فتح أحد السجون سيئة السمعة وشديدة الحراسة يقع بالقرب من مدينة كيب تاون في أفريقيا أبوابه لتذوق أطباق الطعام التي يعدها السجناء داخل السجن.
هذا السجن هو ذاته الذي أمضى فيه رئيس جنوب أفريقيا الراحل والمناضل من أجل الحرية نيلسون مانديلا قرابة سبع سنوات في الثمانينيات من القرن الماضي.
ويرتدي السجناء لباس العمال برتقالي اللون” أوفرولات ” ويستخدمون السكاكين في المطبخ، بينما يقدم نزلاء آخرون يرتدون الملابس المدنية ويضعون مرايل بيضاء الأطعمة في مطعم ” إيدلاناهي” المقام داخل سجن بولزمور.
ويأتي تقديم الطعام داخل هذا المطعم في إطار برنامج تدريبي يهدف إلى تعليم المسجونين مهارات عملية، لزيادة فرصهم في الحصول على الوظائف بعد انتهاء فترة العقوبة وإدماجهم في المجتمع.
ولا يعد مطعم ” إيدلاناهي” فريدا من نوعه في العالم، فهناك برامج مماثلة نفذت في مدينة فولتيرا الإيطالية وكونكورد بولاية ماساشوستس الأمريكية، إلى جانب أربعة سجون موزعة على مختلف أنحاء بريطانيا. غير أن سجن بولزمور يتيح بمطعمه تجربة تاريخية نادرة حيث نزل فيه المناضل الكبير مانديلا، والذي تحول من حامل للقب إرهابي إلى مناضل من أجل الحرية ثم حاصل على جائزة نوبل للسلام.
وللوصول إلى مطعم ” إيدلاناهي” الذي يعني اسمه بلغة الهاوسا المحلية ” كل معنا”، تحتاج إلى ركوب السيارة لفترة وجيزة حتى وسط السجن، الذي يشتهر بأنه مكتظ بالنزلاء وبالعنف الجماعي وبالافتقار إلى ضروريات الصحة العامة.
ويذكر أن مانديلا أصيب بالسل في هذا السجن عام 1988، ولا تزال معدلات العدوى بهذا المرض مرتفعة للغاية بالسجن. ويقع المطعم وسط صف من بيوت العاملين بالسجن المشيدة من القرميد الأحمر والتي لا تشد الانتباه.
ويتسع المطعم لنحو 50 ضيفا يجلسون داخل قاعة غير مؤثثة بشكل جيد، وتوضع المقاعد المكسوة بوسائد مغطاة بمفارش بلاستيكية ملاصقة للطاولات المعدنية السوداء، ويتم استخدام ستائر حمراء ثقيلة لتغطية القضبان الحديدية المقامة حول النوافذ، بينما تعكس مصابيح النيون بحدة الأرضية اللامعة المبلطة بالقرميد.
ومع ذلك تعد أسعار الوجبات ودية وميسورة للغاية، فمثلا يمكن أن يبلغ سعر وجبة الإفطار المعدة على الطريقة الريفية وتشمل كوبا من القهوة 2.50 دولار فقط، بينما يبلغ سعر وجبة “بفتيك الدجاج” برقائق البطاطس أو السلطة 2.80 دولار.
ويختار الضيوف بين تناول الماء أو العصير أو المشروبات الخفيفة، ولا يسمح بتقديم المشروبات الكحولية، ومما يثير الدهشة أن المطعم لا يقدم الحلوى. ويستضيف المطعم أيضا المؤتمرات وحفلات الزواج وأعياد الميلاد، غير أن هذه الفعاليات تقتصر على العاملين ورجال الأمن فقط إذ إنها تتم داخل جدران السجن. ويحبذ النزلاء العمل في المطعم ليس فقط لتعلم مهارة جديدة، بل لتبديد مشاعر الملل التي يشعرون بها داخل الزنزانة، كما أنهم يرون أن العمل بالمطعم يشعرهم بالأمان أكثر من البقاء داخل الزنزانات المكدسة بالسجناء.
ويقول نوتوبيكو نجالو الذي يأتي إلى السجن مرتين شهريا لزيارة مسجون من أقاربه: “إن الطعام المقدم مناسب وسعره مقبول”. وهو لا يشعر بالقلق من أن العاملين بالمطعم من المسجونين، إذ إنه يعلم أن المتدربين على إعداد وتقديم الطعام بالمطعم أدينوا بارتكاب جرائم لا تتعلق بالعنف.
وتوضح مسؤولة بإدارة التنمية البشرية بالسجن رفضت الإفصاح عن اسمها أن السجناء يخضعون لفحوصات نفسية وصحية قبل أن يتم اختيارهم لتنفيذ البرنامج.
وتقول المسؤولة، إنه يتم يوميا إحصاء عدد السكاكين والقيام بعمليات تفتيش ذاتي للسجناء بالمطعم عند إغلاق المطبخ، وخلال 15 عاما عملتُ خلالها بالسجن لم اسمع عن وقوع أي حوادث أو مشاجرات. وعندما يتم تنظيف الصحون الخاوية يخطو الطاهي ساهير خارج المطبخ ليستعلم عن جودة الوجبة، ويأمل هذا السجين في أن يكون البرنامج التدريبي تذكرة يدلف من خلالها إلى حياة أفضل.
ويبتسم ساهير قائلا بينما تعكس سن ذهبية في فمه ضوء النيون: “سأخرج من السجن في غضون شهر، وبعدها سأبحث عن وظيفة في أحد المطاعم “.