"أرني شباب أمة أخبرك عن مستقبلها" هكذا قالوا؛ ذلك لأن الشباب هم أكثر فئات المجتمع ديناميكية وتأثيرا وقدرة على العطاء والبناء، ويزداد تأثيرهم أكثر بمأسسة جهودهم ما يمكنهم من توظيف طاقاتهم بشكل أفضل، وقد أضحت المبادرات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني إحدى أهم النوافذ التي يقدم من خلالها الشباب جهودهم ومساهماتهم خدمة لمجتمعاتهم.
طفرة العمل المدني
تعتبر مؤسسات المجتمع المدني إحدى أهم المؤشرات على تقدم المجتمعات كما أنها إحدى أهم ركائز التنمية وقد بدأ العمل في تأسيس مؤسسات المجتمع المدني عام ١٩٩٠ إثر التوقيع على اتفاقية الوحدة والتي تضمنت التعددية السياسية وكفلت حرية العمل المدني، ومع اندلاع الثورة الشبابية في فبراير2011 حدثت طفرة في مجال العمل المدني حيث بلغ عدد منظمات المجتمع المدني المسجلة لدى وزارة الشؤون الإجتماعية و العمل في نهاية العام ٢٠١٣ أكثر من ٨٣٠٠ منظمة، تم تسجيل قرابة ربع هذا العدد خلال الفترة ٢٠١١-٢٠١٣م، فيما يفوق عدد المنظمات غير المسجلة هذا الرقم بكثير.
مبادرة الصندوق الصغير نموذجا
في تجسيد لمبدأ التكافل الاجتماعي قام مجموعة من شباب حي "الصبالية" بالحديدة بتأسيس مبادرة "الصندوق الصغير"، حيث يقوم شباب الحي بدفع اشتراكات شهرية، كل حسب استطاعته، وفي نهاية الشهر تجمع هذه المبالغ ثم يتم اختيار أسرة معينة من فقراء الحي وتكون الأولوية لتلك الأسر التي لا عائل لها كالأرامل والايتام ... الخ، بعد ذلك يقوم الصندوق بتمويل مشروع صغير ليكون مصدر دخل لهذه الأسرة، على أن يسترد مبلغ التمويل إلى الصندوق في صورة أقساط ميسرة، وفي حال تعذر تمويل المشروع يقدم الصندوق سلة غذائية للأسرة المستهدفة.
هل يخفف الصندوق الصغير المعاناة الكبيرة؟
يقول وليد جنيد، منسق مبادرة الصندوق الصغير أن الهدف من هذه المبادرة هو "تخفيف معاناة الناس خصوصا في هذه الاوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد ونحن نبذل ما نستطيع من جهد من أجل توفير مصادر دخل للأسر المحتاجة".
يضيف وليد "لم نتمكن في شهري يناير وفبراير من تمويل أي مشروع نظرا لعدم توفر المبالغ الكافية فقمنا بدلا من ذلك بتوزيع سلة غذائية لأسرة محتاجة، ذهبت السلة الغذائية الأولى في شهر يناير إلى أيتام، فيما أعطيت السلة الغذائية الثانية لأسرة فقيرة جدا، وفي الشهر الثالث من
عمر المبادرة تمكنا من تمويل أول مشروع صغير وهو عبارة عن بسطة خضار بكامل أدواتها بما في ذلك شراء بضاعة أول المدة وقد تم اختيار المشروع وفقا لرغبة المستفيد".
يأمل وليد أن تتجاوز هذه المبادرة الحي إلى أحياء أخرى، كما يأمل أيضا أن يكبر هذا الصندوق الصغير شيئا فشيئا ليأتي اليوم الذي يتمكن فيه من تمويل مشروعات ذات رأس مال أكبر ويمول أكثر من مشروع في الشهر.
