واصل المتمردون الحوثيون الشيعة في اليمن منذ نشأتهم حروبهم وعدوانهم ضد خصومهم السياسيين وضد المجتمع من حولهم، استنادا إلى مفاهيم أيدلوجية قائمة على فكرة الاصطفاء الإلهي المزعوم لذواتهم وتكفير الآخرين واستباحة دمائهم وأموالهم، في الوقت الذي لا يتورعون عن اتهام خصومهم السياسيين المنتمين للسنة بـ"التكفير".
ويسارع الحوثيون الذين يطلقون على أنفسهم "أنصار الله"، على الدوام إلى اختلاق فتاوى ومبررات لتكفير الآخرين وتخوينهم وازدرائهم، من أجل البطش بهم واقصائهم وصولا إلى الحكم والسلطة بقوة السلاح والعنف.
وفي غضون الأشهر الماضية، أطلق المتمردون الحوثيون العديد من فتاوى التكفير والتخوين، من أجل استدراج وحشد المزيد من أبناء القبائل والزجّ بهم إلى جبهات القتال، آخرها الفتوى الشهيرة لأحد مرجعياتهم الدينية، المدعو محمد المطاع، كفر من خلالها الرئيس اليمني المعترف بشرعيته عبده ربه منصور هادي ومن معه، قائلاً في نص فتواه "وإذا وجد بين أظهركم دراويش هادي وأمثاله مثبطين فلا تصدقوهم فقد خلعوا رجولتهم وخلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم وحكموا على أنفسهم أنهم من أصحاب الجحيم".
ويؤكد باحثون وإعلاميون يمنيون بأن فتاوى التكفير وتخوين الآخرين تظل ثقافة متأصلة في أدبيات الشيعة الحوثيين ومن قبلهم الاماميين وتاريخهم السياسي والديني.
يقول الصحافي والباحث اليمني حسن الحاشدي لـ "الاسلام اليوم"، بأن "التكفير عند الحوثيين ليس وليد اللحظة ولكنه ممتد منذ نشوء الهادوية السياسية في اليمن 284هجريه.."، مضيفا بأن "التكفير عند الحوثية اليوم هو نفسه عند الإمامية الهادوية بالأمس، فهو يغلف بغلاف مبطن وغير مباشر فبالأمس كانوا يطلقون التكفير على خصومهم وبأنهم مجسمة فيستحلون أموالهم واعراضهم".
ويضرب الباحث الحاشدي مثالا على ذلك بكل من: الإمام عبد الله بن حمزة، والإمام المتوكل اسماعيل، اللذين كانا "من أفحش من ساموا مخالفيهم سوء العذاب تكفيرا وتنكيلا فالطاغية عبدالله بن حمزة اتى على المطرفية، وهي إحدى فرق الزيدية، فكفرهم وهدم دورهم ومزارعهم ومساجدهم، والمتوكل اسماعيل كان عندما يناصح عن تكفير الشافعية يقول: أخشى أن يسألني الله عما تركت للشافعية مما تحت ايديهم".
ويتابع الحاشدي بأن هذين الرجلين "نموذجان للتكفير ولعل الحوثية اليوم تقتفي نفس الخطى كما هو واضح في تكفير اهل اليمن ولكن بأسلوب مبطن فهي تستحل دماءهم وتفجر مساجدهم وتهدم مدنهم وقراهم بدعوى انهم دواعش تكفيريون، وقد ابتدأ الأمر منذ حصار دماج، حيث اتهم طلاب دماج بأنهم وهابيون تكفيريون وتم اضافة الداعشية لإعطاء المسألة زخما مرعبا لتبرير تكفيرهم لمن سواهم، بينما الواقع المشاهد خير دليل على إجرامهم وعدوانهم".
ويشهد لهذه الرؤية تجاه الثقافة التكفيرية الممتدة عند الحوثيين ومرجعياتهم التاريخية والسياسية ما يقوله صاحب كتاب (الحدائق الوردية ج٢ ص١٣ ط المؤيد)، أحد المراجع الفكرية لدى الشيعة الزيدية، واصفاً الهادي إمام الزيدية الهادوية، وبداية دعوته في اليمن، بأنه "كان (أي الهادي) هو الذي نشر الإسلام في أرض اليمن بعد أن كانت ظلمات الكفر فيه متراكمة وموجات الإلحاد متلاطمة حتى انهل من نحورهم الأسل الناهلة، وأنقع من هامهم السيوف الضامية فانتعش الحق بعد عثاره، وعلا بحميد سعيه مناره"، بينما تقول كتب التاريخ إن دعوته قامت على التكفير والعنف والظلم".
