يتسم الأداء السياسي للانقلابيين في اليمن (المخلوع علي صالح وجماعة الحوثيين المسلحة) بظاهرة باتت ملازمة له، وهي سياسة الهروب إلى الأمام كلما خسر الانقلابيون بعض المناطق التي يسيطرون عليها عسكرياً، واللافت أن خسائرهم العسكرية يعقبها مباشرة تحركات دولية مكثفة تدفع باتجاه الحل السياسي.
ورغم أن الخطوات التي اتخذها الانقلابيون مؤخراً كان يُفترض أن يقوموا بها في الأيام الأولى من الانقلاب، مثل تشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد"، ودعوة أعضاء البرلمان الموالين لهم للانعقاد، ثم تكليفهم عبدالعزيز بن حبتور لتشكيل ما أسموها "حكومة إنقاذ"، لكنهم أجلوا هذه الخطوات حوالي سنتين بعد الانقلاب، وسيقومون بتقسيط بقية الخطوات، والهدف من كل ذلك استهلاك الوقت، وتخدير أنصارهم بانتصارات سياسية وهمية كلما أخفقوا عسكرياً، لكن، إلى أي مدى يمكن لهذه الخطوات أن تنجح؟ وما هي دلالاتها؟ وهل ستؤثر على سير المعارك؟
أغرب انقلاب
يمكن وصف انقلاب المخلوع علي صالح وجماعة الحوثيين على السلطة الشرعية بأنه من أغرب الانقلابات العسكرية في العالم، وذلك للأسباب التالية:
- أولاً، أن الطرف الرئيسي في الانقلاب والراعي الرسمي له هو المخلوع علي صالح، لاستناده على جيش عائلي أسسه خلال سنوات حكمه الطويلة لليمن، ولاستناده على نفوذ الدولة العميقة الموالية له، لكنه تحالف مع الحوثيين، ودفع بهم إلى الواجهة، وتوارى خلفهم، من أجل تحميلهم المسؤولية عن الجرائم التي سيرتكبها ضد الشعب، وتحميلهم المسؤولية عن أي فشل عسكري محتمل. وبعد توالي الهزائم العسكرية، بدأ الحوثيون بالتواري خلف المخلوع صالح، ليرد بدوره بالتواري خلفهم مجدداً، وهكذا، كل طرف يتوارى خلف الآخر، ويحمله مسؤولية الهزائم العسكرية، مما عمق من الخلافات بينهم.
- ثانياً، اتسمت الانقلابات العسكرية التي شهدها العالم الثالث خلال النصف الأخير من القرن الماضي أن من يقوم بالانقلاب هو أحد الأطراف المشاركة في السلطة، لكن الانقلاب في اليمن تم عبر طرف يعتبر هو الممسك الرئيسي للسلطة، أي المخلوع علي صالح، لأن مشاركة بقية الأحزاب في حكومة الوفاق الوطني كانت في الغالب شكلية، إلا أنه كان يتم ابتلاع مساوئها من أجل تمرير المرحلة الانتقالية بشكل سليم، لكن وجه الغرابة يتمثل في أن المخلوع علي صالح انقلب على شركاء الحياة السياسية ليأتي بشركاء من خارج السلطة عنصريين وطائفيين وعملاء للفرس وملوثين بكل أمراض الجاهلية (أي جماعة الحوثيين)، ومصنفون من قبل بعض الدول العربية كجماعة إرهابية، ذلك أن عادة الانقلابيين عبر تاريخ الانقلابات العسكرية أنهم يقدمون أنفسهم كوطنيين منقذين للوطن، لكن المخلوع علي صالح قدم نفسه كقزم يتوارى خلف جماعة عنصرية وطائفية عميلة للفرس وتعمل ضد الوطن.
- ثالثاً، في العادة أن الانقلابيين عبر تاريخ الانقلابات العسكرية يتخذون خطوات سياسية حاسمة بعد الانقلاب مباشرة أكثر من الخطوات العسكرية، وذلك لأثر هذه الخطوات في نفوس الآخرين، لكن الانقلابيين في اليمن أجلوا الخطوات السياسية الحاسمة إلى ما بعد توالي الهزائم العسكرية أمام المقاومة الشعبية والجيش الوطني، ما أفقد هذه الخطوات أهميتها وأفرغها من مضمونها لدرجة أنها تبدو وكأنها لعب أطفال.
