الرئيسية / تقارير وحوارات / هل حرب الطائرات دون طيار التي يشنها أوباما أخلاقية؟
هل حرب الطائرات دون طيار التي يشنها أوباما أخلاقية؟

هل حرب الطائرات دون طيار التي يشنها أوباما أخلاقية؟

21 أغسطس 2016 07:42 مساء (يمن برس)
تحدثت إدارة أوباما هذا الصيف عن جهودها لقتل الإرهابيين المشتبه بهم، خارج ما تسميه “مناطق نشاط الأعمال العدائية”، مثل أفغانستان والعراق وسوريا. ونشرت معلومات عن عدد المدنيين، الذين قتلوا خلال غارات لطائرت دون طيار، وكشفت الستار عن إطار عمل لاتخاذ قرارت ببعض الاستهدافات. وتمثل هذه القرارت، التي تأتي خلال الأيام الأخيرة للإدارة، آخر مناورات الرئيس في جهوده للدفاع عن برنامج سيساعد في تحديد تركته، التي سيرثها خليفته.

وتركز دفاع الإدارة عن البرنامج حول شرعيته، وقال أكبر محامين بالحكومة إنه في بلاد مثل باكستان واليمن والصومال، فإن البرنامج لا يستوفي فقط القيود القانونية، على استهداف أولئك الذين تعتبرهم إدارة أوباما، إنما يتجاوزها. لكن هل حرب الطائرات دون طيار الخاصة بأوباما أخلاقية؟

هذا السؤال ينقسم إلى جزئين: الأول هو، هل يمكن تبرير عمليات القتل خارج مناطق الصراع؟ والثاني هل البنية التي وضعها أوباما خلال سنوات تلتزم بهذه المعايير؟

إجابة السؤال الأول، وفقا لفلاسفة الحرب، هي نعم، وتسمح معايير القتل “الأخلاقي”، بوجود عدد من الضحايا المدنيين، أكبر مما يمكن أن يتوقعه أي شخص. أما إجابة السؤال الثاني فهي الأصعب، فالسرية الشديدة التي تحيط البرنامج، تجعل من الصعب على من هم في الخارج تقييم مدة أخلاقية الاغتيالات المستهدفة، وهذا يعني أن الحكومة تفشل في الالتزام بواجباتها الأخلاقية الأساسية تجاه الناس والشعب، الذي تستهدفه.

عندما أثار أوباما قضية أخلاقية حرب الطائرات دون طيار، ادعى الالتزام بأعلى المعايير في الدفاع عن أمن البلاد. وقال متحدثا إلى جمهوره في ويست بوينت عام 2014: “وهذا يعني تنفيذ ضربات عندما نواجه تهديدا وشيكا مستمرا.. وفقط عندما نكون شبه متأكدين من عدم وجود ضحايا من المدنيين”.

وقدمت الحكومة الشهر الماضي أول تقييم ذاتي عن مدى نجاحها، مدعية قتلها حوالي 116 في هجمات الطائرات دون طيار خارج مناطق الحرب، مقارنة بحوالي 1581 “مقاتلا”. (لكن الإحصاءات المستقلة تقول إن أعداد الضحايا من المدنيين تفوق هذا العدد بكثير). لكن إلى ماذا تشير هذه الأرقام؟ وهل يمكنها مساعدة الأمريكيين على تقييم مدة أخلاقية حملة الطائرات دون طيار ككل؟

وتناسب المعايير، التي تحدث عنها أوباما، مع المتطلبات التقليدية، التي وضعها فلاسفة الأخلاق، لاستخدام العنف دفاعا عن النفس. ولكي يكون القتل دفاعا عن النفس مبرر أخلاقيا، يجب أن يكون ضروريا، ما يعني استهداف الأشخاص، الذين يمثلون تهديدا حقيقيا فقط، ويجب أن يكون قتل الشخص، هو الطريقة الوحيدة لإنهاء هذه التهديدات. ويجب أن يفرق الشخص المدافع عن نفسه بين المقاتلين والمارة، ويستهدف فقط المقاتلين، ويجب أن يكون أي ضرر يلحق بأولئك المارة، متناسبا مع التهديد الأصلي.

تخيل حكومة اعترضت هجوما مماثلا لهجوم باريس: حيث تنفذ خلية إرهابية هجوما انتحاريا في ملعب كرة قدم، وييطلق أعضاء آخرون بالخلية النار على المدنيين داخل قاعة للحفلات الموسيقية. وبافتراض أنها التزمت بهذه المبادئ الأخلاقية، فتفجر الحكومة السيارة المفخخة باستخدام صارخ يتم إطلاقه من طائرة دون طيار. هناك تهديد حقيقي واضح، حيث أن الإرهابيين أعلنوا أنهم سيفجرون أنفسهم، وأنهم لن يتم القبض عليهم أحياء، فمن الضروي قتلهم لإيقافهم.

