الرئيسية / من هنا وهناك / مدينة مكسيكية طردت المجرمين والسياسيين والشرطة.. كيف تبدلت حالها بعد 5 أعوام؟
مدينة مكسيكية طردت المجرمين والسياسيين والشرطة.. كيف تبدلت حالها بعد 5 أعوام؟

مدينة مكسيكية طردت المجرمين والسياسيين والشرطة.. كيف تبدلت حالها بعد 5 أعوام؟

19 أكتوبر 2016 12:24 مساء (يمن برس)


احتل شعب بلدة كران الصغيرة في ولاية ميتشواكان المكسيكية عناوين الصحف العالمية قبل خمسة أعوام، لرفعهم السلاح ضد عصابات المخدرات القوية الذين هدّدوا مصادر رزقهم إضافة للقادة السياسيين المحليين والشرطة.

أما اليوم، فقد أصبحت هذه المستوطنة ذاتية الحكم شعلة أمل للعديد من المجتمعات المحلية المكسيكية الأخرى. وبدأت القصة الملهمة لبلدة كران الجديدة عام 2011، بعد أن شاهد السكان العزّل حطّابين مدعومين من عصابات مخدرات مثل “فاميليا ميتشوكوانا” وهم يدمّرون غاباتهم القديمة حاملين معهم جذوع أشجار كبيرة مضرمين النار بما تبقى من الغابة ليعدوا الأرض لزراعة نبات الأفوكادو.

حينها حاول سكان البلدة الطلب من الحكومة المساعدة في إنقاذهم إلا أنهم لم يتلقوا أي مساعدة منهم واختار السياسيون الفاسدون والشرطة تجاهل الأمر.

وبعد أن ترك سكان كران دون أي خيارات ومع اقتراب الحطابين من أحد ينابيع المياه التابعة للبلدة، قرّروا أن القتال من أجل غاباتهم ومصادر رزقهم ومعيشتهم يقع على عاتقهم. بدورها، قالت إحدى المشاركات في الهبة التاريخية للبلدة متحدثة لشبكة بي بي سي: “كنا قلقين، إذا قُطعت الأشجار تقلّ المياه. يملك أزواجنا مواشي، فمن أين سيشربون إن جفت مياه الينبوع؟”.


وكانت هي ومجموعة أخرى من النساء توجهن في وقت سابق بأنفسهن إلى الغابة لمحاولة إقناع الحطابين بالتوقف إلا أنهن تعرضن للاعتداءات اللفظية وأُجبرن على الخروج من الغابة من قبل الرجال المسلحين، عندها لجأن إلى وضع خطة لإيقاف الشاحنات أثناء مرورها ببلدة كران على أمل الحصول على دعم المجتمع بأكمله.

ونفذت النساء خطتهن الجمعة في الـ 15 من نيسان/ أبريل عام 2011 وحجزن سيارات الحطابين وأخذن بعضهم رهائن عندهن. عندها رنّت أجراس الكنيسة المحلية وأشعلت السماء بالألعاب النارية تنبيهًا للبلدة كلها من الخطر الموشك، فكان الناس يركضون في الشوارع وهم يحملون السواطير والعصي والأحجار وأي أسلحة أخرى تمكنوا من العثور عليها بانتظار قدوم أصحاب الحطابين لتحرير أصدقائهم الرهائن.

وبعدها، حضر بقية الحطابين برفقة الشرطة المحلية لكنهم تراجعوا بعد مواجهة محتدة.

تقول شاهدة عيان كانت مشاركة في الدفاع عن بلدتها: “تذكّر ذلك اليوم يجعلني أرغب بالبكاء، كان الأمر كفيلم رعب لكنه أفضل شيء كان باستطاعتنا القيام به”.

وكانت تلك الانتفاضة بداية لطريق الحكم الذاتي في كران. وبعد فترة وجيزة، تم طرد الشرطة والسياسيين المحليين من البلدة لتآمرهم مع المجرمين ومنع تكوين الأحزاب السياسية، منعًا للتسبب بالانقسامات بين الناس.