سر الأداء السياسي الهش
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا أجل الانقلابيون خطواتهم السياسية التصعيدية والتي كان يفترض أن يقوموا بها في الأيام الأولى للانقلاب كل هذا الوقت؟ ولماذا بدا وكأن هناك مسارين للانقلاب غير متكاملين، أحدهما سياسي والآخر عسكري، وكلما تأخر المسار العسكري خطوات إلى الوراء حاول المسار السياسي التقدم خطوة إلى الأمام؟
تكمن الإجابة على هذا السؤال في طبيعة هدف كل من المخلوع علي صالح والحوثيين من الانقلاب، فمن ناحية، انقلب المخلوع علي صالح على السلطة الشرعية وقدم تضحيات كبيرة ليس من أجل أن يحكم اليمن عبدالملك الحوثي أو أي قيادي في حزب المؤتمر أو حتى أحد أبناء إخوته، ولكن من أجل أن يعود هو إلى السلطة سواء عبر شخصه أو عبر نجله أحمد. وكذلك الحوثيون، فهم لم ينقلبوا على السلطة الشرعية ويقدموا تضحيات كبيرة من أجل أن يحكم اليمن أحمد علي صالح، أو أي قيادي في حزب المؤتمر، أو حتى أي شخص من المنتسبين إلى ما يسمى الفئة الهاشمية بحسب اعتقادهم، ولكن من أن ينفرد بحكم اليمن عبدالملك الحوثي وعائلته.
هذا التباين في هدف كل طرف من أطراف الانقلاب عزز من حالة الشك وعدم الثقة بينهما، لكن طبيعة المرحلة، وعدم قدرة الانقلابيين على تحقيق انتصارات عسكرية حقيقية ومؤثرة، مقابل تقدم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في بعض الجبهات، حتى وإن كان تقدماً بطيئاً، كل ذلك جعلهم يتغاضون عن هذه الخلافات على مضض، وأسهم التجانس المذهبي والاجتماعي بينهما على جعل خلافاتهم كالجمر تحت الرماد، وتأجيل الخطوات السياسية التي كان يُفترض أن يقوموا بها في الأيام الأولى للانقلاب حتى بعد مرور سنتين تقريباً.
فمن ناحية، هدف المخلوع علي صالح من الانقلاب أن يعود إلى السلطة سواء عبر شخصه أو عبر نجله أحمد، ومن ناحية أخرى، هدف الحوثيين من الانقلاب إلغاء الجمهورية وإعادة الملكية وتنصيب عبدالملك الحوثي إماماً للبلاد. ولهذا، فالحوثيون أجلوا الإعلان عن مشروعهم السياسي حتى يتمكنوا من السيطرة الكاملة على البلاد كما كانوا يعتقدون، وكذلك فالمخلوع علي صالح أجل الإعلان عن مشروعه السياسي وهدفه من الانقلاب حتى يتمكن من السيطرة الكاملة على البلاد كما كان يعتقد.
إلا أن الفشل العسكري للانقلابيين جعلهم يحاولون التغطية عليه من خلال محاولة تحقيق انتصارات سياسية وهمية، تتمثل في الخطوات التي اتخذوها مؤخراً، وهي تشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد"، ودعوة أعضاء البرلمان الموالون لهم للانعقاد ومنحهم شرعية لخطواتهم التصعيدية، ثم تكليف عبدالعزيز بن حبتور لتشكيل ما أسموها "حكومة إنقاذ".
ومن المحتمل أن يواصل الانقلابيون اتخاذ خطوات سياسية أخرى خلال الفترة المقبلة إذا لم تتكاتف الجهود لتحقيق الحسم العسكري وإنهاء الانقلاب، ويحتمل أن تنتهي الخطوات السياسية التصعيدية بإجراء انتخابات شكلية في المحافظات التي يسيطرون عليها، كل ذلك من أجل تحسين شروطهم التفاوضية ورفع سقف مطالبهم إذا ما تم حل الأزمة سياسياً، ذلك أنهم -أي الانقلابيين- يدركون أكثر من غيرهم أن الانقلاب مصيره الفشل، وأن خطواتهم السياسية التصعيدية عبثية وغير قانونية ولن تؤثر على سير المعارك، وأنه ليس أمامهم سوى الصمود حتى تقترب ساعة الحسم وسيقدمون التنازلات من أجل الحل السياسي، سواء مكنهم صمودهم من تحسين شروطهم التفاوضية أم لا.
