بدأت مرحلة العمل الجماعي سنة 1990، نتيجة للتعدّدية الحزبية ورفع القيود عن تكوين الجمعيات والتعبير، التي كانت الركن الأساسي لمشروع وحدة شمال اليمن وجنوبه. وكان سبب اختيار محافظة صعدة (240 كيلومتراً شمال العاصمة صنعاء)، قاعدةً لنفوذ الجماعة واضحا، فصعدة هي المقرّ القديم التعليمي والسياسي للمذهب الزيدي، ومركز الزيدية دون منازع.
أثناء مرحلة العمل الجماعي، ركّزت الجماعة أنشطتها في المراكز الصيفية، وفي غياب فرص العمل والافتقار إلى التسهيلات الحكومية للشباب في الإجازات الصيفية، أصبحت تلك المراكز مقاصد شهيرة للطلاب، لا من صعدة فحسب، وإنما من المحافظات والبلدات الأخرى المعروفة -تاريخيّا- بالانتماء التقليدي إلى الزيدية (مثل حجّة وعمران).
ويُعزى نجاح “الشباب المؤمن ” في مرحلة العمل الجماعي إلى ردّ الفعل الحماسي للشبان الزيديين على التحدّي الأيديولوجي، وتحدّي الهوية الذي تشكّله الحركة السلفية في صعدة، قلب الزيدية وعقلها، وقد تبلور هذا التحدّي منذ إنشاء ما يدعى مركز دماج للسلفيين التقليديين.
كان المركز السلفي بإدارة الشيخ مقبل هادي الوادعي، مؤسّس السلفية في اليمن وكان الشيخ الراحل (ت 2001) ناقداً قوياً لكل أشكال المذهب الشيعي. وفي أوائل تسعينات القرن العشرين، بلغ الصدام الأيديولوجي الزيدي السلفي في صعدة مستوى حادًّا، عندما حاول السلفيون الاستيلاء على مسجد رازح، المسجد الرئيس للشباب المؤمن، واشتدّت المواجهات السلفية الزيدية ووصفت بأنها “صدام الأصوليين”.
وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حقّقته الحركة، فإنها لم تنمُ لتصبح منظمة إسلامية ذات قاعدة شعبية قوية كحزب الله في لبنان وحماس في الأراضي الفلسطينية.
سنة 1999، بدأ تصنيف المراكز الدينية الصيفية الزيدية بوصفها معتدلة ومحافظة، وكانت الأخيرة برئاسة حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس جماعة الحوثيين الجذرية، وابن رجل دين زيدي نافذ، وعضو سابق في البرلمان اليمني.
وفي بعض الحالات، جرى التصنيف بين معتدل ومحافظ حتى داخل المركز الواحد. ووقع انشقاق رسمي للمراكز سنة 2000، ولم يعد مجلس الإدارة قادراً على إدارتها.
وأبرز هذا الانشقاق الانقسام داخل النخبة الشيعية الزيدية في اليمن، وهكذا بدأ الحوثي إضفاء الراديكالية على عدد متزايد من الشبان الزيديين، متسلّحًا بشخصيته التي يصفها البعض بـ”الكاريزمية”، ومستلهما أفكار آية الله الخميني والاستراتيجيات التنظيمية لحسن نصرالله في لبنان.
قلقت السلطة المركزية اليمنية سنة 2003 من أنشطة الحوثي، عندما بدأ أتباعه يهتفون “الموت لأميركا” داخل المسجد الكبير في العاصمة وخارجه بعد صلوات الجمعة. وفي صعدة، كتب أتباع الحوثي شعارهم المعادي لأميركا على جدران المباني، بما في ذلك المكاتب الحكومية، ووزّعوا منشورات تحتوي على اتهامات موجّهة إلى حكومة صنعاء بأنها حليفة للولايات المتحدة في الحرب على العالم الإسلامي.
