الرئيسية / تقارير وحوارات / هـواء قاتـل يجتـاح الحديدة (تقرير)
هـواء قاتـل يجتـاح الحديدة (تقرير)

هـواء قاتـل يجتـاح الحديدة (تقرير)

26 أبريل 2016 02:18 مساء (يمن برس)
تمتاز الليالي الشتوية في مدينة الحديدة الساحلية، بموجات رياح باردة، ملطفة للأجواء الحارة التي تشتهر بها المدينة على مدار السنة، في السابق كان يستقبلها سكان المحافظة بسعادة غامرة، كونها تمنح أجسادهم السمراء قسطاً من الراحة، أما خلال الفترة الأخيرة، فقد تحول الضيف المنتظر إلى قاتل متعطش لأرواح الأبرياء، ومساهم بوفاة أكثر من 38 شخص بينهم 9 أطفال.
 
انتشرت في المناطق الساحلية التهامية وخصوصاً في مدينة الحديدة وما حولها، منذ أواخر العام الماضي وبدايات هذا العام موجة وبائية فيروسية عرفت لدى الأوساط الصحية والحكومية والشعبية باسم "حمى الضنك" حمى العظم المكسور.
 
الحمى، والإرهاق، فقدان الشهية، والإعياء، وقد تصل إلى حالة النزف الظاهر أو الباطن، تصطحبها بعض التشنجات، ثم يدخل المريض في غيبوبة تفضي به ليكون ضيفاً على ملك الموت، كلها أعراض عانى منها المئات من المواطنين الذين أصيبوا بهذا الوباء. لكن الحظ حالف الكثير منهم ونجوا من الموت بأعجوبة.
 
الوباء البيئي وتطوره
 
الهواء الذي نتنفسه يحوي أكثر من 1800 نوع من البكتريا، منها أنواع غير ممرضة. كما إن العديد من الميكروبات موجودة في الرذاذ الموجود بالجو وتشمل فيروسات، بكتريا، فطريات، وغيرها.
 
ويعد الهواء بيئة أو وسط طبيعي غير ملائم لنمو الكائنات الدقيقة لأنه لا يحتوي على رطوبة أو عناصر غذائية كافية لتغذية أو تكاثر هذه الكائنات الدقيقة, لكنه قد يكون مساهم رئيسي في نشر وباء فيروسي فتاك، كما قالت الدكتورة المخبرية إيمان نادر، والتي تعمل في مختبر خاص.
 
وتضيف الدكتورة إيمان: "بسبب المخلفات والقاذورات المكدسة لعدة أسابيع والمنتشرة في الشوارع، ووجود عشرات الحفر الممتلئة بمياه الصرف الصحي التي طفحت من المجاري المخصصة لها، وغيرها من العوامل، شكلت بيئة خصبة لتكاثر البعوض الناقل لعدة أمراض فيروسية" كما نوهت بأن " جميع الأشخاص المصابين بالأمراض الفيروسية المنتشرة في الحديدة كالملاريا والتوفئيد والالتهابات بأنواعها والمرض الأكثر انتشار حمى الضنك والذي يطلق عليه السكان المحليين (المكرفس)، غالبيتهم يقطنون في مناطق مجاورة لمسببات انتشار المرض التي اشرنا إليها سابقا".
 
من جهته قال الدكتور عصام الشرعبي:" تعتبر حمى الضنك جزء من منظومة فيروسية تسمى الحمى النزفية الفيروسية viral hemorrhagic  fever وهي مجموعة أمراض تشترك فيما بينها بأعراض وعلامات مشتركة مثل: الحمى والتعب وفقدان الشهية والإعياء، وغيرها من الأعراض، ومن أهم هذه الأمراض الفيروسية (الايبولا، وحمى الضنك، ولاسا، وماربورغ، والحمى الصفراء)، ومن الناحية العلاجية فإنه تختلف المنظومة العلاجية في علاج كل مرض من هذه الأمراض، وتصرف بحسب عمر المصاب وحالته التي يصل إلينا بها".
 