ومضة أمل
المواطن عبدالله، المستفيد من مشروع الصندوق الصغير أب لثلاثة أطفال ومصاب بمرض السكر وقد تعرض لجلطتين في القلب، يسكن عبدالله مع أسرته في منزل بالإيجار ولا يوجد لديه أي مصدر دخل يعول به أسرته ماجعل وضعهم المعيشي صعبا للغاية.
أخيرا حصل عبدالله على مصدر دخل له ولأسرته ورغم صغر المشروع إلا أن فرحته وأسرته بهذا المشروع تبدو كبيرة، فقد كان بمثابة شربة ماء على ضمأ.
أسباب الانتشار
تتزايد عدد منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية بشكل مطرد، ويعزو الدكتور محمد الشميري، وهو من المهتمين بمجال العمل الشبابي والمجتمعي، يعزو هذا التزايد لأسباب عدة يتمثل أهمها بفقدان الأمل في دور الجهات الحكومية بمختلف مسمياتها ما دفع الشباب باتجاه المبادرات التي تغطي جزء كبيرا من شعور الغياب الجماعي، يضيف الدكتور الشميري "لن أخفي كذلك إيمان الشباب بدور منظمات المجتمع المدني كونها علامة على تطور الوعي والفكر - وإن كان هذا الإيمان ليس تعميما - لكنه موجود، كما أن الفشل الفردي في الانجاز وخصوصا في ظل ما نراه من خذلانات متكررة وعوائق دائمة كل هذا جعل الفرد يسعى لتحقيق وجوده من المنطلق الجماعي ".
ثمة نقطة أخرى يراها الدكتور الشميري وهي أن المبادرات مصدر معرفة شخصية لدى مختلف الجهات وكذلك مصدر لجمع المال ولو على شكل مصاريف.
أهمية الدور
يرى الدكتور محمد الشميري أن المبادرات والمؤسسات المجتمعية تقوم بأدوار مهمة في حال العمل المؤسسي الحقيقي القائم على رؤية واقعية ويكاد هذ الدور أن يغطي الخلل الحاصل في دور الجهات الحكومية والخاصة أيضا، خصوصا في مجال التدريب والمجالات الخدمية واحتراف المهن والمهارات التي تفتح للشباب ومن خلالهم للمجتمع آفاق عمل وفرص نجاح حقيقية.
ولا يخلو أداء المبادرات والمؤسسات المجتمعية من بعض الأخطاء، يشير إليها الدكتور محمد الشميري بقوله " أقولها وبكل أسف، لا نجد إلا نادرا مبادرة أو مؤسسة إبداعية قائمة على مشاريع لتنمية الفرد وتعزيز مهاراته، حيث تتجه معظمها للتقليد وإقامة أنشطة متشابهة غير ذات جدوى، بل أن بعضها يستغل جهل الشباب وتحولت الى استثمار انتهازي، أضف إلى ذلك أن مستوى التنسيق فيما بينها يكاد يكون معدوما ما يتسبب في ارباك الشباب بسبب تداخل المشاريع وتشابهها".
أيضا هناك ملاحظة مهمة أخرى وهي حد تعبير الدكتور الشميري "قيام معظم المبادرات بعمل أنشطة صحية وتوعوية ومجتمعية دون الرجوع إلى الجهات المعنية ولو من باب أخذ المعلومة والتدرب عليها قبل النزول الميداني، فهناك دورات مثل الإسعافات الأولية وما أكثرها تتم دون التأكد من أهلية المدرب أو المدربة وهذا مؤشر خطير ونتائجه سيئة وقد لاحظت بعضها.
التكامل المفقود
تتراجع مؤسسات الدولة في تقديم خدماتها لأفراد المجتمع، وهناك أسباب شتى لهذا التراجع، فيما يتعاظم دور مؤسسات المجتمع المدني في محاولة لسد الفراغ الذي خلفه ذلك التراجع والذي وصل إلى حد الغياب مؤخرا، غير أن هذا الفراغ يبقى موجودا رغم الجهود الكبيرة المبذولة إذ تعتبر المؤسسات الرسمية والمجتمعية بمثابة جناحان يحلق المجتمع بهما نحو التنمية والتقدم ولا يمكن لأحدهما أن يقوم بدور الآخر فالعلاقة بينهما تكاملية وليست تبادلية.