وكان الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح قد وقع في مأزق في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما صنّفت واشنطن بلدان العالم وقادته: إما مع الولايات المتحدة وإما ضدّها. وبتصوّر البنتاغون لليمن أنه دولة فاشلة يمكن غزوها كأفغانستان، ولإنقاذ البلد والنظام، اضطّر صالح إلى عرض التعاون مع الولايات المتحدة على الرغم من المشاعر الواسعة المعادية لها في اليمن. وأخذت السلطات تعتقل المئات من الحوثيين الذين يردّدون الشعارات المعادية للولايات المتحدة في العاصمة ومحافظة صعدة.
ووفقاً لحسن زيد، الأمين العام لحزب الحقّ الزيدي المعارض، اشتبهت أجهزة الأمن اليمنية في أن أتباع الحوثي الذين يردّدون اليوم شعار “الموت لأميركا” يمكن أن يهتفوا “الموت للرئيس اليمني” غداً. وبعد صعدة، بدأ الحوثي تعبئة السكان الشماليين بغية نزع الشرعية عن السلطة المركزية.
وحضّ في خطبه الشعب على التوقّف عن دفع أي نوع من الضرائب للسلطة المركزية فحاولت حكومة صالح عدة مرّات تنفيس التوتّر باستخدام أساليب الوساطة السلمية، لكن محاولاتها باءت بالفشل.
وتصاعد تحدّي الحوثي لصنعاء، واحتلّ أتباعه عدة مكاتب حكومية، واستولوا على مواقع استراتيجية في العديد من قمم الجبال، وبدأوا باعتماد تكتيكات الميليشيات وحرب العصابات.
تلت ذلك اشتباكات بين قوات الميليشيا الحوثية والجيش اليمني في 18 يـونيو 2004. لكن العمليـة العسكريـة ضدّ المتمرّدين لم تتقدّم بسرعة كما كان متوقّعًا؛ فقد أظهر المتمرّدون الذين يبلغ عددهم بضع مئات مقاومة شرسة، وتم التصريح بمقتل العشرات من الجنود. ورغم أن القوات الحكومية نجحت في قتل حسين الحوثي، فإن التمـرّد العنـيف لم يتوقّف.
* خلاصة من بحث: خالد فتاح “الطائفية والقبلية وسياسة بقاء النظام في اليمن”، ضمن كتاب “اليمن مِن الإمامة إلى عاصفة الحزم”، 117 (سبتمبر 2016) “الفرص والتحديات في دول الخليج2” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
أثناء مرحلة العمل الجماعي، ركّزت الجماعة أنشطتها في المراكز الصيفية، وفي غياب فرص العمل والافتقار إلى التسهيلات الحكومية للشباب في الإجازات الصيفية، أصبحت تلك المراكز مقاصد شهيرة للطلاب، لا من صعدة فحسب، وإنما من المحافظات والبلدات الأخرى المعروفة -تاريخيّا- بالانتماء التقليدي إلى الزيدية (مثل حجّة وعمران).
ويُعزى نجاح “الشباب المؤمن ” في مرحلة العمل الجماعي إلى ردّ الفعل الحماسي للشبان الزيديين على التحدّي الأيديولوجي، وتحدّي الهوية الذي تشكّله الحركة السلفية في صعدة، قلب الزيدية وعقلها، وقد تبلور هذا التحدّي منذ إنشاء ما يدعى مركز دماج للسلفيين التقليديين.
كان المركز السلفي بإدارة الشيخ مقبل هادي الوادعي، مؤسّس السلفية في اليمن وكان الشيخ الراحل (ت 2001) ناقداً قوياً لكل أشكال المذهب الشيعي. وفي أوائل تسعينات القرن العشرين، بلغ الصدام الأيديولوجي الزيدي السلفي في صعدة مستوى حادًّا، عندما حاول السلفيون الاستيلاء على مسجد رازح، المسجد الرئيس للشباب المؤمن، واشتدّت المواجهات السلفية الزيدية ووصفت بأنها “صدام الأصوليين”.
وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حقّقته الحركة، فإنها لم تنمُ لتصبح منظمة إسلامية ذات قاعدة شعبية قوية كحزب الله في لبنان وحماس في الأراضي الفلسطينية.
