذي ظل ملتبسا لفترة طويلة، كما أطلّ من خلال حوار صحافي ثان في أواخر 2015 ولكن هذه المرة من صحيفة “الميثاق” التي تصدر عن حزب المؤتمر التابع لصالح، ليواصل ما بدأه من هجوم على التحالف العربي والحكومة الشرعية.
أما أول ظهور علني له فقد كان حيث ظهر لأول مرة علانية في صنعاء برفقة القياديين البارزين في حزب المؤتمر عارف الزوكا ويحيى الراعي.
وفي الرابع من أبريل من العام 2016 ظهر على قناة اليمن التابعة للحوثيين في اجتماع برئاسة محمد علي الحوثي رئيس ما كان يسمّى اللجنة الثورية العليا بصفته محافظا لعدن المنصب الذي أقاله منه الرئيس عبدربه منصور هادي.
استخدم صالح والحوثيون بن حبتور كالعديد من القيادات الجنوبية التي انحازت لهم في تمرير مشروعهم الانقلابي وتجميله، حيث شارك في 19 مايو فيما سمّي باجتماع “الجبهة الوطنية لأبناء المحافظات الجنوبية”.
يعتبر العديد من المراقبين عبدالعزيز بن حبتور نموذجاً للكثير من القيادات الجنوبية التي تمكّن صالح من استمالتها إليه منذ وقت مبكّر وتطويعها لصالحه في مراحل مختلفة وهو الدور الذي أجاده بن حبتور بامتياز متمتعا بمساحة شاسعة من المناورة التي كان صالح يمنحها عادة لأتباعه من خلال تحريرهم من عقدة التبعية التقليدية والمباشرة وتحويلهم إلى طور آخر من العمالة والتبعية أكثر تعقيدا جسده بامتياز عبدالعزيز بن حبتور في كل المناصب التي عمل فيها وصولا إلى عمله كمحافظ عدن في فترة شديدة الحساسية والتعقيد نجح خلالها في إظهار نفسه كحليف وفيّ ومخلص لعبدربه منصور هادي في ذات الوقت الذي كان ينفذ فيه تعليمات صالح بشكل حرفي وهو الأمر الذي أهّله في نهاية المطاف لنيل ثقة الانقلابيين الذين عيّنوه رئيسا لحكومتهم التي أعلنت في نهاية نوفمبر الماضي.