*اخبار اليوم
ورغم أن الخطوات التي اتخذها الانقلابيون مؤخراً كان يُفترض أن يقوموا بها في الأيام الأولى من الانقلاب، مثل تشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد"، ودعوة أعضاء البرلمان الموالين لهم للانعقاد، ثم تكليفهم عبدالعزيز بن حبتور لتشكيل ما أسموها "حكومة إنقاذ"، لكنهم أجلوا هذه الخطوات حوالي سنتين بعد الانقلاب، وسيقومون بتقسيط بقية الخطوات، والهدف من كل ذلك استهلاك الوقت، وتخدير أنصارهم بانتصارات سياسية وهمية كلما أخفقوا عسكرياً، لكن، إلى أي مدى يمكن لهذه الخطوات أن تنجح؟ وما هي دلالاتها؟ وهل ستؤثر على سير المعارك؟
أغرب انقلاب
يمكن وصف انقلاب المخلوع علي صالح وجماعة الحوثيين على السلطة الشرعية بأنه من أغرب الانقلابات العسكرية في العالم، وذلك للأسباب التالية:
- أولاً، أن الطرف الرئيسي في الانقلاب والراعي الرسمي له هو المخلوع علي صالح، لاستناده على جيش عائلي أسسه خلال سنوات حكمه الطويلة لليمن، ولاستناده على نفوذ الدولة العميقة الموالية له، لكنه تحالف مع الحوثيين، ودفع بهم إلى الواجهة، وتوارى خلفهم، من أجل تحميلهم المسؤولية عن الجرائم التي سيرتكبها ضد الشعب، وتحميلهم المسؤولية عن أي فشل عسكري محتمل. وبعد توالي الهزائم العسكرية، بدأ الحوثيون بالتواري خلف المخلوع صالح، ليرد بدوره بالتواري خلفهم مجدداً، وهكذا، كل طرف يتوارى خلف الآخر، ويحمله مسؤولية الهزائم العسكرية، مما عمق من الخلافات بينهم.
- ثانياً، اتسمت الانقلابات العسكرية التي شهدها العالم الثالث خلال النصف الأخير من القرن الماضي أن من يقوم بالانقلاب هو أحد الأطراف المشاركة في السلطة، لكن الانقلاب في اليمن تم عبر طرف يعتبر هو الممسك الرئيسي للسلطة، أي المخلوع علي صالح، لأن مشاركة بقية الأحزاب في حكومة الوفاق الوطني كانت في الغالب شكلية، إلا أنه كان يتم ابتلاع مساوئها من أجل تمرير المرحلة الانتقالية بشكل سليم، لكن وجه الغرابة يتمثل في أن المخلوع علي صالح انقلب على شركاء الحياة السياسية ليأتي بشركاء من خارج السلطة عنصريين وطائفيين وعملاء للفرس وملوثين بكل أمراض الجاهلية (أي جماعة الحوثيين)، ومصنفون من قبل بعض الدول العربية كجماعة إرهابية، ذلك أن عادة الانقلابيين عبر تاريخ الانقلابات العسكرية أنهم يقدمون أنفسهم كوطنيين منقذين للوطن، لكن المخلوع علي صالح قدم نفسه كقزم يتوارى خلف جماعة عنصرية وطائفية عميلة للفرس وتعمل ضد الوطن.
- ثالثاً، في العادة أن الانقلابيين عبر تاريخ الانقلابات العسكرية يتخذون خطوات سياسية حاسمة بعد الانقلاب مباشرة أكثر من الخطوات العسكرية، وذلك لأثر هذه الخطوات في نفوس الآخرين، لكن الانقلابيين في اليمن أجلوا الخطوات السياسية الحاسمة إلى ما بعد توالي الهزائم العسكرية أمام المقاومة الشعبية والجيش الوطني، ما أفقد هذه الخطوات أهميتها وأفرغها من مضمونها لدرجة أنها تبدو وكأنها لعب أطفال.