*برنامج تمكين الشباب، المركز اليمني لقياس الرأي العام
طفرة العمل المدني
تعتبر مؤسسات المجتمع المدني إحدى أهم المؤشرات على تقدم المجتمعات كما أنها إحدى أهم ركائز التنمية وقد بدأ العمل في تأسيس مؤسسات المجتمع المدني عام ١٩٩٠ إثر التوقيع على اتفاقية الوحدة والتي تضمنت التعددية السياسية وكفلت حرية العمل المدني، ومع اندلاع الثورة الشبابية في فبراير2011 حدثت طفرة في مجال العمل المدني حيث بلغ عدد منظمات المجتمع المدني المسجلة لدى وزارة الشؤون الإجتماعية و العمل في نهاية العام ٢٠١٣ أكثر من ٨٣٠٠ منظمة، تم تسجيل قرابة ربع هذا العدد خلال الفترة ٢٠١١-٢٠١٣م، فيما يفوق عدد المنظمات غير المسجلة هذا الرقم بكثير.
مبادرة الصندوق الصغير نموذجا
في تجسيد لمبدأ التكافل الاجتماعي قام مجموعة من شباب حي "الصبالية" بالحديدة بتأسيس مبادرة "الصندوق الصغير"، حيث يقوم شباب الحي بدفع اشتراكات شهرية، كل حسب استطاعته، وفي نهاية الشهر تجمع هذه المبالغ ثم يتم اختيار أسرة معينة من فقراء الحي وتكون الأولوية لتلك الأسر التي لا عائل لها كالأرامل والايتام ... الخ، بعد ذلك يقوم الصندوق بتمويل مشروع صغير ليكون مصدر دخل لهذه الأسرة، على أن يسترد مبلغ التمويل إلى الصندوق في صورة أقساط ميسرة، وفي حال تعذر تمويل المشروع يقدم الصندوق سلة غذائية للأسرة المستهدفة.
هل يخفف الصندوق الصغير المعاناة الكبيرة؟
يقول وليد جنيد، منسق مبادرة الصندوق الصغير أن الهدف من هذه المبادرة هو "تخفيف معاناة الناس خصوصا في هذه الاوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد ونحن نبذل ما نستطيع من جهد من أجل توفير مصادر دخل للأسر المحتاجة".
يضيف وليد "لم نتمكن في شهري يناير وفبراير من تمويل أي مشروع نظرا لعدم توفر المبالغ الكافية فقمنا بدلا من ذلك بتوزيع سلة غذائية لأسرة محتاجة، ذهبت السلة الغذائية الأولى في شهر يناير إلى أيتام، فيما أعطيت السلة الغذائية الثانية لأسرة فقيرة جدا، وفي الشهر الثالث من
عمر المبادرة تمكنا من تمويل أول مشروع صغير وهو عبارة عن بسطة خضار بكامل أدواتها بما في ذلك شراء بضاعة أول المدة وقد تم اختيار المشروع وفقا لرغبة المستفيد".
يأمل وليد أن تتجاوز هذه المبادرة الحي إلى أحياء أخرى، كما يأمل أيضا أن يكبر هذا الصندوق الصغير شيئا فشيئا ليأتي اليوم الذي يتمكن فيه من تمويل مشروعات ذات رأس مال أكبر ويمول أكثر من مشروع في الشهر.
ومضة أمل
المواطن عبدالله، المستفيد من مشروع الصندوق الصغير أب لثلاثة أطفال ومصاب بمرض السكر وقد تعرض لجلطتين في القلب، يسكن عبدالله مع أسرته في منزل بالإيجار ولا يوجد لديه أي مصدر دخل يعول به أسرته ماجعل وضعهم المعيشي صعبا للغاية.