وعن طرق الانتقال يقول الدكتور الشرعبي:"تنتقل الأمراض الفيروسية بوسائل مختلفة، وذلك حسب نوع الفيروس، فمنها ما ينتقل بواسطة القوارض والحشرات، ومنها ما ينتقل من شخص لآخر، وذلك إما باللمس المباشر (لمس مفرزات الشخص المريض)، أو عن طريق التنفس (استنشاق زفير المريض أو رذاذ عطاسه)، أو حتى عن طريق لمس أشيائه الملوثة (منشفته أو أدواته)، وتساعد الرياح القوية في انتشار المرض عندما يتجول المصاب في الأماكن المزدحمة أو في وسائل النقل العامة"، كما ذكر الدكتور الشرعبي، ويضيف إن" حمى الضنك تنتشر في بعض الأحيان على شكل موجات وبائية، وتكون نسبة الإصابة السكانية في هذه الوبائيات مرتفعة، فقد تصل إلى 80% من مجموع السكان في المنطقة الموبوءة، ناهيك عن ارتفاع تكاثر حشرة البعوض الناقلة للمرض بصورة مخيفة، وضعف حملات المكافحة لها تجعل من مهمة مكافحته مهمة وطنية ومجتمعية، يجب مشاركة جميع فئات المجتمع بها".
 
وفي دراسة نشرها الخبير الدكتور فواز القاسم، في أحد المواقع الإلكترونية، وذكر فيها الأشكال التي يظهر فيها حمى الضنك وقال: "هما شكلان، الأول بسيط : وهو الغالب، حيث يشبه حالة الزكام الفيروسية إلى حد كبير في بداياته، ثم تشتد الحمى حتى تصل إلى 40 درجة مئوية، وقد تسبب الاختلاجات أو التشنجات في الأطفال، وتكون غالباً مترافقة مع الصداع، وخاصة في منطقة الجبهة، أو خلف محجر العينين، ثم تظهر الأعراض الأخرى فيما بعد: مثل آلام الظهر والمفاصل والعضلات، وفقدان الشهية، وفقدان الذوق، والغثيان والقيء والكسل العام، والطفح الجلدي... هنا يمكن أن تنخفض الحرارة.. لكن، وبعد مرور يوم أو يومين يظهر طفح جلدي جديد، وينتشر في جميع أرجاء الجسم ما عدا الكفين والقدمين وفي اللحظة التي يظهر فيها هذا الطفح الثاني ترتفع الحمى من جديد لتعطي ما يسمى بالحمى ثنائية الأطوار، والتي تستمر عدة أيام ثم تنخفض من جديد ليدخل الطفل في مرحلة من الوهن العام أو الكآبة".
 
يتسطرد الدكتور الشرعبي "أما الشكل الثاني من حمى الضنك ، فهو الشكل النزفي: وهو تطور خطير وربما قاتل، وتسببه نفس فيروسات الضنك أيضاً ، إلا أنه لا يحصل في الإصابة الأولى للفيروس، بل يغلب أن يكون في إصابات ثانية لنفس الفيروس، أو بعد إصابة جديدة لفيروس ضنكي آخر غير الأول".
 
ويشار إلى أن الموجة الوبائية التي عصفت بمدينة الحديدة بدأت تتلاشى تدريجياً، مخلفة أكثر من 38 ضحية من بينهم 9أطفال, بحسب ما نشرت وسائل إعلامية في الفترة الماضية, وقال الخبير القاسم في دراسته "بأنه يجب الانتباه للموجات الوبائية القادمة، التي ستكون أكثر خطورة من الموجة الأولى، والتي تكثر فيها عادة حالات النزف المميت، وقال:"لقد سجلت لنا الذاكرة الطبية التاريخية حصول موجة وبائية لحمى الضنك النزفية في كوبا، لسنة 1981، حيث راح ضحيتها مئات المرضى، ولما دقق الأطباء في الأمر تبين لهم أن وباء 1981 القاتل الذي تسبب به فيروس الضنك نوع 2 dengue، كان قد سبقه وباء خفيف لفيروسdengue 1، في عام 1977م".
 