واستعاضةً عنهم، أنشئت ميليشيا “روندا كومينيتاريا” المكونة من رجال ونساء من البلدة، وانتخبت المقاطعات الأربع في البلدة ممثلين لهم في المجلس الحاكم للبلدة.

وينتخب أعضاء المجلس كلّ ثلاثة أعوام. وتم إنشاء ثلاث نقاط تفتيش مسلحة على الطرق المؤدية للبلدة، حماية للسكان من انتقام الحطابين وعصابات المخدرات.

ولا تزال نقاط التفتيش هذه موجودة لليوم، إذ يتم إيقاف واستجواب أي شخص يحاول الدخول أو الخروج من كران من قبل ميليشيا “وروندا كومينيتاريا”.

إلى ذلك، ورغم كل الصعاب إلا أن بلدة كران تمكنت من إبعاد المعتدين وإرساء سيادة للقانون دون أي مساعدة من الحكومة المكسيكية. فيما بقيت الأحزاب السياسية محظورة لليوم، بينما لا توجد قوات شرطة في البلدة.

ويسيطر المجلس الأعلى ولجان أخرى أنشئت في البلدة على جميع جوانب الحياة في المدينة، أما ميليشيا “روندا كومينيتاريا” فهي مسؤولة عن الأمن والحفاظ على السلام. ومن نتائج الانقلاب انخفاض معدل الجريمة إلى حدٍّ كبير في كران مقارنة ببقية بلدات مقاطعة ميتشواكان، فلم تسجّل أي جرائم قتل أو اختطاف أو اختفاء لأفراد في البلدة خلال العام الماضي، ويشعر سكانها بالأمان عند المشي في الشوارع حتى في منتصف الليل.

بيد أن جرائم القتل والاختطاف منتشرة بكثرة وفي ازدياد مضطرد في المجتمعات التي تبعد فقط 10 كم عن البلدة.

لا شك أن كاران ليست بلدة خالية من الجريمة، إلا أن أغلب الجرائم المسجلة صغيرة وغالبًا ما تتعلق بسوء تعاطي المشروبات الروحية. لكن حتى في هذه الحالات، تفرض البلدة عقوباتها الخاصة التي تتراوح بين الغرامات أو قضاء بضع ليال خلف القضبان. ولا يتم استدعاء المحامين الفيدراليين إلا في حالات نادرة من الجرائم الخطيرة، إلا أن أمثال هذه الجرائم لم تقع خلال العام الماضي.

وفي السياق، بدأت الغابة المدمّرة بالشفاء تحت حماية أهلها ويقدر أن 17ألف هكتار من الغابة دمرت من جراء الجريمة المنظمة قبل وضع شعب كران حدًّا لذلك.

ومنذ ذلك الحين أعيد زراعة 3000 هكتار بشتلات من المشاتل الخاصة بالبلدة ويراقب الغابة يوميًا دوريات من ميليشيا “روندا كومينيتاريا”. وأي شخص يرغب بقطع شجرة يحتاج للحصول على إذن من السلطات المحلية التي تطبق القانون بصرامة.

وتعتبر كران اليوم قدوة وشعلة أمل للعديد من المجتمعات المكسيكية التي تعاني من الجريمة والفساد حتى أن بعضهم حاول محاكاة نظام الحكم الذاتي الذي تتبعه كران لكن دون تحقيق نجاح مماثل. ويقول السكان المحليون للبلدة إن مفتاح النجاح هو الوحدة، فيوجد عدد قليل جدًا من الغرباء الذين يعيشون في كران، فالجميع يعرفون بعضهم والأسر مقربة من بعضها.

ومع ارتفاع نسب الجريمة في أنحاء المكسيك تتزايد المخاوف من احتمالية استعادة عصابات المخدرات موطئ قدم لهم في كران، وهي مخاوف مشروعة إلا أن سكان البلدة مستعدون لمواجهتهم هذه المرة.



شارك الخبر