ولكي يكون قتل الإرهابيين مبررا بشكل كامل، يجب أن تظهر الحكومة أيضا أنها لا تستهدف الأبرياء عن عمد، وأن أي ضرر يلحق بالمدنيين يجب أن يكون أقل نسبيا ما يتوقع أن يحدث للإرهابيين. وبعبارة أخرى، إذا كان لدى الإرهابيين رهينة واحدة في سيارة، فإن عدد الحضور في قاعة الحفلات الموسيقية قد يفوق حق الرهينة في الحياة، لكن إذا كانت هناك حافلة مليئة بتلاميذ المدارس تمر بالقرب منهم، فإن الحسابات الأخلاقية تختلف، وعندها يجب إيقاف العملية.

هذه هي القضية المجردة.. لكن المبادئ أكثر صعوبة في التطبيق بشكل منظم على العمليات الجارية في العالم الواقعي. فمن النادر جدا مصادفة إرهابيين أعلنوا نيتهم ولم يكملوا خططهم بعد. فلم يتم إيقاف المهاجمين الحقيقين في باريس، حتى قاموا بأعمالهم الوحشية بالفعل، كذلك مختطفو الطائرات في أحداث 11 سبتمبر. إذا أرادت حكومة تجنب الانتظار حتى وقوع الهجمات، فعليها إيجاد طريقة لاستباق العنف.

إن الحاجة إلى تقديم العمل الدفاعي لتنفيذه قبل حدوث الهجوم، يفسر إشارة أوباما إلى التهديدات “المستمرة والوشيكة”. والتهديد الوشيك، بالنسبة لمعظم الناس، يعني حدوث الهجوم بعد لحظات.

في الغرب قديما كان ضابط الشرطة ينتظر حتى يسحب راعي البقر القاتل سلاحه، ليطلق النار عليه. لكن إدارة أوباما تقول إن هذه الفكرة غير مناسبة لعصر يمكن للإرهابيين فيه التخطيط لمهاجمة مواطنين أمريكيين من ملاجئ آمنة بالخارج. حيث تحدثت مذكرة مسربة عن “مبدأ أوسع للأحداث الوشيكة”، تسمح باتخاذ إجراء دفاعي حتى إن كان خطة الإرهابيين لن يتم الكشف عنها “في المستقبل القريب”. ليس هناك سبب، بحسب المذكرة، للانتظار حتى يضغط الإرهابي على المفجر الخاص بحزامه الناسف.

الحكومة الأمريكية على حق من الناحية الأخلاقية. واقتراب الحدوث في أكثر المواقف تشددا، هو حالة مؤقتة. ومن غير العقلاني، كما يقول جيف مكملان، الفيلسوف بجامعة أكسفورد، الذي كتب عن العنف الدفاعي المبرر بكثافة. “إن الأمر يتعلق عن الفترة الزمنية التي تبعدك عن وقوع الهجوم، كلما زاد تأكدك من قرب حدوث الهجوم الذي تحاول منعه”.

الأمر الصعب من الناحية الاخلاقية في العنف الوقائي، هو أنه ينطوي على حالة من عدم التأكد، ما إذا كان شخص ما في الصحراء قد تناول عشاءه. ويقول ماكملان: “إنهم غير مشاركين في هجوم، وليس لدى الواحد هذه المعلومة الحيوية”. إذا كان ضابط الشرطة يعلم حقا أن راعي البقر سيقتل شخص ما، فإن الأخلاقيات لا تتطلب الاتنظار، حتى يسحب سلاحه ويطلق عليه النار.

الطائرات دون طيار لا تستخدم مسدسا ذا ست طلقات بالطبع. فحتى إن كانت تستهدف الأشخاص المنشودين، فإن برنامج القتل المستهدف يخرج عن مساره، لتقليل الضرر الذي سيلحق بالمدنيين. لكن المتخصصين في الأخلاقيات العسكرية اعترفوا أن قتل المدنيين مسموح به، إذا كانت نسبتهم تتناسب مع الأرواح التي تم إنقاذها خلال عملية معينة.

يقول ماكماهان: “لنفترض أن هناك إرهابيا نعلم أنه قتل عددا من الناس في الماضي، ومن الواضح أنه يخطط لعمليات أخرى، فإننا نستطيع التنبؤ بأن موته سينقذ حياة مئات الناس”. “وإذا قتلناه، فسنقتل خمسة عشر مدنيا، وليس هناك طريقة أخرى للقضاء على ما يسهم به [ في قتل المئات]. إذا فإن هذا يبدو متناسبا”.