وقد علق نائب رئيس هيئة علماء اليمن الدكتور محمد بن موسى العامري على فتوى المطاع بتكفير الرئيس هادي والشعب اليمني، قائلاً بأنه "لا جديد في هذه الفتوى سوى كشف المستور عن عقيدة التقية لغرض التحشيد المذهبي والطائفي ضد مخالفيهم الذين يكفرونهم ويستبيحون دماءهم وأموالهم...وبخاصة بعد الانكسارات التي مني بها الانقلابيون في كثير من الجبهات. والذين لايتورعون عن الطعن في الصحابة وتكفيرهم _وهم أئمة العلم والدين- فمن الطبيعي أن يكفروا عامة المسلمين المخالفين لهم !! ومن ثم التعدي عليهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.."، وختم منشوراً له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، قائلاً: "اقرأوا تاريخهم لتعرفوا حقيقتهم".
وفي وقت سابق، أصدر المتمردون الحوثيون وحليفهم السياسي الرئيس المخلوع علي صالح، الذي يتحدر من الجغرافيا الزيدية التي ينتمي إليها الحوثيون، فتوى مماثلة أطلقوا عليها "وثيقة الشرف القبلية"، تستبيح دماء اليمنيين المعارضين لهم وتتهمهم بالخيانة.
والمفارقة الغريبة أن المتمردين الحوثيين الذين يمثلون ذراع إيران في اليمن كانوا قد نجحوا قبل نحو عامين في تضليل العديد من وسائل الإعلام المحلية والغربية بشأن اتهاماتهم ضد السلفيين في مركز دار الحديث بدماج محافظة صعدة بأنهم تكفيريون، وتسويق هذه الاتهامات لتبرير العدوان عليهم وحصارهم وصولا إلى تهجيرهم قسريا.
واعتبر الباحث اليمني عبدالناصر الخطري، بأن "التكفير ٲقصر الطرق لاستباحة دم المخالف، وتبرير الجرائم التي تنتهك ماله وعرضه !"، مضيفاً بأن "التكفير حكم شرعي له ضوابطه وٲحكامه، والإشكالية تكمن في فوضى تطبيقاته وتنزيلاته البشرية التي لا تراعي تلك الضوابط والأحكام".
وينطلق الحوثي وأتباعه من موروث فكري موغل في النظرة الضيقة تجاه أهل السنة ونظرة استعلائية لذواتهم. وكونهم ينتمون لآل البيت، حسب زعمهم، فإن السلطة حق إلهي حصري لهم، خصهم به الله دون سائر الناس،ــ والذين يخالفوهم من المسلمين ينظرون إليهم باعتبارهم بغاة وخوارج مهدورين الدم ومباح قتلهم وسبي نسائهم وأموالهم، كما في تاريخ عبد الله بن حمزة وغيره من أئمتهم، ولذا يكرر التأريخ نفسه حين يرى الحوثي ومليشياته بأن مخالفيهم عملاء لأمريكا وإسرائيل يجب قتالهم واستئصالهم في خطاب تحريضي يستأصل الآخر المخالف ويكفره.
وكان الحوثيون خرجوا منذ فترة بوثيقة، أطلقوا عليها "الوثيقة الفكرية والثقافية" جمعوا فيها خلاصة اعتقادهم، وتكشف الوثيقة بجلاء تام حقيقة مذهبهم وطريقة تفكيرهم وبرنامجهم السياسي، ونظرتهم لأنفسهم ولغيرهم.. ووقعها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، وترى "الوثيقة الفكرية والثقافية" للجماعة أن الله قد اصطفى الجماعة على بقية الخلق تحت بند: "الاصطفاء"، وتُلغي الوثيقة حق الجماعات الأخرى أياً كانت، وتذكر الوثيقة أن نهج الهداية والأمان من الضلال محصور -إلى جانب القرآن- في أهل بيت الحوثي دون سواهم؛ لأنهم حجج الله في أرضه، وقرناء كتابه!! وتضيف أن "أي اجتهاد أو تجديد لا يتفق مع آرائهم وفكرهم أو يخالف أهل بيتهم فهو مرفوض، بل هو مفسد للدين؛ لأنه يعتبر خلافاً لمن أمر الله بطاعتهم، وهذه الوثيقة وثيقة دينية وتؤكد حال الحوثيين وما هم عليه من الطائفية والعنصرية، ورفض كل من يخالفهم، بل وتكفيره، وهي وثيقة لم تنفصل بأي حال من الأحوال عن المعتقد الحوثي الزيدي الموافق للفكر الاثنا عشري في كثير من أفكاره ومعتقداته وانحرافاته، حسب الباحثين.
وتظل ثقافة التكفير واستباحة دماء الخصوم السياسيين متأصلة في الوعي السياسي والديني للشيعة الزيدية في اليمن ومرجعياتهم، ولا تختلف عن غيرها من فرق الشيعة الباطنية والرافضة.