سر الأداء السياسي الهش
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا أجل الانقلابيون خطواتهم السياسية التصعيدية والتي كان يفترض أن يقوموا بها في الأيام الأولى للانقلاب كل هذا الوقت؟ ولماذا بدا وكأن هناك مسارين للانقلاب غير متكاملين، أحدهما سياسي والآخر عسكري، وكلما تأخر المسار العسكري خطوات إلى الوراء حاول المسار السياسي التقدم خطوة إلى الأمام؟
تكمن الإجابة على هذا السؤال في طبيعة هدف كل من المخلوع علي صالح والحوثيين من الانقلاب، فمن ناحية، انقلب المخلوع علي صالح على السلطة الشرعية وقدم تضحيات كبيرة ليس من أجل أن يحكم اليمن عبدالملك الحوثي أو أي قيادي في حزب المؤتمر أو حتى أحد أبناء إخوته، ولكن من أجل أن يعود هو إلى السلطة سواء عبر شخصه أو عبر نجله أحمد. وكذلك الحوثيون، فهم لم ينقلبوا على السلطة الشرعية ويقدموا تضحيات كبيرة من أجل أن يحكم اليمن أحمد علي صالح، أو أي قيادي في حزب المؤتمر، أو حتى أي شخص من المنتسبين إلى ما يسمى الفئة الهاشمية بحسب اعتقادهم، ولكن من أن ينفرد بحكم اليمن عبدالملك الحوثي وعائلته.
هذا التباين في هدف كل طرف من أطراف الانقلاب عزز من حالة الشك وعدم الثقة بينهما، لكن طبيعة المرحلة، وعدم قدرة الانقلابيين على تحقيق انتصارات عسكرية حقيقية ومؤثرة، مقابل تقدم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في بعض الجبهات، حتى وإن كان تقدماً بطيئاً، كل ذلك جعلهم يتغاضون عن هذه الخلافات على مضض، وأسهم التجانس المذهبي والاجتماعي بينهما على جعل خلافاتهم كالجمر تحت الرماد، وتأجيل الخطوات السياسية التي كان يُفترض أن يقوموا بها في الأيام الأولى للانقلاب حتى بعد مرور سنتين تقريباً.
فمن ناحية، هدف المخلوع علي صالح من الانقلاب أن يعود إلى السلطة سواء عبر شخصه أو عبر نجله أحمد، ومن ناحية أخرى، هدف الحوثيين من الانقلاب إلغاء الجمهورية وإعادة الملكية وتنصيب عبدالملك الحوثي إماماً للبلاد. ولهذا، فالحوثيون أجلوا الإعلان عن مشروعهم السياسي حتى يتمكنوا من السيطرة الكاملة على البلاد كما كانوا يعتقدون، وكذلك فالمخلوع علي صالح أجل الإعلان عن مشروعه السياسي وهدفه من الانقلاب حتى يتمكن من السيطرة الكاملة على البلاد كما كان يعتقد.
إلا أن الفشل العسكري للانقلابيين جعلهم يحاولون التغطية عليه من خلال محاولة تحقيق انتصارات سياسية وهمية، تتمثل في الخطوات التي اتخذوها مؤخراً، وهي تشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد"، ودعوة أعضاء البرلمان الموالون لهم للانعقاد ومنحهم شرعية لخطواتهم التصعيدية، ثم تكليف عبدالعزيز بن حبتور لتشكيل ما أسموها "حكومة إنقاذ".
ومن المحتمل أن يواصل الانقلابيون اتخاذ خطوات سياسية أخرى خلال الفترة المقبلة إذا لم تتكاتف الجهود لتحقيق الحسم العسكري وإنهاء الانقلاب، ويحتمل أن تنتهي الخطوات السياسية التصعيدية بإجراء انتخابات شكلية في المحافظات التي يسيطرون عليها، كل ذلك من أجل تحسين شروطهم التفاوضية ورفع سقف مطالبهم إذا ما تم حل الأزمة سياسياً، ذلك أنهم -أي الانقلابيين- يدركون أكثر من غيرهم أن الانقلاب مصيره الفشل، وأن خطواتهم السياسية التصعيدية عبثية وغير قانونية ولن تؤثر على سير المعارك، وأنه ليس أمامهم سوى الصمود حتى تقترب ساعة الحسم وسيقدمون التنازلات من أجل الحل السياسي، سواء مكنهم صمودهم من تحسين شروطهم التفاوضية أم لا.
*اخبار اليوم