وبعبارة أخرى، فإن برنامج الطائرات دون طيار، الخاص بأوباما، لا يعد فاشلا أخلاقيا إذا كان يقتل عددا من المدنيين إلى جانب الإرهابيين. وهذا هو نفس المنطق، الذي سمح بضابط الشرطة في دالاس باستخدام قنبلة لقتل القناص ميكا جونسون، بعدما قتل خمس ضباط شرطة. إن خطر إصابة القنبلة للمارة، إضافة إلى الهدف، وارد، لكن الشرطة قيمت، وفقا لأفعاله، بأن جونسون كان يهدد عددا من الناس أكبر مما قد تصيبهم القنبلة بشكل عرضي.

ومن خلال نشر بيانات عن الخسائر المدنية هذا الصيف، كانت إدارة أوباما تمتلك فرصة للحديث عن أن برنامج القتل المستهدف الخاص بها متناسب. وبدلا من هذا، تظهر البيانات المكان الذي تنهار فيه القضية الأخلاقية، عندما تصطدم بالواقع. وبافتراض دقة الإحصاءات، التي نشرتها الحكومة في يوليو -وتعد منخفضة جدا مقارنة بالإحصاءات الأخرى- فإن 437 هجمة، قتلت من 64 مدنيا إلى 116 مدنيين، و 2371 إلى 2581 “مقاتلا”، أو 40 مقاتلا مقابل كل مدني.

لكن هذا النوع من الحسابات غير ذي معنى. فربما يكون مقبولا من حيث المبدأ أن يتم قتل 116 مدنيين في هجمة واحدة، قتل فيها إرهابي واحد، إذا كانت الضربة استهدفت هجوما بجحم هجمات 11 سبتمبر. وعلى الجانب الآخر، فحتى الحد الأدنى وهو 64 مدنيا، ليس مبررا على الإطلاق، إذا كان هؤلاء الأشخاص قتلوا خلال عملية استهداف لشخص يمثل تهديدا قليلا لأبرياء آخرين. لكن إدارة أوباما نشرت فقط مجموع الأرقام، ورفضت تفصيل بيانات كل ضربة على حدة. ونتيجة لذلك، يكون من المستحيل على الشعب تقييم أخلاقية البرنامج.

وللتأكد، تدعي الحكومة أنها قد قامت بحساب أخلاقي. ووفقا لمدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، جون برينان، فإن أي اقتراح لاستهداف فرد واحد “يخضع لمراجعة دقيقة، ويتم تقييمه من قبل أكبر مسؤولين عن اتخاذ القرار بحكومتنا”. ووفقا لإطار السياسة، الذي أعلن عنه هذا الشهر، ويضع هيكلا مفصلا لاتخاذ قرارت الاستهداف، يشمل هؤلاء المسؤولون الرئيس نفسه، الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن الضربات.

لكن الإدارة أيضا لها الحق في تنفيذ برنامج القتل المستهدف الخاص بها سرا. فربما يعلم الرئيس ومستشاروه لماذا قبلوا بموت مدنيين معينين أو خاطروا بقتل الشخص الخطأ، لكنهم لا يشاركون هذه المعرفة مع الشعب، معتمدين بدلا من ذلك فكرة مجردة عن الدفاع الوطني عن النفس.

ويقول ساري كيسيليفيكي، وهو فيلسوف قانوني متخصص في القانون والأخلاق بكلية كوينز بجامعى نيويورك، “هناك تلك الفكرة عند بعض الناس، وهي أننا إذا التزمنا بأخلاقيات الدفاع عن النفس، فإن السياق الذي نتخذ فيه هذه القرارات سيحل نفسه بنفسه”. ويمكن للحكومة بشكل مبرر الاحتفاظ بسرية أجزاء معينة من المعلومات، إذا كان نشرها سيتسبب في الأذى. والمشكلة هي التعامل مع الأمن القومي كعامل هيكلي دائم يتوازن مع حقوق وحريات الأفراد -حتى حقوق الإرهابيين المشتبه بهم.

لا يهم إذا كانت الهجمات تنبع من بلاد أخرى، القانون والنظام فيها ضعيفان. يقول كيسلفيسكي: “العدالة تكمن في الالتزام بالحقوق القانونية للناس. ولا يمكنك موازنة هذا مع الأمن. فهذا هو ما وجدت العدالة لكي تحمي الناس منه”.