الجهود المبذولة في المكافحة
 
في دول العالم استطاع الإنسان أن يكافح ضد الميكروبات الفيروسية، حتى أصبح من النادر أن تكون الأمراض المعدية هي سبب الوفاة، أما في البلدان النامية, تظل الأمراض المعدية هي سبب الوفاة الرئيسي وهي المسؤولة عن 41,5% من الوفيات، ولا تزال الأمراض القديمة تقتل الملايين من الأشخاص. فالأمراض التي يمكن الوقاية%. فالأمراض التي يمكن الوقاية منها بسهولة مثل الحصبة، والسعال الديكي، والالتهاب الكبدي الوبائي بي، والملاريا, وأنواع الحمى، والإسهال لدى الأطفال تحت سن الخامسة لا تزال تتسبب في وفاة ما يصل إلى حوالي ٥ ملايين فردا ًسنويًّا، حسب ما قاله الخبير الأمريكي ستيفن بوديانسكي في مقال نشر له مؤخراً.
 
أما "اليمن مازالت متأخرة كثيراً، وصاحبة جهود محدودة, في مكافحة الأمراض المعدية، وخاصة مع دخولها في منحدر الحرب المظلم، فغالبية الجهود الحكومية التي تبذل بهذا الخصوص، يقتصر في طباعة المنشورات ونشرها، وعمل حملات محدودة في المدن الكبرى فقط الخالية من الحرب، والقليل من الحملات لبعض الأرياف، مما يجعل منظمات المجتمع المدني تتحمل المسؤولية الكبيرة للقيام بدورها, في التوعية والعمل على تنظيم فرق عمل لعلاج المرضى ومكافحة مسببات انتشار الوباء, بالتنسيق مع المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال مثل اليونسيف, واستثمار كل الإمكانات المتاحة والممكنة لصد هذا الوباء البيئي القاتل"، حسب ما قال الناشط في المجتمع المدني بسام الشميري.
 
مبادرات بسيطة تنفذها بعض المنظمات المحلية  لمكافحة" حمى الضنك"  كمبادرة " البلسم" في مدينة الحديدة التي قامت حسب رئيسها الناشط عمار عبد السلام بـ" تنفيذ عدة حملات توعية، ميدانية وإلكترونية، بالشراكة مع مجموعة من فعاليات المجتمع المدني، كما دشنا حملة علاجية، قمنا بتنفيذها بجهود ذاتية، بعمل فحوصات مجانية في أحد المختبرات على حساب المبادرة، وعملنا على جمع تبرعات من عدة شركات دوائية لتوفير الأدوية المطلوبة لعلاج فيروس حمى الضنك والأمراض الفيروسية الأخرى المنتشرة في المدينة، كما نسقنا مع أحد الأطباء المختصين للمعاينة، وبعدها يتم صرف العلاج للمرضى بحسب توجيهات الدكتور المختص".
 
"يصعب احتمال الحالة التي أعيشها, من ارتفاع درجة الحرارة بصورة جنونية, وانهيار كلي للجسد, ونقص حاد في الصفائح الدموية كما يقول الأطباء, وفوق ذلك الحالة المعيشية الصعبة في ظل أزمة خانقة جعلت حياتي جحيم حقيقي" قالها أحمد شعفه، أب لطفلين وبنت، وهو أحد المصابين بفيروس حمى الضنك، وقد شارك غرفة الرقود التي يتواجد فيها مع المريض سالم العويدي وهو مصاب آخر، في مستشفى الثورة الحكومي. إذ استقبل هذا المشفى المئات من حالات حمى الضنك.
 
المدنيون وخيارات الموت المتاحة
 
استمرار الإهمال الرسمي لموجة وباء "حمى الضنك" والأوبئة المصاحبة لها، والاكتفاء بحملات هزيلة، تجعلنا أمام مستقبل مقلق؛ في كل يوم تقتل الحرب في اليمن العشرات من المدنيين، لتأتي هذه الأوبئة فتزيد الطين بله، كما يقال، مما يُحتّم على المنظمات الصحية الدولية بالشراكة مع المنظمات المحلية، إيجاد استراتيجيات توضع بأسس علمية، لمواجهة هذه الوباء الفيروسي الذي يهدد حياة العشرات من الأبرياء.
 
وأخيراً يبقى الصراع من أجل البقاء هو الدافع الطبيعي الذي يجعل الإنسان في الحديدة حالماً، على الدوام، بدولة مدنية حقيقية تعتني بكل تفاصيل حياته، يساعد في بناءها، لتحميه من كل مظاهر الوباء.
 
*برنامج تمكين الشباب، المركز اليمني لقياس الرأي العام.
شارك الخبر