أخيرا حصل عبدالله على مصدر دخل له ولأسرته ورغم صغر المشروع إلا أن فرحته وأسرته بهذا المشروع تبدو كبيرة، فقد كان بمثابة شربة ماء على ضمأ.
أسباب الانتشار
تتزايد عدد منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية بشكل مطرد، ويعزو الدكتور محمد الشميري، وهو من المهتمين بمجال العمل الشبابي والمجتمعي، يعزو هذا التزايد لأسباب عدة يتمثل أهمها بفقدان الأمل في دور الجهات الحكومية بمختلف مسمياتها ما دفع الشباب باتجاه المبادرات التي تغطي جزء كبيرا من شعور الغياب الجماعي، يضيف الدكتور الشميري "لن أخفي كذلك إيمان الشباب بدور منظمات المجتمع المدني كونها علامة على تطور الوعي والفكر - وإن كان هذا الإيمان ليس تعميما - لكنه موجود، كما أن الفشل الفردي في الانجاز وخصوصا في ظل ما نراه من خذلانات متكررة وعوائق دائمة كل هذا جعل الفرد يسعى لتحقيق وجوده من المنطلق الجماعي ".
ثمة نقطة أخرى يراها الدكتور الشميري وهي أن المبادرات مصدر معرفة شخصية لدى مختلف الجهات وكذلك مصدر لجمع المال ولو على شكل مصاريف.
أهمية الدور
يرى الدكتور محمد الشميري أن المبادرات والمؤسسات المجتمعية تقوم بأدوار مهمة في حال العمل المؤسسي الحقيقي القائم على رؤية واقعية ويكاد هذ الدور أن يغطي الخلل الحاصل في دور الجهات الحكومية والخاصة أيضا، خصوصا في مجال التدريب والمجالات الخدمية واحتراف المهن والمهارات التي تفتح للشباب ومن خلالهم للمجتمع آفاق عمل وفرص نجاح حقيقية.
ولا يخلو أداء المبادرات والمؤسسات المجتمعية من بعض الأخطاء، يشير إليها الدكتور محمد الشميري بقوله " أقولها وبكل أسف، لا نجد إلا نادرا مبادرة أو مؤسسة إبداعية قائمة على مشاريع لتنمية الفرد وتعزيز مهاراته، حيث تتجه معظمها للتقليد وإقامة أنشطة متشابهة غير ذات جدوى، بل أن بعضها يستغل جهل الشباب وتحولت الى استثمار انتهازي، أضف إلى ذلك أن مستوى التنسيق فيما بينها يكاد يكون معدوما ما يتسبب في ارباك الشباب بسبب تداخل المشاريع وتشابهها".
أيضا هناك ملاحظة مهمة أخرى وهي حد تعبير الدكتور الشميري "قيام معظم المبادرات بعمل أنشطة صحية وتوعوية ومجتمعية دون الرجوع إلى الجهات المعنية ولو من باب أخذ المعلومة والتدرب عليها قبل النزول الميداني، فهناك دورات مثل الإسعافات الأولية وما أكثرها تتم دون التأكد من أهلية المدرب أو المدربة وهذا مؤشر خطير ونتائجه سيئة وقد لاحظت بعضها.
التكامل المفقود
تتراجع مؤسسات الدولة في تقديم خدماتها لأفراد المجتمع، وهناك أسباب شتى لهذا التراجع، فيما يتعاظم دور مؤسسات المجتمع المدني في محاولة لسد الفراغ الذي خلفه ذلك التراجع والذي وصل إلى حد الغياب مؤخرا، غير أن هذا الفراغ يبقى موجودا رغم الجهود الكبيرة المبذولة إذ تعتبر المؤسسات الرسمية والمجتمعية بمثابة جناحان يحلق المجتمع بهما نحو التنمية والتقدم ولا يمكن لأحدهما أن يقوم بدور الآخر فالعلاقة بينهما تكاملية وليست تبادلية.
*برنامج تمكين الشباب، المركز اليمني لقياس الرأي العام