هناك سبب وجيه للقلق بشأن قدرة الحكومة على تحديد الإرهابيين المشتبه بهم. فقد استجوبت المباحث الفيدرالية منفذ هجوم أولاندو، عمر متين، مرتين، لكنها لم تكن قادرة على تصنفيه كتهديد في إطار القانون. إن عملية تحديد الأفراد للقتل المستهدف هي عملية ضعيفة؛ فهي تعمل بالكامل داخل فرع واحد من الحكومة، سرا، دون دعاة للمعارضة. وعندما لا تحدث الهجمات المهددة لشهور، فإن عملية جمع وتقييم الادلة تكون مهمة للغاية. وهذا في النهاية هو سبب وجود المحاكم. ويحذر ماكماهان قائلا: “الناس يفهمون بشكل خاطئ طوال الوقت. وهذا اعتراض خطير على الممارسة كلها”.

جزء من المشكلة هو الاستمرار في معاملة “الحرب على الإرهاب” كاشتباك عسكري. يقول ماكماهان: “لا يجب أن نفكر في هذا كحرب. هؤلاء هم قتلة يفكرون في القتل على نطاق واسع. وإذا كان من المستحيل اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة، فإننا يجب أن نفكر فيهم على أنهم قتلة جامحون”.

يظهر رد الشرطة في دالاس أن الحكومة لا تحتاج إلى عمليات قضائية سرية للتعامل مع القتلة الجامحين بالداخل. والعبء الملقى على كاهل إدارة أوباما هو إثبات السبب، فبعد أكثر من عقد من التورط في الحرب على الإرهاب، تحتاج إلى سرية بالغة للدفاع ضد الإرهابيين خارج حدودها. وقد يعني التعامل مع القتل المستهدف كمشكلة إنفاذ للقانون، تتطلب من الحكومة نشر قصة، بشكل علني، عن سبب استهدافها لأشخاص بعينهم. وهذا قد يشمل إعطاء الشعب معلومات أكثر من البيانات المجمعة حول الأضرار الجانبية.

يقول كيسيلفسكي: “نحن لا نفعل الأمور القانونية سرا. فالبنية القانونية في جزء منها هي بنية علنية بالضرورة”. ولكي تلتزم الدولة بواجباتها الأخلاقية -في أن تكون عادلة- فإنها تحتاج إلى العمل بشكل علني، إلا إذا طغت عليها ظروف طارئة. بعض هذه المواقف مألوفة: فهناك أسباب وجيهة لاستخدام الشرطيين السريين، على سبيل المثال، والاتهامات المغلفة. لكن هذه استثناءات للحكم في نظام مفتوح للتدقيق العلني بشكل كبير.

ويتساءل كيسيلفسكي: “هل من المبرر أخلاقيا أن تنفذ الحكومة سياسة القتل المستهدف ضد تهديدات مقترحة، دون أن نعلم ما هي السياسة، ولا نعلم من هم المستهدفون، ولا نعلم ما هي معايير الاستهداف، وما هو الدليل على تورطهم، وما هي معاييرهم”. هل يمكن تبرير هذا من أجل الأمن الوطني؟ حتى إن كان يجعلنا أكثر أمنا، فمن الصعب رؤية سبب كون هذا المجتمع أكثر عدالة، في الوقت الذي تمتلك فيه الحكومة هذه السلطة”.

بعد حوالي 15 عاما من أحداث 11 سبتمبر، يمثل الإرهاب تهديدا حقيقيا لأمن الشعب الأمريكي، لكن لا يمكن القول إنه تهديد وجودي دائم للأمة، بطريقة قد تبرر التخلي عن بعض الواجبات الأساسية للحكومة. وهذا، في جزء منه، بسبب اتخاذ الإدارة الأمريكية الإرهاب على محمل الجد. ومن الصورة الشعبية، التي نقلها الصحفيون، عن برنامج الطائرات دون طيار، فإن الحكومة حريصة في اختيار أهدافها. ولكي ترى البديل، عليك ألا تنظر لأبعد من الحملة ضد الإرهاب في اليمن، حيث استهدف التحالف الذي تقوده السعودية، أربعة مستشفيات على الأقل عمدا أو خطأ خلال العام الماضي.

لقد تصدى أوباما لتحدي تبرير الضربات الاستباقية ضد الإرهابيين. وكتاب قواعد القتل المستهدف، هو تذكير بما يعنيه أن تكون رئيسا جادا أخلاقيا”، كما كتب بنيامين ويتس. لكن اهتمام الرجل الأخلاقي فشل في أن يترجم داخل الدولة. فسياسة الطائرات دون طيار، الخاصة بأوباما، تقع في منطقة رمادية بين السلام والحرب. وعندما تكون “الحرب على الإرهاب” حربا حقيقية، فإن الحكومة لن تحتاج إلى مراجعات داخلية مكثفة لاستهداف المقاتلين.
شارك الخبر