سنة 1999، بدأ تصنيف المراكز الدينية الصيفية الزيدية بوصفها معتدلة ومحافظة، وكانت الأخيرة برئاسة حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس جماعة الحوثيين الجذرية، وابن رجل دين زيدي نافذ، وعضو سابق في البرلمان اليمني.
وفي بعض الحالات، جرى التصنيف بين معتدل ومحافظ حتى داخل المركز الواحد. ووقع انشقاق رسمي للمراكز سنة 2000، ولم يعد مجلس الإدارة قادراً على إدارتها.
وأبرز هذا الانشقاق الانقسام داخل النخبة الشيعية الزيدية في اليمن، وهكذا بدأ الحوثي إضفاء الراديكالية على عدد متزايد من الشبان الزيديين، متسلّحًا بشخصيته التي يصفها البعض بـ”الكاريزمية”، ومستلهما أفكار آية الله الخميني والاستراتيجيات التنظيمية لحسن نصرالله في لبنان.
قلقت السلطة المركزية اليمنية سنة 2003 من أنشطة الحوثي، عندما بدأ أتباعه يهتفون “الموت لأميركا” داخل المسجد الكبير في العاصمة وخارجه بعد صلوات الجمعة. وفي صعدة، كتب أتباع الحوثي شعارهم المعادي لأميركا على جدران المباني، بما في ذلك المكاتب الحكومية، ووزّعوا منشورات تحتوي على اتهامات موجّهة إلى حكومة صنعاء بأنها حليفة للولايات المتحدة في الحرب على العالم الإسلامي.
وكان الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح قد وقع في مأزق في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما صنّفت واشنطن بلدان العالم وقادته: إما مع الولايات المتحدة وإما ضدّها. وبتصوّر البنتاغون لليمن أنه دولة فاشلة يمكن غزوها كأفغانستان، ولإنقاذ البلد والنظام، اضطّر صالح إلى عرض التعاون مع الولايات المتحدة على الرغم من المشاعر الواسعة المعادية لها في اليمن. وأخذت السلطات تعتقل المئات من الحوثيين الذين يردّدون الشعارات المعادية للولايات المتحدة في العاصمة ومحافظة صعدة.
ووفقاً لحسن زيد، الأمين العام لحزب الحقّ الزيدي المعارض، اشتبهت أجهزة الأمن اليمنية في أن أتباع الحوثي الذين يردّدون اليوم شعار “الموت لأميركا” يمكن أن يهتفوا “الموت للرئيس اليمني” غداً. وبعد صعدة، بدأ الحوثي تعبئة السكان الشماليين بغية نزع الشرعية عن السلطة المركزية.
وحضّ في خطبه الشعب على التوقّف عن دفع أي نوع من الضرائب للسلطة المركزية فحاولت حكومة صالح عدة مرّات تنفيس التوتّر باستخدام أساليب الوساطة السلمية، لكن محاولاتها باءت بالفشل.
وتصاعد تحدّي الحوثي لصنعاء، واحتلّ أتباعه عدة مكاتب حكومية، واستولوا على مواقع استراتيجية في العديد من قمم الجبال، وبدأوا باعتماد تكتيكات الميليشيات وحرب العصابات.
تلت ذلك اشتباكات بين قوات الميليشيا الحوثية والجيش اليمني في 18 يـونيو 2004. لكن العمليـة العسكريـة ضدّ المتمرّدين لم تتقدّم بسرعة كما كان متوقّعًا؛ فقد أظهر المتمرّدون الذين يبلغ عددهم بضع مئات مقاومة شرسة، وتم التصريح بمقتل العشرات من الجنود. ورغم أن القوات الحكومية نجحت في قتل حسين الحوثي، فإن التمـرّد العنـيف لم يتوقّف.
* خلاصة من بحث: خالد فتاح “الطائفية والقبلية وسياسة بقاء النظام في اليمن”، ضمن كتاب “اليمن مِن الإمامة إلى عاصفة الحزم”، 117 (سبتمبر 2016) “الفرص والتحديات في دول الخليج2” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.